واشنطن تحت صدمة عنف يطال عدة ديمقراطيين إثر تمرير قانون الرعاية الصحية

تهديدات بالقتل وتكسير زجاج مكاتب.. والشرطة تتحرك وتشدد الحراسة على النواب

رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في طريقها لعقد مؤتمرها الصحافي الأسبوعي في الكونغرس أمس (أ.ف.ب)
TT

أسفرت الحرب الضارية حول قانون الرعاية الصحية في الولايات المتحدة عن سلسلة من عمليات التخريب والهجمات التي تستهدف السياسيين، إضافة إلى بلاغات تقدم بها عشر نواب ديمقراطيين، على الأقل، بشأن تلقيهم تهديدات بالقتل، أو تعرضهم لمضايقات، وأعمال التخريب طالت مكاتبهم الإقليمية خلال الأسبوع الماضي.

وقد التقى أكثر من 100 من النواب الديمقراطيين في اجتماع سري مساء أول من أمس مع ممثلين عن مكتب المباحث الفيدرالي وشرطة الكونغرس الأميركي. وأعرب المشرعون عن تزايد مخاوفهم بشأن ما وصفه أحد المساعدين البارزين الذي كان حاضرا بأنها «مخاوف خطيرة» تتعلق بأمنهم في واشنطن وفي مقاطعاتهم عندما يعودون لقضاء عطلة الربيع.

وعادة ما يحظى المسؤولون الكبار في الكونغرس بحماية شخصية دائمة من قبل شرطة الكونغرس، ولكن سلطات تطبيق القانون أخضعت أخيرا عشرة مشرعين على الأقل لحراسة مشددة، وفقا لما قاله رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب ستيني هوير. وعندما سئل عما إذا كان الأعضاء معرضين للخطر قال هوير: «أجل، لقد وقعت بعض الحوادث شديدة الخطورة».

من جهته، وجه تيرانس غينر المسؤول الأمني بمجلس الشيوخ رسائل إلكترونية إلى أعضاء المجلس والعاملين أول من أمس يطلب منهم فيها توخي الحذر. وقال غينر، الذي عمل سابقا رئيسا لشرطة الكونغرس، في حوار أجري معه إن التحذير كان يهدف إلى «تهدئة مخاوف الناس».

لكن الديمقراطيين قالوا إنهم قلقون. ويقول هوير: «تعتمد ديمقراطيتنا على المشاركة، والاختلاف، والجدل، والجدل الحي، والجدل المتأجج بالمشاعر، لكن لا علاقة لها بالعنف».

يشار إلى أن أعمال التخريب بدأت الأسبوع الماضي بعدما أقر مجلس النواب مشروع قانون الرعاية الصحية. ففي منطقة وشيتا (كنساس)، حطم أحد الأشخاص نافذة مقر الحزب الديمقراطي عبر إلقاء قالب من القرميد مكتوب عليه «لا لأوباما» و«لا لرعاية أوباما».

من جهتها، قالت ليندسي ستوبل المديرة التنفيذية للحزب الديمقراطي بمقاطعة سيجويك إنها ذهبت لعملها في صباح يوم السبت، فوجدت الزجاج متناثرا في كل مكان حول مكتبها. وأضافت: «لقد كان أمرا مفاجئا ومنذرا بالخطر أن يلجأ شخص ما إلى قالب من القرميد على الرغم من توافر ذلك العدد الوفير من وسائل التعبير عن الرأي في البلاد».

وخلال الأربع والعشرين ساعة التالية، حطمت قوالب القرميد الأبواب الزجاجية والنوافذ لمقر قيادة الحزب الديمقراطي في كل من روشستر، ونيويورك، وكينكيناتي. كما تم قطع أنبوب الغاز في تشارلوتسفيل، التي يعيش فيها أخو النائب توم بيريلو، بعدما قام أحد النشطاء الذي يقول إنه عضو في حركة «حفل الشاي» بوضع ما يعتقد أنه منزل أحد الديمقراطيين في فيرجينيا على شبكة الإنترنت؛ حاثا المعارضين على زيارته لكي يعلنوا معارضتهم لاقتراعه بالموافقة على مشروع الرعاية الصحية.

كما تم إلقاء قالب قرميد آخر على مكتب النائب لويس سلوتر الديمقراطي عن نيوجيرسي بمكتبه بشلالات نياغرا، والذي تلقى أيضا تهديدات بالبريد الصوتي تشير إلى هجمات يشنها قناصة. كما تم تحطيم الباب الأمامي لمكتب النائب غابرييل غيفوردس الديمقراطي عن أريزونا بمقاطعة تاكسون. كذلك، تلقى بارت ستوباك النائب الديمقراطي عن ميشيغان، الذي أدت مفاوضاته الأخيرة حول وقف التمويل الفيدرالي للإجهاض إلى توفير الفرصة لتمرير قانون الرعاية الصحية، رسالة بالفاكس تحمل رسما لمشنقة ورسالة صوتية من مجهول يقول له فيها: «سوف تموت. نحن نعرف أين تسكن وسوف نصل إليك».

وقد أدينت تلك الهجمات على نطاق واسع في واشنطن أول من أمس، وتساءل بعض القادة في الكونغرس ما إذا ما كانت المعارك المطولة حول الرعاية الصحية قد كشفت عن الأبعاد القبيحة للخطاب السياسي المعاصر. ويقول جيمس كلايبرن النائب الديمقراطي عن ساوث كارولاينا: «إذا فشلنا في تعلم الدروس من التاريخ فسيحكم علينا بتكرارها. أعتقد أن جميعنا تعلم درسا مهما من الستينات والسبعينات، وهناك بعض الدروس التي لا يريد أي منا تكرارها، ولكن هناك شيء واحد ندركه جميعا، كما يقول ستيني هوير، وهو أن السكوت علامة الرضا». من جهته، وصف زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس النواب، جون بونر، تلك الحوادث بأنها «غير مقبولة». وقال بونر في حوار مع قناة «فوكس نيوز»: «أعرف أن كثيرا من الأميركيين غاضبون بشأن قانون الرعاية الصحية، وأن الديمقراطيين بواشنطن لا يستمعون إلينا. ولكن، كما قلت من قبل، العنف والتهديد غير مقبولين. ذلك ليس الأسلوب الأميركي. يجب أن نأخذ ذلك الغضب ونوجهه لإحداث تغيير إيجابي. اتصلوا بعضو الكونغرس الذي تتبعون له، اخرجوا وحثوا الناس على الاقتراع، ساهموا في تمويل الحملات السياسية، واجعلوا صوتكم يصل. يجب أن نقوم بذلك على الوجه الصحيح».

من جهة أخرى، أشار بعض الديمقراطيين، مستشعرين فرصة سياسية، أن الجمهوريين كانوا يؤججون الغضب من خلال تعليقاتهم المثيرة خلال الأيام الماضية. فقد كان كثير من المشرعين الجمهوريين يقفون في الشرفة بالكونغرس لمشاهدة أحد احتجاجات حركة «حفل الشاي» خلال الأسبوع الماضي وهم يحملون لافتات مكتوبا عليها «اقضوا على مشروع القانون»، فيما كان المحتجون بالأسفل يصيحون «لا! لا! لا» وكانوا يقولون لرئيسة المجلس: «سوف تذهبين للجحيم لقاء ذلك».

وكانت من أكثر الحوادث خطورة تلك التي تعرض لها بو بريلو، شقيق النائب توم بريلو. فبعد عودته إلى منزله الثلاثاء، شم رائحة الغاز تفوح في المنزل، ثم اكتشف أن أنبوب الغاز الذي يصل إلى الشواية في حديقته قد قطع، كما تلقى رسالة تحمل تهديدات في اليوم نفسه. ومن جهتها، بدأت السلطات الفيدرالية والمحلية تحقيقا في الحادثة.

وقد أدان حاكم فيرجينيا روبرت ماكدونيل، والمحامي العام كين كوكسينيلي الثاني، وكلاهما جمهوري، عمليات التخريب والتهديدات. وقال كوكسينيلي الذي أصبح بطلا في عيون المحافظين، لرفعه قضية على قانون الرعاية الصحية، إن التشدد لدرجة قطع أنابيب الغاز «هو أمر غير مقبول» كما أن نشر عنوان بريلو على شبكة الإنترنت يعد «تجاوزا للحدود».

وفي سياق متصل، كشف المتحدث باسم زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الليلة قبل الماضية أن مشروع قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية سيحال مرة أخرى إلى مجلس النواب لإعادة التصويت على مجموعة من التعديلات بسبب وجود عيب إجرائي. وقال جيم مانلي المتحدث باسم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد، بعد ساعات من محاولة تجميد إقرار النص، «وجد الجمهوريون إجراءين صغيرين نسبيا يشكلان عيبا في القواعد الإجرائية لمجلس الشيوخ، وسيتعين علينا إحالة النص من جديد إلى مجلس النواب». ويعد هذا التطور نكسة للديمقراطيين الذين أقروا أخيرا مشروع القانون الأحد الماضي في مجلس النواب بموافقة 219 صوتا مقابل 212 بعد أشهر من المفاوضات المضنية. وقد بدأ مجلس الشيوخ أول من أمس، غداة توقيع الرئيس أوباما القانون، المناقشات المتعلقة بهذه المجموعة من التعديلات التي طالب بها مجلس النواب خلال مفاوضات أجريت قبل إقرار النص. ويفترض أن يؤدي تبني التعديلات إلى إنهاء الإجراءات التشريعية.

وقال مانلي إن المخالفات التي أثارها الجمهوريون تتعلق بـ«التعليم العالي»، دون أن يقدم مزيدا من الإيضاحات. وقال: «إني واثق من أن مجلس النواب قادر على إيجاد حل لها والتصديق على القانون».

وغالبا ما يتبنى مجلسا الشيوخ والنواب نسختين مختلفتين للقانون نفسه، ثم يجريان مفاوضات حول نص مشترك يجري المجلسان تصويتا جديدا عليه. وفي الحالة الراهنة، لم يتوافر نص مشترك، إذ تبنى مجلس النواب الأحد النص الذي وافق عليه مجلس الشيوخ، شرط أن يرفق بمجموعة من التعديلات تدخل عليه تغييرات يريدها النواب.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»