الخلاف مع إسرائيل يؤكد حدود سلطة واشنطن.. ووجود تحالف متغير

الإدارة الأميركية لم تكن متحمسة على نحو لافت خلال استقبال نتنياهو

TT

كشف الخلاف الذي اندلع بين إسرائيل والولايات المتحدة قبل أسبوعين حول بناء المستوطنات في القدس الشرقية حدود قدرة الولايات المتحدة على الضغط على قادة إسرائيل من أجل اتخاذ قرارات يرون أنها لا يمكن الدفاع عنها على الساحة السياسية. لكن هذا الخلاف يشير أيضا إلى أن العلاقة بين هذين الحليفين متغيرة، بطرق تعتبر مثيرة للقلق بالنسبة لمؤيدي إسرائيل.

لقد نظر الرئيس الأميركي باراك أوباما ومساعدوه إلى تسوية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وليس فقط إلى العلاقة مع إسرائيل، على أنها واحدة من مصالح الأمن القومي الأساسية للولايات المتحدة. لقد أعلنها صراحة الجنرال ديفيد إتش بترايوس، قائد القيادة الوسطى للجيش الأميركي، في شهادة أخيرة في الكونغرس الأميركي، حين قال «الصراع يذكي شعورا معاديا لأميركا نظرا لتفهم المحسوبية الأميركية تجاه إسرائيل». وأثارت تعليقاته الدهشة داخل الدوائر الرسمية في واشنطن وخارجها، لأنها تشير إلى أن مسؤولين عسكريين أميركيين يتبنون الفكرة التي تقول إن الفشل في حل الصراع قد بدأ يعرض حياة الأميركيين للخطر.

وجرى استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي الزائر بنيامين نتنياهو بحفاوة بالغة في مؤتمر للجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية (إيباك) ليلة الاثنين الماضي، عندما رفض صراحة المطالب الأميركية بإنهاء بناء المستوطنات في هذه المنطقة المتنازع عليها في القدس. وجرى استقباله استقبال الأبطال عندما زار مقر الكونغرس يوم الثلاثاء.

لكن الإدارة الأميركية كانت غير متحمسة على نحو لافت خلال الاستقبال. ولم تتم دعوة أي صحافي أو مصور فوتوغرافي عندما التقى نتنياهو وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ونائب الرئيس جو بايدن يوم الاثنين، ولا حتى عندما التقى مع الرئيس أوباما الليلة قبل الماضية. ولم تُعقد أي مراسم في الحديقة الوردية في البيت الأبيض. ولم يصدر متحدثون رسميون باسم الحكومة إلا تصريحات مقتضبة.

يتزامن هذا الفتور في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل مع تعميق واضح للعزلة الدبلوماسية الإسرائيلية. فقد تصاعد الغضب في أوروبا في أعقاب الاشتباه في استغلال جوازات سفر أوروبية لاغتيال ناشط فلسطيني في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة. ويوم الثلاثاء الماضي، أعلن وزير الخارجية البريطاني، ديفيد ميليباند، طرد دبلوماسي رفيع المستوى بشأن هذا الحادث، وهي خطوة عنيفة على نحو غير عادي من جانب أحد الحلفاء. وتدهورت العلاقات الإسرائيلية مع تركيا، التي تعد واحدة من الدول الإسلامية القليلة الصديقة لإسرائيل على مر العقود، إلى مستوى جديد من التدني.

وتعهد أوباما ومساعدوه بشدة بدعم الأمن الإسرائيلي، بما في ذلك تأكيد كلينتون عندما ألقت خطابا أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية يوم الاثنين، لكنهم واصلوا الانتقاد الشديد لسياسات الاستيطان التي تتبناها إسرائيل. وتحدثت كلينتون على نحو صريح بشأن هذه القضية عندما وجهت خطابا أمام هذه اللجنة الموالية لإسرائيل، وحذرت من أنه سواء شاء الإسرائيليون أم أبوا فإن «الوضع الراهن» ليس وضعا مستداما. وقد لاحظ قادة الدول في الشرق الأوسط مثل هذه المواقف من جانب الإدارة الأميركية.

وكتب رامي خوري، المحرر بصحيفة «ديلي ستار» في بيروت قائلا «لقد تجاوزت السياسات الإسرائيلية الإهانة الشخصية أو الإحراج للمسؤولين الأميركيين، وتسببت في ألم حقيقي للولايات المتحدة يتجاوز الساحة العربية - الإسرائيلية. هذا شيء جديد، وبالتالي تتفاعل الولايات المتحدة مع الانتقادات المتكررة والعامة والقوية على نحو غير معتاد، الموجهة للسياسات الإسرائيلية وموقفها العام بشأن التفاوض من أجل السلام». وأردف خوري قائلا «وفي الوقت نفسه، أكدت واشنطن مجددا التزامها الراسخ بحماية الأمن الأساسي لإسرائيل داخل حدود عام 1967، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة توضح في نهاية المطاف أن دعمها لإسرائيل لا يشمل دعما غير مشروط للسياسات الاستيطانية الإسرائيلية».

وبذلت إدارة الرئيس أوباما مجهودا كبيرا منذ البداية للعثور على موطئ قدم لها مع إسرائيل والفلسطينيين. فقد تولى أوباما منصبه كرئيس للبلاد بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي استمر ثلاثة أسابيع، وتسبب في توقف مباحثات السلام التي رعتها إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش. وعين أوباما مبعوثا خاصا، هو السيناتور السابق جورج ميتشل، في اليوم الثاني له من الحكم. بيد أن الإدارة حاولت بعد ذلك ممارسة الضغوط على إسرائيل من أجل تجميد التوسع في بناء المستوطنات، لكنها فشلت في ذلك. كما أن الولايات المتحدة فقدت مصداقيتها عندما تبنت كلينتون اقتراحا بحل وسط طرحه نتنياهو، والذي أخفق في أن يتوافق مع التوقعات الفلسطينية، وقالت إنه غير مسبوق.

كما أن الضغوط الأميركية في ذلك الوقت كانت لها نتائج عكسية، لأنها بدت وكأنها أغفلت الفلسطينيين. ورفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الدخول في محادثات مباشرة قبل تجميد بناء المستوطنات، على الرغم من أنه فعل ذلك من قبل. وكان على الإدارة القبول عن غير رضا بمحادثات غير مباشرة، في ظل قيام ميتشل بجولات مكوكية إلى المنطقة ذهابا وإيابا. وقد تسبب الخلاف الأخير في إعاقة هذا الجهد.

وكان المسؤولون بالإدارة الأميركية حريصين على رفض التصعيد في المباحثات الأخيرة بينهم وبين نتنياهو بشأن القدس، في الوقت الذي واصلوا فيه الإعراب عن استيائهم. وأدلى المتحدث باسم الخارجية الأميركية بي جيه كرولي بتصريحات مختصرة عندما طُلب منه وصف المحادثات الخاصة التي جرت لساعات مع نتنياهو خلال الأسبوع الحالي، حيث قال «لقد أوصلنا بعض المخاوف للحكومة الإسرائيلية. هذه عملية ديناميكية. هناك الكثير من الأخذ والرد في هذه المحادثات».

وقال كرولي إن «السبيل الوحيد لحل الادعاءات من قبل الطرفين بشأن مستقبل القدس كحل نهائي هو إجراء مفاوضات مباشرة.» وقال إن الإدارة تواجه سلسلة من الاختبارات الحاسمة: هل تستطيع إقناع الطرفين بإجراء محادثات مباشرة؟ هل تستطيع إقناعهما بمعالجة القضايا الشائكة التي تحيط بالوضع النهائي للقدس؟ وفي النهاية «هل نستطيع التوصل إلى اتفاق يكون في مصلحة إسرائيل وفي مصلحة الفلسطينيين، وفي صالح باقي الدول في المنطقة، وبكل وضوح في صالح الولايات المتحدة؟».

وقال الزعماء العرب منذ فترة طويلة إنه من الممكن التوصل إلى اتفاق سلام إذا مارست الولايات المتحدة الضغوط على إسرائيل. بيد أن الكثير من الخبراء يقولون إن مثل هذا الأمل في كثير من الأحيان في غير موضعه. وفي قضية القدس الشرقية، يعتقد نتنياهو أن أي توقف في بناء المستوطنات يمثل انتحارا سياسيا للائتلاف الخاص به، لذا فلن يقوده أي مقدار من الضغوط إلى تجميد الاستيطان، على الأقل حتى يكون في اللحظات الأخيرة من مباحثات السلام.

وقال روبرت مالي، أحد مفاوضي السلام في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون «من الممكن أن يأتي الضغط الأميركي بنتائجه، لكنه في حاجة إلى أن تتم ممارسته في الوقت الصائب، وحول القضية الصائبة وفي السياق السياسي الصائب. كانت الأحداث الأخيرة مثالا مناسبا. فالإدارة مستعدة للحرب، لكنها أدركت أن القضية، والتوقيت والسياق لم يكونوا صائبين. وتم إرجاء الأزمة، ولم تُحل».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»