«القاعدة» في السعودية.. كيان بلا جغرافيا ولا حدود

التنظيم الأخير يغلب عليه اليمنيون وفيهم بنغلاديشي

TT

إعلان الداخلية السعودية الأخير عن خلايا «القاعدة» الجديدة في السعودية، ذات الصبغة اليمنية، لم يكن مفاجأة لمن يراقب الأوضاع ويرصد «المرحلة اليمنية» في مسيرة التنظيم الأصولي العسكري السعودي.

توقف البعض عند النسبة العالية لغير السعوديين في تنظيم القاعدة وخلاياه العاملة في البلاد، حيث كشف بيان الداخلية عن أن من تم القبض عليهم، وهم (101) شخص، كان بينهم 47 سعوديا و51 يمنيا وصومالي وبنغلاديشي وإريتري.. أي أن أكثر من نصف مجموع الخلايا كان من غير السعوديين، جلهم من اليمنيين، ومفهوم وجود صومالي أو إريتري، باعتبار ظروف القرن الأفريقي الملتهب، وإرث الحركات «الجهادية» في إريتريا والصومال، وسابق التجربة «البنلادينية» في الصومال وبلاد القرن الأفريقي، لكن الغريب إلى حد الظرافة وجود شخص من الجنسية البنغالية، التي تنتشر عمالتها الرخيصة بكثافة في السعودية.

كما تمكنت وزارة الداخلية في السياق نفسه من اعتراض خليتين تتكون كل منهما من ستة عناصر، وتعمل كل منهما بصفة مستقلة عن الأخرى، وكلتاهما على ارتباط مباشر بالتنظيم الضال الذي اتخذ من الأراضي اليمنية منطلقا لتنفيذ عملياته الإجرامية، وألقت الوزارة القبض على جميع أعضاء هاتين الخليتين، وعددهم 12 شخصا، وجميعهم سعوديون إلا يمنيا واحدا، وهم في المراحل الأولية من التجهيز لمهاجمة منشآت نفطية وأمنية في المنطقة الشرقية.

هاتان الخليتان كانتا توفران الدعم اللوجيستي لجنود «القاعدة» في السعودية، حسب كلام الناطق باسم الداخلية السعودية.

كيف نرى دور «الأجانب» أو غير السعوديين في تنظيم القاعدة السعودية؟

من أجل الجواب على هذا السؤال يجب أن نطل إطلالتين هامتين على المشهد الأصولي العسكري، الأولى إطلالة أفقية مكانية، والثانية زمنية رأسية. في الأولى، فإن تنظيم القاعدة يعتبر نفسه تنظيما عابرا للحدود والظروف المحلية لكل حركة إسلامية محلية هنا أو هناك، هو «بندقية عامة» للمسلمين في كل مكان من عرب وعجم وبيض وسود وصفر، ربما لو كان هناك وجود للمسلمين في كواكب المجموعة الشمسية لوجدناه هناك، إمعانا في الهرب من المحلية وشبهة الارتباط بأرض محددة، فأرض «القاعدة» هي عالم الفكر والآيديولوجيا وليس عالم الواقع والأرض.

إنه تنظيم مفتوح كوزموبوليتاني، عابر للحدود والقيود، في قيادته سعودي هو أسامة بن لادن، ونائبه أيمن الظواهري، مصري، وأركانه فيهم السوري والأردني والموريتاني والباكستاني والكويتي واليمني، نتحدث تحديدا عن أبي مصعب السوري، والزرقاوي، وأبي حفص الموريتاني، وخالد شيخ محمد، ورمزي بن الشيبة.

والإطلالة الزمنية الرأسية، حيث نقوم بإسقاط بصري «أنبوبي» على نقطة بداية التنظيم الدولي، ودلالة التمرد على الزمان والمكان. حيث أعلن في 1998 في بيشاور عن نشأة تحالف أصولي عسكري ضم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وممثل الجماعة الإسلامية المصرية رفاعي طه، وممثل جماعة عسكر طيبة الأصولية الباكستانية، وعشرات غيرهم.

امتزجت الوجوه والجنسيات من حينها، واستمر هذا التمازج والذوبان يسري في أنبوب «القاعدة» دون اعتبار لجنسية هذا الشخص أو ذاك، فالأرض كلها مسرح مفتوح لـ«القاعدة»، وبلاد المسلمين كلها مثل بعضها، ولكل مجاهد، بصرف النظر عن جنسيته، ولاية ودالة عليها، لذلك كان المغربيان كريم المجاطي ويونس الحياري من قادة «القاعدة» في السعودية، ومثلهم اليمني خالد حاج، أبو حازم الشاعر، وكان الأردني أبو مصعب الزرقاوي قائد «القاعدة» في العراق، وصار أفراد من جنود «القاعدة» من السعوديين فاعلين في خضم اشتباكات عنيفة لـ«القاعدة» في خارج السعودية مثل الـ45 شابا سعوديا الذين انخرطوا مع تنظيم «فتح الإسلام» الإرهابي في مخيم نهر البارد، شمال لبنان قتل منهم 23 شابا، ودفنوا في قبر جماعي، ذلك ما قاله مسؤول سر منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، كما صرح لـ«الشرق الأوسط» في حينه.

في رؤية مخططي وخبراء الأمن السعوديين فإن وجود عناصر أجنبية في قيادة التنظيم المحلي لم يأت عبثا، وفي نظرهم أيضا أن الأجانب غالبا يتولون التخطيط والتنسيق والتمويل، ويحتل الواجهة قادة محليون، كما كان الشأن مع قائد «القاعدة» الثاني عبد العزيز المقرن، حيث كان المغربي يونس الحياري أو اليمني خالد حاج وغيرهما يقومان بكثير من العمل الحقيقي في التخطيط والتوجيه والتمويل، قال خبير ومصدر أمني مطلع لـ«الشرق الأوسط» سابقا عن ذلك بعد مصرع الحياري في مواجهة أمنية شرق مدينة الرياض يوليو (تموز) 2005: « نحن متأكدون أن الحياري مغربي الجنسية دخل البلاد في عام 2001 بجواز سفر بوسني، ونحن نعرف رقم هذا الجواز».. وحول الأهمية التي يشكلها المطلوب المغربي يونس الحياري، قال: «الحياري ليس مجرد مقاتل في صفوف «القاعدة»، إنه شخص خطر وصاحب مهام تتجاوز الساحة السعودية، فهو يتمتع بعلاقات خارجية واسعة، وهو يصنف نفسه في صف قادة الإرهاب مثل الزرقاوي وأبي أنس الشامي وأمثالهما». وبسؤال المصدر عن: هل تفوق أهمية الحياري سابقه المقرن، قائد تنظيم القاعدة في السعودية الذي قتل مع مساعده فيصل الدخيل في 18 يونيو (حزيران) 2004، قال: «بكل تأكيد، فالمقرن كان مقاتلا محترفا، لكنه لم يكن مخططا ولا قائدا بالمعنى الحقيقي، أما الحياري فهو الذي خطط لعملية احتجاز الرهائن في الخبر ومجمع الواحة في مايو (أيار) 2004، ولكن المنفذين لا يعلمون ذلك، وإحدى طفلتيه ولدت في مستشفى سعد بالخبر، قبل العملية بمدة، حيث ولدت الطفلة ونسبت إلى شخص آخر حقيقي، وهو سعودي ومعروف لدينا، وهو رهن الاحتجاز». وبسؤال المصدر عن ترتيب الأسماء في القائمة، وهل هو مؤشر على أهمية الأشخاص، بحيث يكون الشخص التالي للحياري هو السعودي فهد فراج محمد الجوير (قتل لاحقا في مواجهة أمنية)، قال المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «نعم فهد فراج الجوير هو الشخص التالي في الأهمية من وجهة نظرنا».

وإذا ما انتقلنا للحديث عن المغربي الآخر كريم المجاطي الذي قتل في مواجهات شرسة مع القوات السعودية الأمنية في مدينة الرس في منطقة القصيم شمال وسط البلاد، حيث صرع الرجل مع مجموعة أخرى من عناصر «القاعدة» في أبريل (نيسان) 2005 سنجد شيئا مقاربا لوضع الحياري، حيث دخل الرجل البلاد بجواز «خليجي» منح له عمدا! ثم أصبح من كبار الفاعلين في توجيه التنظيم، علما بأنه كان أخطر مطلوب للسلطات المغربية لدوره في إنشاء خلايا إرهابية وانتحاريين في المغرب، وكان الرجل، حسب تقرير خاص نشرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز» نشر في سبتمبر (أيلول) 2004، محل بحث أجهزة المغرب الأمنية، وكذلك الأجهزة الأجنبية. السلطات المغربية أثناء تفكيكها لمخطط تفجيرات الدار البيضاء توصلت إلى الدور المركزي الذي لعبه المجاطي. وحددت السلطات المغربية المجاطي، الذي شارك في القتال في أفغانستان، باعتباره الشخص الذي جند خلية الدار البيضاء، وتلقى ضوءا أخضر بشن الهجمات في اجتماع إسطنبول. وعلى خلاف مجنديه كان المجاطي متعلما، وقضى وقتا في الولايات المتحدة في أواخر التسعينات، اختفى عن الأنظار في المغرب، ثم ظهر فجأة في السعودية، لتتكشف أدواره الخطيرة مع التنظيم، وهو الذي صرع مع ابنه جنبا إلى جنب مع قيادات التنظيم في مدينة الرس بعد معركة رهيبة.

هناك حالة سيلان، ذهابا وإيابا، داخل جسد «القاعدة»، بل إن هناك «جغرافيا قاعدية» خاصة بها، وتتحرك وفق إحداثياتها وخرائطها، وفي معلومات سابقة ووثيقة لـ«الشرق الأوسط» فإنه ومنذ أن وضعت سلطات الأمن السعودية قوائم مزدوجة داخلية وخارجية، من خلال قائمة الـ36 الشهيرة في يونيو 2005، التي كان فيها المغربي يونس الحياري، وقبلها قائمة الـ26 التي كان فيها المغربي الآخر كريم المجاطي، فإن الصورة أصبحت أكثر وضوحا في تمدد التنظيم داخليا وخارجيا، وذوبان الفروق بين الحدود، حتى خارج الساحات المثالية لشبان «القاعدة» مثل العراق إلى وقت قريب، في معلومات «الشرق الأوسط» الوثيقة حول ما إذا كان كل المطلوبين في الخارج يتوجهون للعراق للعمل مع الجماعات المسلحة، فقد تبين أنه ليس صحيحا أن من هرب من الداخل السعودي يذهب تلقائيا إلى العراق، حيث تسلمت السعودية مطلوبين سعوديين من السودان واليمن وسورية، وعلى العكس قد يكون التسلل إلى بلدان أخرى، مثل اليمن وسورية أسهل وآمن من الذهاب إلى العراق.

الكويتي محسن الفضلي نموذج مثالي لحالة المقاتل القاعدي العابر للحدود والفاعل في الساحة السعودية والعراقية، هذا الرجل أدرج على قائمة الـ36 هذه، ثم اختفى عن الأنظار، مع أنه متهم بالمشاركة في تفجير المدمرة كول عام 2000 على الشواطئ اليمنية، ومتهم بتفجير موكب باقر الحكيم في النجف عام 2003، ومتهم بالضلوع الكامل في تمويل «القاعدة» في السعودية، وفي معلومات «الشرق الأوسط» من مصادره العليمة فإنه في عملية واحدة فقط للفضلي قام الأخير فيها بتسليم سعودي من أعضاء «القاعدة» مبلغ ثلاثة ملايين وستمائة ألف ريال سعودي بشكل مفرق، سلمه المال نقدا يدويا، وكانت هذه الأموال تدخل للسعودية عبر طريق التسليم اليدوي، ثم يقوم عناصر من «القاعدة» بإرسال بعض هذه الأموال، بطريقة عادية عن طريق التحويل البنكي، إلى زملاء لهم خارج السعودية، وهم عناصر قاعدية أيضا «وبدراسة حركة المال يظهر الأمر وكأن السعودية تقوم بتمويل الإرهاب» كما نبه مصدر أمني سعودي أثناء حديثه عن دهاليز قائمة الـ36.

خالد حاج محمد، كريم المجاطي، يونس الحياري، أبو مصعب الزرقاوي، أيمن الظواهري المصري، سيف العدل، ناهيك عن أشباح الظلام من كبار ضباط المخابرات في دول إقليمية وعالمية كبرى، هم بشكل أو بآخر جزء من مسلسل «القاعدة» في السعودية، كما أن السعودي أسامة بن لادن هو رمز هذا التنظيم ومصدره، لا فضل لأحد على أحد.

عالم معقد وغريب على كل إنسان، كما قال المتنبي:

ملاعب جنة لو سار فيها سليمان لسار بترجمان!