بريطانيا تطرد دبلوماسيا إسرائيليا من أراضيها.. وتؤكد: أضفتم إهانة إلى الجرح

الخارجية البريطانية لـ «الشرق الأوسط»: ثقتنا اهتزت * حماس ترحب.. وهستيريا حد الشتائم في إسرائيل.. وباريس تبدأ تحقيقا تمهيديا

ديفيد ميليباند وزير الخارجية البريطاني يلقي بيانا أمس في مجلس العموم البريطاني حول نتائج التحقيقات بشأن استخدام جوازت سفر بريطانية مزورة في عملية قتل القيادي في حركة حماس بدبي (رويترز)
TT

في خطوة قد تلقي بظلالها على مجرى العلاقات الدبلوماسية بين لندن وتل أبيب، أعلنت بريطانيا أمس عن طرد دبلوماسي إسرائيلي ردا على استخدام جوازات سفر بريطانية مزورة في عملية اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دبي. وفيما أثار القرار البريطاني «غضبا هستيريا» في إسرائيل، رحبت حماس به. وجاء ذلك بينما أعلن في باريس أن تحقيقا تمهيديا قد شُرع به قبل أكثر من 10 أيام بشأن استخدام أربعة جوازات سفر فرنسية في الحادثة ذاتها.

وقرأ ديفيد ميليباند وزير الخارجية البريطاني بيانا أمس أمام مجلس العموم لإطلاعهم حول نتائج التحقيقات بشأن استخدام 12 جواز سفر بريطانيا مزورا في عملية قتل القيادي في حركة حماس في دبي في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وقال ميليباند في البيان إن «تقرير لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة البريطانية للتحقيق في موضوع الجوازات المزورة، أثبت بما لا يجعل هناك أي مجال للشك أن هذه الجوازات الـ12 التي استُخدمت في العملية تعود إلى أشخاص بريطانيين أبرياء»، وأكد: «ليس لبريطانيا أي علاقة بما حدث في دبي، ولم يكن لها أي علم مسبق بتلك العملية». وأضاف ميليباند: «لقد توصلنا إلى استنتاج أن هذا التزوير قام به عملاء لجهاز مخابرات. وقد توصلنا بما لا يدع مجالا للشك إلى أن إسرائيل هي المسؤولة عن هذه العملية. وهذا أمر نعتبره خطيرا ويتعارض مع سيادة بلادنا، بل إنه جاء من طرف بلد نعتبره صديقا لنا». وأضاف ميليباند أنه «رغم أن إسرائيل دولة ديمقراطية فعلت أشياء جيدة وتعيش في منطقة مليئة بالمشكلات، فإن الحكومة البريطانية لا يمكنها رغم ذلك إلا أن تتخذ عدة خطوات ردا على ذلك».

وكان قد عُثر على المبحوح جثة هامدة في غرفته في أحد فنادق دبي في 20 يناير (كانون الثاني). واتهمت شرطة دبي 26 شخصا يحملون جوازات غربية، من بينهم 12 شخصا يحملون جوازات سفر بريطانية، بقتل القيادي في منظمة حماس. واتهمت الشرطة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) بالوقوف خلف العملية.

وأكد ميليباند في بيانه أمس أن «الحكومة تأخذ القضية على محمل الجد، وأن سوء استخدام الجوازات البريطانية أمر لا يمكن التساهل معه»، مضيفا أن هذا «يشكل خطرا على سلامة المواطنين البريطانيين في المنطقة، كما أنه يمثل تجاوزا بليغا على سيادة المملكة المتحدة». وقال إن ضلوع إسرائيل «البلد الصديق» في القضية «يضيف إهانة إلى الجرح».

وقال ميليباند إنه التقى مرتين السفير الإسرائيلي في لندن رون برسور ودعاه بشكل قاطع إلى أن لا يتكرر هذا ما حدث أبدا في المستقبل. وأعلن ميليباند أنه لا يجد مفرا من إبعاد أحد العاملين بالسفارة الإسرائيلية في لندن.

ورغم أن ميليباند لم يعلن عن هوية الدبلوماسي الذي تم طرده، فإن مصادر بريطانية أكدت أن المقصود هو ممثل جهاز الموساد في السفارة. واستبعدت المصادر أن يكون السفير الإسرائيلي معنيا بالطرد. وكشفت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية في عددها أمس عن أن لندن بصدد طرد ممثل الموساد في السفارة الإسرائيلية، وأنه تم استدعاء السفير الإسرائيلي إلى وزارة الخارجية البريطانية وتم إطلاعه على نتائج التحقيق الذي أمر به رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون في فبراير (شباط). وبحسب الصحيفة فإن وزير الخارجية البريطاني امتنع عن حضور حفل كان مقررا أمس في السفارة الإسرائيلية، بمناسبة تدشين مبناها الجديد وسط لندن، كان من المفترض أن يحضره بصفته ضيف شرف.

ومن جانبه، عبّر السفير الإسرائيلي عن خيبة أمل بلاده. وقال للصحافيين في وقت لاحق أمس إن «العلاقات بين إسرائيل والمملكة المتحدة مهمة للطرفين لذلك أُصبنا بخيبة الأمل لقرار الحكومة البريطانية». وأضاف أن «رغبتنا واضحة في تدعيم الأسس المتينة لعلاقاتنا وهي علاقات حيوية ومفيدة لبلدينا».

غير أن ميليباند كان قد شدد أمس في البيان على أنه على الرغم من تورط إسرائيل في تزوير جوازات السفر البريطانية فإن بلاده «عملت وستعمل من كثب مع إسرائيل على مختلف الصعد وأبرزها تهديد الملف النووي الإيراني، غير أن هذا التعاون يجب أن يستند إلى الشفافية والثقة».

وفي هذا الصدد قال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط» حول مستقبل العلاقات بين بلاده وإسرائيل: «نحن ملتزمون بعلاقاتنا مع إسرائيل ونعتقد أن هذه العلاقات تخدم مصلحة البلدين، غير أن العمل الدبلوماسي بين بريطانيا وإسرائيل يتطلب أن يجري وفقا لأعلى مستويات الثقة، تلك الثقة التي اهتزت بسبب الحادثة»، مشددا على استخدام تعبير «مغادرة» بدلا من «طرد» الدبلوماسي الإسرائيلي.

وفي غزة، رحبت حركة المقاومة الإسلامية حماس بالموقف البريطاني، وقال صلاح البردويل القيادي في حماس في بيان صحافي: «نرحب بالموقف البريطاني القاضي بطرد مسؤول الموساد في السفارة الصهيونية لضلوعه في جريمة اغتيال الشهيد المبحوح»، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.

أما في تل أبيب فقد أثار القرار البريطاني «غضبا هستيريا» بلغ حد الشتائم على بريطانيا. ودعا رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية تساحي هنغبي السياسيين الإسرائيليين إلى الامتناع عن التعليق على الموضوع، قائلا: «ما الذي جرى؟ هذه ليست أول أزمة تمر بها إسرائيل على خلفية توجيه اتهامات إلى الموساد. وقد اتبعنا طول الوقت سياسة ضبابية وأبدينا ضبط نفس شديدا ولم نعلق. فالتعليقات تعود علينا بالضرر. ونحن لسنا بحاجة إلى تدهور جديد في علاقاتنا الدولية، وخصوصا مع دولة صديقة مثل بريطانيا».

والتزمت وزارة الخارجية الإسرائيلية بهذا التوجه ورفضت أن تنفي أو تؤكد نبأ طرد الدبلوماسي، لكنها وافقت على القول إن السفير الإسرائيلي في لندن استُدعي صباح أمس إلى الخارجية البريطانية لإطلاعه على نتائج التحقيقات البريطانية في عملية اغتيال المبحوح.

وحسب صحيفة «هآرتس»، فقد أبلغ السفير بأن نتائج التحقيق البريطاني دلت على أن سلطات الأمن الإسرائيلية وقفت في مطار بن غوريون مواطنين بريطانيين لمدة 20 دقيقة بدعوى التحقيق واستغلت هذا الوقت في استنساخ جوازات سفرهم، وأن هذه الجوازات المستنسخة هي التي استخدمها الموساد أو غيره من أجهزة المخابرات الإسرائيلية في عملية اغتيال المبحوح. وأن هذا يُعتبر اعتداء صارخا على أمن بريطانيا.

بيد أن مسؤولا حكوميا كبيرا اعترف بطرد الدبلوماسي الكبير، الذي يعتبر ممثلا للموساد الإسرائيلي في بريطانيا. وقال المسؤول الإسرائيلي لصحيفة «معريب» الإسرائيلية إن الحكومة تعالج الموضوع بالطرق المناسبة.

وقد أعرب النائب السابق لوزير الخارجية الإسرائيلي، النائب مجلي وهبي، وهو من حزب «كديما» المعارض، عن قناعته بأن النشر الذي بادر إليه البريطانيون يعود إلى حسابات انتخابية. فحزب العمال البريطاني، الذي يعاني تقهقرا كبيرا في شعبيته في بريطانيا، يحاول استعادة مجده بواسطة التحريض على إسرائيل. ومع ذلك فإن وهبي لم يبرئ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من مسؤولية التدهور في مكانة إسرائيل. وقال إن رئيس الحكومة مشغول في إرضاء اليمين المتطرف في حكومته، بينما يهمل مصالح إسرائيل في الخارج.

ومن جهته، هاجم عضو الكنيست من حزب «الاتحاد القومي» في المعارضة اليمينية، أريه الداد، بريطانيا على طرد الدبلوماسي الإسرائيلي، وقال إن «بريطانيا تتصرف كالكلاب»، ثم تراجع وقال: «الكلاب أكثر إخلاصا».

وطالب الداد حكومة إسرائيل بأن تردّ بطرد دبلوماسي بريطاني كبير مثل الملحق العسكري، من السفارة البريطانية في تل أبيب. وأما رفيقه في الحزب، النائب ميخائيل بن آري، فاعتبر بريطانيا «لا سامية معادية لليهود». وقال عضو الكنيست من حزب الليكود الحاكم يريف ليفين، إن طرد الدبلوماسي يمسّ الحرب العالمية ضد الإرهاب، ودعا بريطانيا إلى سياسة متوازنة بدل تشجيع الإرهاب.

إلى ذلك، انتظرت نيابة باريس 11 يوما قبل الكشف عن أنها أمرت بفتح تحقيق تمهيدي بشأن استخدام جهاز الموساد الإسرائيلي أربعة جوازات سفر فرنسية في اغتيال المبحوح.

غير أن المعلومات التي تضمنها بيان النيابة العامة في باريس أمس وتلك المتسربة عنها توفر تفاصيل إضافية تم التوصل إليها بفضل التحقيق الذي قامت به الجهات المعنية في فرنسا. وبحسب هذه المعلومات، فإن هذه الجوازات «إما أعطيت بموجب هويات مزورة وإما تم تزويرها عبر إلصاق صورة لا تتناسب مع هوية الشخص» الذي يحملها.

وأفاد البيان أن أحد الجوازات صادر عن مديرية شرطة باريس. لكن لا البيان ولا المعلومات التي سربت أمس ذكر أماكن إصدار الجوازات الثلاثة الأخرى.

وحتى الآن، لم تقم باريس الصلة بين عملية الاغتيال وبين الجهات الإسرائيلية رغم أن القائم بالأعمال الإسرائيلي استُدعي منتصف الشهر الماضي إلى الخارجية الفرنسية التي طلبت منه «توضيحات» حول استخدام جوازات فرنسية. ولم يُعرف حتى الآن ما إذا كانت إسرائيل استجابت للطلب الرسمي الفرنسي وقدمت المعلومات التي تريدها باريس.

ولم تتوافر معلومات عما إذا كانت الشرطة الفرنسية قد أرسلت محققين إلى إسرائيل لاستجواب أصحاب الجوازات الحقيقيين. ولكن بشكل عام، تتحاشى فرنسا إثارة هذا المسألة بحدة مع إسرائيل. وترجح أوساط متابعة للموضوع أن باريس لا تريد أزمة دبلوماسية أو سياسية مع إسرائيل في الوقت الذي تسعى فيه للعب دور ما في ملف المفاوضات.