الجنرال أوديرنو يستعد لمغادرة العراق بترتيب أوضاعه.. ويؤكد: لدينا فرصة هنا

القائد الأميركي يقول إنه سيركز في الشهور المقبلة على بناء القوات العراقية والنواحي السياسية والاقتصادية

TT

في ظل النتائج المشوشة للانتخابات العراقية، هبط القائد الأميركي، الجنرال راي أوديرنو، بالقاعدة التي تقع على أطراف بغداد كي يراجع خطة إغلاقها.

وانتقلت إحدى فرق الشرطة العراقية إلى القاعدة التي كانت قبل ذلك حصنا يقتصر على الأميركيين وحدهم. وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات العراقية، والجهود الحثيثة لتشكيل حكومة جديدة ما زالت تحيط بهما الشكوك، فإن انسحاب القوات الأميركية من هذا الجزء من البلاد مستمر على ما يبدو دون تراجع. وقال الجنرال أوديرنو للضباط الذي تجمعوا للقاء قصير معه في قاعة مكتظة بشاشات التلفزيونات المسطحة والجدران المكسوة بالخرائط: «كيف سنعيد نشر قواتنا، وكيف سننهي وجودنا هنا. أمامنا طريق طويل قبل أن نحدد مآل الأوضاع هنا».

والمقصود بـ«الأوضاع» نهاية الحرب في العراق، نهاية صراع أسهم الجنرال أوديرنو في تحديد مساره بنفس القدر الذي أسهم به أي قائد أميركي آخر. فمنذ غزو 2003، وحتى إلقاء القبض على صدام حسين، ومنذ أفظع المذابح الدموية وحتى الهجوم المضاد المعروف باسم «زيادة القوات»، عمل أوديرنو مع الإدارة التي شنت الحرب، وهو يعمل الآن مع الرئيس الذي كانت حملته الانتخابية تنادي بإنهائها. وباعتباره أكبر المسؤولين الأميركيين في العراق منذ خريف 2008، كان أوديرنو يقف في مواجهة الغضب الشعبي وعدم الاكتراث الداخلي ويحارب دفاعا عن حصة العراق من الإمدادات التي تزايد تدفقها إلى أفغانستان. فهو يبذل جهودا حثيثة لإنقاذ الإرث الذي خلفته الحرب التي تفتقر إلى حد كبير للشعبية.

ومن جهة أخرى، قال أوديرنو في حوار أجري معه بعد حديثه للجنود: «يجب على الناس أن يتجاوزوا أسباب مجيئنا إلى هنا»، في إشارة إلى أسباب غزو العراق، التي أثارت جدلا كبيرا خلال الشهر الحالي. وأضاف: «يجب علينا النأي بأنفسنا عن ذلك الجدال، وأن نفهم أين نحن. فلدينا فرصة، يمكن أن تكون جيدة ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة ولكن لاستقرار الشرق الأوسط بأسره، وعلينا استغلالها». وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات، التي تعد انتخابات ذات أهمية خاصة بالنسبة للتطور الديمقراطي في العراق، تشير إلى انقسام حاد في السلطة، فإن الجنرال أوديرنو أكد أنه سوف يفي بالميعاد الذي حدده الرئيس باراك أوباما لتخفيض عدد القوات الأميركية في العراق إلى 50 ألفا بنهاية أغسطس (آب)، حيث يصل العدد في الوقت الراهن إلى 98 ألفا. ومن المتوقع أن يغادر الجنرال نفسه العراق مع القوات المغادرة.

وباعتباره الضابط الذي من المفترض أن ينفذ قرار أوباما «بالانسحاب المسؤول من العراق»، يتزايد الدور الذي يمارسه الجنرال أوديرنو باستمرار؛ بدءا من القائد الذي يدير العمليات العسكرية في كافة أنحاء البلاد، إلى القائد الذي عليه تسليم الملف الأمني للقوات العراقية والأمن المحلي حتى وإن استغل نفوذه وراء الكواليس.

ووفقا لما قاله الجنرال، فإن تركيزه خلال الشهور المقبلة على المهام القتالية سوف يتراجع، وأنه سوف يولي المزيد من التركيز لبناء الأمن العراقي، الذي ما زال ضعيفا، والمؤسسات السياسية والاقتصادية. وهو ما سوف يقتضي، وفقا له، بذل جهود مستمرة تتجاوز جهود سحب القوات.

وخلال زيارته إلى واشنطن قبل الانتخابات، قال الجنرال إنه كان يؤيد تأسيس «مكتب للتعاون العسكري» مع السفارة الأميركية في بغداد لاستمرار العلاقات بعد 31 ديسمبر (كانون الأول) 2011، وهو الموعد المحدد لانسحاب القوات الأميركية. وأعرب عن شكوكه في أن تطلب الحكومة العراقية وجود القوات البرية الأميركية بعد الموعد رغم أن الاتفاقية الثنائية تترك الخيار مفتوحا. ويقول: «يجب أن نظل ملتزمين بذلك حتى بعد 2011. أعتقد أن الإدارة تدرك ذلك، وأعتقد أنهم يجب أن يفعلوا ذلك، حتى يكونوا قد قدموا المساعدات اللازمة. فمن المهم أن نقر بأن رحيل القوات الأميركية لا يعني أن الأمور في العراق أصبحت على ما يرام». أو، وكما قال الكولونيل ديفيد ميلر، قائد اللواء الجبلي الثاني بالفرقة العاشرة، للجنرال عندما وصف خطط الاستمرار في تمويل مشروعات المياه والحفاظ على البيئة في ضواحي بغداد حتى بعد انسحاب القوات إلى مناطق أكثر انعزالا في الصحراء: «نحن لا نختصر ونهرب». وقد كان الجنرال أوديرنو في العراق منذ 45 شهرا من الـ 84 شهرا التي استمرت خلالها الحرب، وهي فترة في تاريخه المهني توازي في تقلبها تاريخ ذلك الصراع نفسه. فقد خلقت التكتيكات التي لجأ إليها كقائد لفرقة المشاة الرابعة في صلاح الدين في الشهور التي تلت الغزو في 2003، والتي انتقدت بشدة باعتبارها تكتيكات تتسم بالإفراط في العنف، انطباعا عاما أنه قاس ووحشي. ولكن هناك العديد من الناس الذين يعترضون على تلك الأوصاف ويصورونه باعتباره قائدا بارعا ساعد في تأسيس استراتيجية مواجهة التمرد التي ساعدت، من خلال زيادة القوات والتي أعلن عنها جورج بوش في يناير (كانون الثاني) 2007، على الحد من العنف الطائفي. وقد حاز القائد الأعلى في ذلك الوقت، الجنرال ديفيد بترايوس على القدر الأكبر من الانتباه العام ولكن المسؤولين والمحللين قالوا إن الجنرال أوديرنو هو من جعل الاستراتيجية تنجح.

ويقول جون ناغل، المخضرم في الشؤون العراقية، والذي يرأس حاليا مركز الأمن الأميركي الجديد وهو معهد غير حزبي في واشنطن: «لقد خاض بترايوس المعركة ولكن أوديرنو هو الذي سيطر عليها حيث إنه كان المسؤول عن تنفيذ الاستراتيجية الجديدة لمواجهة التمرد وهو ما قام به بكفاءة». وأضاف أن إسهامات الجنرال أوديرنو لم تحظ بالتقدير الملائم.

وفي حوار هاتفي سري بالبنتاغون، قاوم أوديرنو بشراسة نقل جزء كبير من طائرات الدرون التابعة للاستخبارات والضرورية لمسح ميدان المعركة والدفاع عن القوات الأميركية والعراقية إذا تطلب الأمر. ويقول مسؤول بارز بوزارة الدفاع كان يتحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته حتى يتمكن من الحديث حول تلك الجلسات السرية المتعلقة بالاستراتيجية: «كانت حجته هي: ما زلت في منصبي حتى الآن، وما زالت أمامنا منطقة جغرافية كي نغطيها، ويجب علي أن أتعامل مع المخاطرة. كان يقاتل بشراسة ولم يكن ليتنازل».

من جهة أخرى، أقر الجنرال أوديرنو في حوارين أجريا معه أخيرا بأنه يستعد لليوم الذي تنتهي فيه الحملة في العراق ودوره بها. وعندما سئل حول ما إذا كانت الحرب في العراق قد انتهت بنجاح، أجاب مطولا وإن كان ببعض التردد قائلا: «إن الحرب هي مفهوم مختلف تماما. فأنا أطلق على ما حدث في العراق عملية وليس حربا. ولكننا لن نعرف إذا ما كنا قد نجحنا أم لا قبل 3 أو 5 أو 10 سنوات. وسوف يكون الأمر متعلقا بنجاح حكومة العراق في التعامل ما وفرناه لهم، وعلى استمرارية دعمنا لهم وعلى العلاقة التي سوف نؤسسها معهم بعد 2011». وعندما يحين وقت رحيله، يكون أوديرنو قد أمضى أربع سنوات في العراق، كانت لها كلفتها الشخصية الكبيرة على غرار الآلاف من الجنود هناك. ففي 2004، فقد نجله أنتوني ذراعه عندما أصابت قذيفة سيارته الهامفي وهو يسير في دورية ببغداد.

* خدمة «نيويورك تايمز»