سكان مقديشو ينقلبون ضد حركة «الشباب».. والانشقاقات تزداد في صفوفها

«مدينة» حي في العاصمة اشترك رجاله ونساؤه في مقاتلة المتطرفين وطردهم

TT

على مدار السنوات الثلاث الماضية، عمدت جماعة «الشباب»، وهي واحدة من أكثر الجماعات الإسلامية المسلحة إثارة للرعب في أفريقيا، إلى إرهاب الشعب الصومالي، من خلال قطع الأيدي ورجم البعض حتى الموت وحظر التلفزيونات والموسيقى، بل وحتى منع مشدات الصدر على النساء.

في الوقت ذاته، انجذبت الجماعة بدرجة أكبر في اتجاه تنظيم القاعدة، ونفذت تفجيرات انتحارية، واجتذبت عناصر متطرفة من مختلف أرجاء العالم وأججت مشاعر القلق الأميركية حيال إمكانية انتشارها إلى داخل كينيا واليمن وما وراءهما. لكن هل يمكن أن تكون الصومال قد وصلت إلى نقطة تحول في مواجهة «الشباب»؟ في الوقت الراهن، تستعد الحكومة الانتقالية الصومالية لشن هجوم ضخم ضد جماعة «الشباب»، بدعم استخباراتي ولوجستي من جانب المؤسسة العسكرية الأميركية، إضافة إلى أن سكان مقديشو المنكوبين، ومع شعورهم بحدوث تحول في الوضع العام، بدأوا في الانقلاب ضد الجماعة. الآن، تعمد النساء اللائي تعرضن للجلد والإذلال على يد قوات الشرطة الأخلاقية لكشفهن وجوههن إلى نقل أسرار قيمة عن الجماعة إلى الجنود الحكوميين، بينما رشق طلاب مدارس من المراهقين، استشاطوا غضبا بسبب وضع مقاتلين تابعين لـ«الشباب» راية سوداء أمام مدرستهم، المقاتلين بالحجارة. في الوقت ذاته، تشهد صفوف الجماعة عمليات انشقاق بالعشرات، بينهم صبي في الثالثة عشرة من عمره قال إنه عادة ما كان يجري حقنه بعقاقير مخدرة قبل تسليمه سلاحا آليا ودفعه إلى القتال. منذ عام 1991، عندما انهارت الحكومة المركزية في الصومال، عاين الناس هنا صراعا عنيفا تلو الآخر، الأمر الذي حول العاصمة مقديشو إلى أطلال، وباتت البلاد نموذجا للدولة الفاشلة. إلا أن الجماهير الصومالية لم يكن لها من قبل مثل هذه المصالح القوية المباشرة وراء الفائز في الصراع مثلما هي الحال الآن بالنسبة للمواجهة المرتقبة بين القوات الحكومية وجماعة «الشباب». في هذا السياق، وصف ضاهر محمد، الذي لا يزال يحمل ندبات في وجهه يقول إنها ناجمة عن ضرب مقاتلي «الشباب» له، مقاتلي الجماعة بأنهم «أشبه بالكلاب سريعة الحركة». يذكر أن الجماعة حطمت جميع التوقعات السابقة وأثبتت قدرتها على الصمود والبقاء. ويخشى بعض المحللين الصوماليين من أنه حتى إذا تمكنت الحكومة من التخلص من الجماعة وإنهاء قدرتها على العمل علانية، فإن مقاتلي الأخيرة ستبقى لديهم القدرة على إثارة فوضى في البلاد عبر تنفيذ تفجيرات انتحارية واتباع تكتيكات أخرى لحروب العصابات. من جهته، قال مارك باودين، رئيس العمليات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في الصومال: «سينسحبون ويتركون أفرادا خلف الخطوط». إلا أنه إذا تحول الصوماليون، الذين يمتلكون أسلحة كبيرة، بحسم ضد «الشباب»، وأمدت الحكومة الشعب ببديل يمكنه الالتفاف حوله، فإنه قد يصبح من العسير على المسلحين إعادة تكوين صفوفهم، حتى كجيش يخوض حرب عصابات. وقد بدأ النموذج الأمثل على رد الفعل الشعبي الغاضب في الظهور بالفعل داخل «مدينة»، وهي ضاحية تبعد بضعة أميال عن قلب مقديشو. تقع الضاحية بالقرب من المطار، وتتألف من شوارع رملية ومنازل جميلة دمرتها الآن نيران المدافع. واعتاد مقاتلو «الشباب»، في زيهم الشهير المكون من رداء أخضر من قطعة واحدة وأوشحة تحمل صور مربعات، السيطرة على قطاعات من «مدينة». إلا أنه خلال العام الماضي، اتحدت صفوف أبناء الضاحية، التي تهيمن عليها عشيرة واحدة، لطرد مقاتلي الجماعة. وانضم رجال شباب إلى الميليشيا، بينما عمل الرجال الأكبر سنا على جمع المال لشراء السلاح. واضطلعت النساء والفتيات بمهمة نقل الثلج والأرز والحليب إلى الصفوف الأمامية وواجهن نيران المدفعية بشجاعة في خضم جهودهن لإجلاء الضحايا. وقالت إحدى الأمهات، أمينة عبد الله محمد: «إننا نمقت (الشباب). لقد ضللوا الأفراد الأصغر سنا».

الآن، باتت «مدينة» واحدة من أكثر مناطق مقديشو أمنا، وعلى الرغم من أنها لم تستعد الأمن تماما، فإن مظاهر الحياة الطبيعية بدأت تجد طريقها إليها. على سبيل المثال، لم تشهد الضاحية وقوع تفجير انتحاري منذ أشهر، وتعج الأسواق بالسلع، وتتمتع بحماية أفراد ميليشيات يتميزون بملامح طفولية ويحملون رشاش «كلاشينكوف» على أكتافهم. وتقطع الشوارع حافلات صغيرة قديمة، بل وتشهد شوارع الضاحية ما يشبه حركة المرور. وتحرص شبكة محكمة تنتمي إلى العشيرة المهيمنة على الضاحية على مراقبة الأوضاع في المنطقة بحذر. الشهر الماضي، ألقي القبض على مدرس دين كان يجند الأطفال لصالح «الشباب».

يمكن القول إن «مدينة» تعكس صورة من ماضي الصومال، وربما مستقبلها الذي يلوح في الأفق. كانت الميليشيات التابعة لعشائر متناحرة قد تسببت في تقطيع أوصال البلاد في تسعينات القرن الماضي، الوضع الذي ظل باقيا حتى عام 2006، عندما امتلك تحالف إسلامي، يضم جماعة «الشباب»، زمام الأمور وبسط سيطرته على معظم أرجاء الصومال بصورة سلمية نسبيا. بعد ذلك، غزت قوات عسكرية إثيوبية البلاد، مما أشعل حرب عصابات قوية، مع تولي «الشباب» دور الريادة في جهود المقاومة. إلا أنه في أعقاب انسحاب القوات الإثيوبية العام الماضي وانتخاب الشيخ شريف شيخ أحمد، رجل الدين ذي التوجهات الإسلامية، رئيسا للحكومة الانتقالية، بدأت مشاعر التأييد الشعبي لـ«الشباب» في الانحسار. وتتراجع هذه المشاعر باستمرار منذ ذلك الحين، على الرغم من استمرار سيطرة «الشباب» وحلفاء لهم على أكثر من نصف جنوب وسط الصومال. من أجل استعادة القوات الحكومية السيطرة على هذه المناطق من خلال عملية هجومية، فإنها ستحتاج إلى مساعدة ميليشيات العشائر، مثل تلك المسيطرة على «مدينة». كما أن ترتيبات مشابهة قائمة بالفعل في أجزاء من وسط الصومال، حيث تمكنت ميليشيا إسلامية معتدلة من طرد «الشباب» العام الماضي. وعلق أحد المسؤولين الأميركيين بقوله: «لا أقول إن الصومال ستصبح دولة حديثة، لكنها لن تكون أيضا دولة إسلامية راديكالية». في المقابل، يبدو أن «الشباب» يقضون من غير قصد على أي فرص لتحقيق هذا الاحتمال الأخير، بالنظر إلى الانشقاقات التي تقع في صفوفهم والخونة بينهم والمشاحنات الداخلية المتفاقمة داخل الجماعة، طبقا لما أكده كثير من الصوماليين. منذ بضعة أسابيع، أعلن مسؤولو الأمن الصوماليون عن وقوع تفجير في أحد مخابئ «الشباب»، مما خلف عشرات القتلى. وقالت هيئة الخدمات الأمنية الصومالية إن التفجير وقع في إطار محاولة إحدى الفرق داخل «الشباب» للقضاء على أخرى، مما يعد دليلا على احتمال ظهور صدع جديد بين «الشباب» الصومالية وعدة مئات من الجهاديين الأجانب الذين انضموا إلى الجماعة. على ما يبدو، تعاني الجماعة أيضا من نقص الأموال النقدية اللازمة لإعالة مقاتليها الأساسيين الذين تقدر أعدادهم بـ3 آلاف مقاتل، بجانب ألفي مقاتل متحالف مع «الشباب».

* خدمة «نيويورك تايمز»