«غوغل» والصين تدخلان مرحلة جديدة من المواجهة

بكين تحتج على وقف الرقابة الذاتية ونقل المستخدمين لهونغ كونغ.. والبيت الأبيض يأسف للخلاف

TT

بعد معركة استمرت شهرين مع النظام الشيوعي في الصين، أعلن عملاق الإنترنت «غوغل» الليلة قبل الماضية وقف الرقابة الذاتية، التي كانت تشترطها السلطات الصينية، على نتائج عمليات البحث على محركه، مؤكدا في الوقت ذاته عزمه الإبقاء على حضوره في هذا البلد الذي يضم سوقا هائلة للإنترنت تصل إلى 400 مليون مستخدم.

وبعد رد فعل أولي عنيف ندد بـ«انتهاك وعود خطية» قطعتها «غوغل»، حرصت الحكومة الصينية على الإشارة أمس إلى أن الخلاف مجرد «ملف تجاري» ليس من شأنه أن يسيء إلى العلاقات الصينية ـ الأميركية «إلا إذا أراد البعض تسييسه»، على حد قول متحدث باسم الخارجية الصينية.

وللالتفاف على المطالب الصينية، قررت «غوغل» تحويل المستخدمين الذين يدخلون موقعها «غوغل سي إن» إلى موقعها في هونغ كونغ، المستعمرة البريطانية السابقة التي تحظى بوضع خاص يتضمن قدرا أكبر من الحريات منذ عودتها إلى الصين عام 1997.

وعبر البيت الأبيض عن أسفه للخلاف بين الجانبين. وقال مايك هامر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض «نحن نشعر بخيبة الأمل لعدم تمكن غوغل والحكومة الصينية من التوصل إلى اتفاق يسمح لغوغل بمواصلة تشغيل خدمات البحث في الصين على موقعها». وأضاف أن «غوغل» «اتخذ قراره استنادا إلى ما يعتقد أنه في صالحه».

وإذا كان قرار «غوغل» قد بدئ بتطبيقه بنجاح اعتبارا من أمس في الصين حيث تحال كل المحاولات للدخول إلى «غوغل» الصين تلقائيا إلى بوابة «غوغل كوم اتش كي»، فإن عمليات البحث على بوابة هونغ كونغ بواسطة كلمات مفاتيح محظورة في الصين تقود إلى صفحة بيضاء يعلن عليها أن «إنترنت اكسبلورر غير قادر على نشر هذه الصفحة».

وحتى إذا نشرت قائمة بالمواقع المرتبطة بهذه الكلمات المفاتيح، فيتعذر فتح الروابط إليها. وهذا ينطبق على المواقع الحساسة، مثل المواقع المرتبطة بالحركة المطالبة بالديمقراطية عام 1989 التي تعرضت لقمع دموي، أو حركة فالونغونغ الروحية المحظورة، باستثناء المواقع التي تعبر عن وجهة النظر الرسمية، كما على مواقع اجتماعية مثل موقع «يوتيوب» لأشرطة الفيديو وموقع «تويتر» للمدونات الصغيرة.

ويشير حجب هذه المواقع إلى أن نظام الرقابة الذي فرضته السلطات الصينية قادر على غربلة كل عمليات البحث التي تجري في الصين سواء على البوابة الصينية أو البوابات الأخرى. وعلى الرغم من إحالة المستخدمين إلى موقع «هونغ كونغ»، في إجراء يعني عمليا إغلاق موقعها في الصين، فإن «غوغل» أبدت عزمها على البقاء في الصين «لمواصلة أعمال البحث والتطوير والحفاظ على وجود تجاري». لكن المدير القانوني للشركة ديفيد دراموند حذر في المقابل على الموقع الرسمي لمدونة «غوغل» من أن «حجم الفريق التجاري سيتوقف بالطبع على قدرة المستخدمين في الصين القارية على الوصول إلى موقع غوغل كوم اتش كاي». ورغم ذلك كان أمس يوما مثل سواه في مقر المجموعة في بكين، حسبما أعلن «غوغل». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مارشا وانغ المتحدثة باسم «غوغل الصين» قولها: «كل ما يمكنني قوله إن الأعمال متواصلة بشكل عادي». وأضافت أنها لا تملك أي معلومات حول عمليات تسريح محتملة أو نقل موظفين إلى هونغ كونغ، مشيرة إلى أن أي «تعديلات» ستتقرر على ضوء ما ستؤول إليه الأمور.

وتجمع عشرات الصحافيين أمام مقر المجموعة في بكين منتظرين خروج الموظفين إذ لم يتمكنوا من الدخول إلى المكاتب، غير أن معظم موظفي «غوغل» رفضوا الإدلاء بأي تعليق، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال موظف طلب عدم كشف هويته «إن مديري يقول إن علي ألا أنقل أي شيء. علي ألا أقول أي شيء»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الأجواء «عادية» في «غوغل الصين». من جهته قال ممثل وكالة إعلانات متعاملة مع «غوغل» كان موجودا في المكاتب إنه قدم «للاستفهام عن الوضع، لكنني لم أحصل على رد واضح».

وعبر شبان صينيون أمس عن شعور امتزج فيه الأسف بالغضب والدهشة جراء قرار «غوغل» نقل خدمة البحث باللغة الصينية إلى هونغ كونغ. وقال شن ون (28 عاما)، الذي يعمل في مجال التمويل في حي تشونغ قوان تسون في بكين حيث يوجد مقر «غوغل»: «إنه قرار يبعث على الأسف». وأضاف أثناء مروره أمام مقر «غوغل»: «لكني مع ذلك أعتقد أنه كان أمرا محتوما. الحكومة لم تكن لتتراجع أبدا عن موقفها بشأن الرقابة. الصين تحتاج إلى هذه الشركة. إنها خسارة فادحة للبلاد».

كذلك، قال شاب آخر يدعى يو تشوانبو (25 عاما)، إنه يتوقع نتيجة مؤسفة الآن بعد أن أوقف «غوغل» الرقابة الذاتية على محرك البحث. وأضاف يو الذي يعمل في شركة كومبيوتر ويستخدم «غوغل» بانتظام: «لن يستمر هذا طويلا. سينتهي الأمر بالحكومة بمنع الوصول إلى جميع محتويات غوغل».

وتزامنا مع هذه التطورات، حددت بكين أمس موعدا للدورة الثانية للحوار الاقتصادي والاستراتيجي مع الولايات المتحدة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية كين غانغ إن «الصين والولايات المتحدة اتفقتا في شكل أولي على أن تجري الدورة الثانية من الحوار الاقتصادي والاستراتيجي في نهاية مايو (أيار)» المقبل، مضيفا أنه «يجري البحث في المواعيد المحددة» لهذه الدورة الجديدة. وكما في الدورة الأولى، ستتمثل الصين بنائب رئيس الوزراء وانغ كيشان المكلف بالمسائل الاقتصادية وبمسؤول حكومي رفيع المستوى هو مستشار الدولة داي بينغوو، فيما يتمثل الطرف الأميركي بوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الخزانة تيموثي غايتنر. وقال المتحدث إن «آلية الحوار هي قاعدة لتبادل وجهات النظر في مواضيع مهمة (وتهدف) إلى تشجيع التعاون في مجالات مهمة». وأضاف أن «البلدين سيغتنمان هذه المناسبة لتبادل وجهات النظر بينهما في مسائل ذات اهتمام متبادل، ومسائل استراتيجية وعالمية وبعيدة الأمد».

وجرت الدورة الأولى من الحوار الاقتصادي والاستراتيجي الصيني - الأميركي في واشنطن خلال الأسبوع الأول من يوليو (تموز) 2009. وأطلقت إدارة باراك أوباما هذا الحوار الاقتصادي والاستراتيجي ليحل محل الحوار الرفيع المستوى الذي باشرته إدارة الرئيس السابق جورج بوش نهاية 2006 وكان يجري مرتين في السنة ويتناول الخلافات الاقتصادية بين البلدين ولا سيما على الصعيد التجاري.

وستشكل هذه الدورة الثانية من الحوار أول اجتماع ثنائي بهذا المستوى منذ أن شهدت العلاقات بين البلدين سلسلة من الخلافات حول ملفات حساسة. وتعاقبت المواضيع الخلافية منذ مطلع العام بين الاقتصادين الأول والثالث في العالم، بدءا بعقد لبيع أسلحة أميركية إلى تايوان، ثم اللقاء بين الدالاي لاما وباراك أوباما، فحرية الإنترنت والانتقادات الأميركية لخفض قيمة العملة الصينية.