ساركوزي يسعى لاحتواء هزيمته الانتخابية بتعديل وزاري

بطل جودو سابق ومقربون من شيراك مرشحون لدخول الحكومة.. واليسار يفتح معركة الرئاسة

TT

لم ينجح اليمين الفرنسي الحاكم في تكذيب استطلاعات الرأي التي كانت تؤشر كلها لهزيمة ساحقة للأكثرية الحاكمة ولفوز غير منازع للوائح المعارضة من اليسار والبيئويين. ويطغى اللون الوردي (للاشتراكيين) على خريطة فرنسا القارية كلها باستثناء بقعة زرقاء (لون حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية)، في منطقة الألزاس الواقعة شرق البلاد ونجح اليمين في الاحتفاظ بها من أصل 22 إقليما، باستثناء أقاليم ما وراء البحار الثلاثة. ولعل الأسوأ من ذلك هو الفارق الواسع بين اليمين واليسار في نسبة الأصوات، حيث حصل اليسار، على المستوى الوطني، على 54.1 في المائة من الأصوات مقابل 35.4 في المائة لليمين. أما المفاجأة الحزينة الثانية للرئيس ساركوزي ولليمين بشكل عام فهي عودة اليمين المتطرف المتمثل بالجبهة الوطنية إلى الواجهة. فلائحة زعيمه جان ماري لوبن حصلت في منطقة البروفانس – الألب - الشاطئ اللازوردي على نحو 23 في المائة من الأصوات، فيما حصلت ابنة مارين على نسبة قريبة جدا في منطقة الشمال. وعلى مستوى فرنسا ككل، حصدت لوائح اليمين المتطرف نحو 10 في المائة من الأصوات، وكانت مسؤولة في 12 منطقة عن المستوى المتدني من الأصوات التي حصدتها لوائح اليمين التقليدي. وبعد أن اعتبر الرئيس ساركوزي أنه نجح في وأد اليمين المتطرف واجتذاب جمهوره، جاءت الانتخابات الإقليمية بالتكذيب «الملموس». ولم يتردد الكثيرون في تحميل المسؤولية للرئيس نفسه وللحكومة التي أطلقت ما سمي النقاش حول «الهوية الوطنية» الفرنسية ومكوناتها، مما وضع ظاهرة الهجرة والمهاجرين والإسلام والبرقع في قلب النقاش وروج لطروحات اليمين المتطرف مما انعكس في صناديق الاقتراع.

إزاء هذه النتائج التي أجمعت الصحافة الفرنسية على اعتبارها «لطمة» للرئيس الفرنسي ولاستراتيجيته وسياساته الاقتصادية والاجتماعية ولأسلوبه وطريقة حكمه، غير قصر الإليزيه تكتيكه السياسي، إذ لم يعد ممكنا نكران الواقع الملموس، وهو ما ظهر في تصريحات قادة اليمين، بدءا برئيس الحكومة فرنسوا فيون الذي تحدث عن «الفشل» وأعلن أنه يتحمل المسؤولية «جزئيا». وهزم 8 وزراء كانوا يترأسون لوائح اليمين في 8 مناطق كما هزمت لوائح 11 آخرين منهم، مما يشكل نصف الحكومة. وبعد أن كان متوقعا أن يقدم فيون استقالة حكومته (وهو تقليد جار في فرنسا عقب إصابة الحكومة القائمة بهزيمة انتخابية) ارتأى العدول عن ذلك والاستعاضة عنه بتعديل وزاري محدود.

وطيلة يوم أمس، أجرى ساركوزي وفيون مشاورات سياسية واسعة بحثا عن الصيغة «المثلى» للرد على الهزيمة واستعادة المبادرة والحد من النتائج السياسية لعودة اليسار بقوة وللوهن الذي أصاب الأكثرية السياسية. أما الهدف الآخر فهو إعادة تعبئة القاعدة الشعبية لليمين التي إما هجرته وامتنعت عن التصويت أو صوتت لليمين المتطرف أو للوائح اليسار. ورغم أن نسبة المشاركة أول من أمس ارتفعت بمعدل أربع نقاط قياسا للدورة الأولى، فإنها لم تكن كافية لقلب التيار والحد من الخسائر. وتصاعدت من صفوف نواب اليمين ومسؤوليه السياسيين الدعوات «لاستخلاص» العبر السياسية، فيما أكدت أوساط الإليزيه أن الرئيس ساركوزي «لن يغير خطه السياسي» كما أنه «لن يتخلى عن خططه الإصلاحية» وهو ما أكده صباح أمس الناطق باسم حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية فريديريك لوفيفر.

إزاء كل ذلك، «انحصر» الرد بتغييرات «محدودة» على حكومة فرنسوا فيون، وتردد أمس أن أبرزها خروج الوزير كزافيه داركوس، وزير العمل والشؤون الاجتماعية من الحكومة بسبب حصوله على أدنى نسبة من الأصوات لصالح اليمين في كل مناطق فرنسا. وكان داركوس، حتى وقت قريب، مرشحا محتملا لخلافة فيون على رأس الحكومة. كذلك سربت معلومات تتحدث عن رغبة ساركوزي وفيون في إدخال وزراء قريبين من الرئيس السابق جاك شيراك وحتى من رئيس الحكومة السابق دومينيك دو فيلبان الذي يتأهب لإطلاق حركة سياسية جديدة. والغرض من ذلك يفهم على أنه إما مسعى لإرضاء دو فيلبان وإعادة الوحدة إلى اليمين أو إضعافه بسبب خططه السياسية وإمكانية منافسته ساركوزي عام 2012 على منصب رئاسة الجمهورية. ورجحت معلومات أن يتناول التعديل المنتظر 6 أو 7 وزراء دولة (وزراء صف ثان) إضافة إلى داركوس ووزير الهجرة والهوية الوطنية الاشتراكي السابق أريك بيسون. ويدور كلام حول توزير بطل الجودو السابق والنائب الحالي دافيد دوييه.

وفي المعسكر المقابل، فتح الفوز صفحة جديدة لتجمع أحزاب اليسار والخضر. والنتيجة الأولى، عودة اليسار المغيب منذ الانتخابات الرئاسية بقوة إلى وسط الجدل السياسي حيث يلج الاستحقاقات الانتخابية القادمة عام 2012 (الرئاسية والنيابية) من موقع جيد. وإذا كانت سكرتيرة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري خرجت قوية ودعمت شرعيتها على رأس حزبها بما في ذلك مواجهة ساركوزي بعد عامين، فإن أصواتا اشتراكية حذرت من «حرب داخلية» تكون مسيئة للجميع. وسيتوجب على الاشتراكيين أن يقوموا بعد عام بتعيين مرشحهم للمنافسة الرئاسية عن طريق انتخاب داخلي. أما أسماء المرشحين المحتملين فعديدة ولا تقل عن خمسة أو ستة يتعين الفصل بينها. وكان دانيال كوهين بنديت، أحد زعماء تيار الخضر قد دعا كل البيئويين للتفكير بصيغة تجمع بين كل هؤلاء بحيث لا يبقون مشتتين بين تيارات صغيرة. وواضح أنه إذا كان من الصعوبة بمكان على ساركوزي استخلاص العبر والتوفيق بين التناقضات التي تسببت بها الهزيمة، فإن اليسار الفائز يواجه بدوره صعوبات في التعاطي مع نتائج الانتصار ولتفادي «كبوات» الانقسام والتشتت التي أساءت إليه في الماضي وسهلت مهمة خصومه السياسيين.