الإعلام الإسرائيلي يحذر من آثار أزمة أخرى مع واشنطن

أحزاب اليمين المتطرف الإسرائيلية تبحث تشكيل وحدة بينها لمواجهة السياسة الأميركية

TT

في الوقت الذي يستعد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للقاء الرئيس الأميركي، باراك أوباما، اليوم في واشنطن، أعلن قادة أحزاب اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم وفي المعارضة، أمس، عن نيتهم توحيد صفوفهم «في ضوء الأخطار التي تواجه الدولة اليهودية وفكرة أرض إسرائيل»، جراء الضغوط الأميركية ورضوخ نتنياهو لهذه الضغوط.

وقال وزير العلوم، دانئيل هيرشكوفتش، وهو زعيم حزب «البيت اليهودي» الشريك في الائتلاف، والنائب يعقوب كتسيلا، رئيس «الاتحاد القومي»، الذي يضم أحزاب اليمين المتطرف المعارض، إن الخلافات بينهما لا تستحق بقاءهما منفصلين. وخلال زيارة لمعهد ديني في القدس، وعلى مسمع رؤساء المؤسسات الدينية المتزمتة، اعتبرا هذه الخلافات «مثل خلافات الزوجين العادية التي لا توصل الزوجين إلى طلاق».

وعلى خلفية هذه التصريحات، قال الرباي حايم دروكمان، أحد قادة المتدينين في المستوطنات، إن «الرئيس أوباما يحسب أنه خالق الكون بيديه، وأن من حقه أن يتحكم بشؤون هذا الكون». وأضاف: «الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون، وقد اختار شعب إسرائيل لينظم هذا الكون وليس أوباما».

وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد خرجت، أمس، بموقف موحد هاجمت فيه حكومة نتنياهو على قرار داخلي اتخذته في إطار الرضوخ للمتدينين المتزمتين، واعتبرته بداية انهيار هذه الحكومة. والقرار هو نقل مشروع بناء جناح في مستشفى في مدينة أشكلون الجنوبية، بسبب اعتراض المتدينين. فهذا النقل يكلف خزينة الدولة بما يعادل 40 مليون دولار، فقط لأن المتدينين يخشون من البناء فوق مقبرة يعتقد بأنها مقبرة يهودية، مع أن رجال دين عديدين أجازوا البناء في المكان. وعزز هذا الموضوع الطابع الانهزامي لشخصية نتنياهو، وكما وصفه بيان حزب «كديما» أمس: «إنه الرضوخ الدوري أمام الضغوط».

وقد كتب عكيفا الدار في «هآرتس»، أمس، أن نتنياهو بإدارته السياسية الفاشلة تسبب في تغيير الموقف الأميركي من موضوع القدس. فطيلة 42 عاما، أي منذ احتلال القدس الشرقية وغيرها من المناطق العربية، كانت الحكومات الإسرائيلية تبني في المدينة لليهود حتى أصبح فيها نحو ربع مليون يهودي، وكانت الإدارات الأميركية الجمهورية والديمقراطية على السواء تنتقد في العلن وتسكت. واليوم، بعد استفزاز حكومة نتنياهو لنائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى التعهد خطيا بالامتناع عن البناء إلا بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، وهذا أمر غير مسبوق. وهو ينطوي على وضع اللبنات الأولى لمشروع تحويل القدس الشرقية إلى عاصمة للدولة الفلسطينية. ومع أن الأمر يتناقض كل التناقض مع سياسة اليمين، فإنه وافق عليه راضخا.

وكتب الخبير في العلاقات الأميركية الإسرائيلية السياسية، د. تشيلي روزنبيرغ في «معاريف»، أن هناك هوة سحيقة ما بين سياسة نتنياهو وسياسة البيت الأبيض في قضايا عديدة في مقدمتها قضية السلام في الشرق الأوسط. وأن الإدارة الأميركية ليست بلهاء، إنما تعرف أنها إذا مارست الضغوط على نتنياهو فإنه قابل للرضوخ. والتجربة في الأزمة الأخيرة كانت خير برهان. ولذلك، فإنها لن تكون الأولى والأخيرة.

وكتب يوري جنكين في الصحيفة نفسها، أمس، أن رضوخ نتنياهو للمتدينين المتزمتين ينطوي على أكثر من مغزى. فالرجل يحسب حسابا لشيء واحد لا يوجد سواه، ألا وهو الحفاظ على كرسيه. ويضيف أن الأزمة مع الإدارة الأميركية أيضا تعود إلى هذه القضية «فهو يخشى حلفاءه في اليمين المتطرف، وفي مقدمتهم المتدينون المتزمتون. وهؤلاء من طرفهم قلقون جدا من قرار نتنياهو الرضوخ إلى الإدارة الأميركية والقبول بمبدأ الدولتين للشعبين، خصوصا بعد أن رضخ ثانية وقرر تجميد البناء الاستيطاني بشكل جزئي. فقرروا الرد عليه بنسف تسوية الدولتين بخطوات على الأرض، وأهمها البناء في القدس، ولا يستبعد أن يكون قرار البناء في شعفاط 1600 وحدة سكنية خلال زيارة بايدن، جاء مقصودا بهدف إثارة الأزمة». ويضيف الكاتب أنه كان بإمكان نتنياهو أن يسوي هذه المشكلة بثمن بخس هو إقالة وزير الداخلية إيلي يشاي. فهكذا، كان سيرضي الأميركيين ولا يدفع أي ثمن لهم. وكان سيرضي العلمانيين الذين يشكلون غالبية المجتمع الإسرائيلي. وكان من الممكن أن يفتح الطريق أمام حزب «كديما» للانخراط في الحكومة بدلا من حزب «شاس»، الذي يقوده يشاي، أو يعيد إلى الساحة مؤسس حزب «شاس»، أريه درعي، رئيسا مكان يشاي. أما نتنياهو فاختار كعادته حلا يجعل مشكلته أشد تعقيدا. فقد خاف من الإقدام على أية خطوة تغضب «شاس». وتورط في أزمة مع الإدارة الأميركية. وبعدئذ رضخ للضغوط الأميركية. وظهر أمام المتدينين كقائد ضعيف يسهل ابتزازه بالضغوط.