الهنود يقبلون على تعلم العربية والفارسية

توجه بلادهم لتعزيز روابطها مع دول الشرق الأوسط خلق لهم مزيدا من فرص العمل

TT

تعكف الهند حاليا على إعادة تعريف علاقاتها بالدول العربية ودول غرب آسيا، في وقت يشهد تطور الروابط الاستراتيجية بينها وبين هذه الدول، وتتبدل الأولويات اللغوية. فاللغة الفرنسية أو الألمانية أو أي من اللغات الأوروبية الأخرى لم تعد محل اهتمام الشباب الهنود الراغبين في تعلم لغة أجنبية بهدف تعزيز فرص العمل أمامهم، وإنما تحول الاهتمام باتجاه العربية والفارسية والبشتونية والطاجيكية والأوزبكية بالنسبة للهنود من المسلمين وغير المسلمين. وتنبع أهمية اللغتين البشتونية والدارية في أنه يجري التحدث من خلالهما داخل أفغانستان التي تتمتع بأهمية استراتيجية، بينما تخدم اللغتان الفارسية والعربية في تعزيز قدرة الهند على التواصل مع دول غرب ووسط آسيا.

شهدت جامعة نظاميا، التي هي واحدة من أقدم وأعرق الجامعات الإسلامية في الهند (أنشئت قبل 134 عاما في ولاية حيدر آباد السابقة)، ارتفاعا شديدا في معدلات الالتحاق بأقسام دراسة اللغتين العربية والفارسية، إذ وصلت الأعداد إلى 2000 طالب، بدلا من 500 منذ 3 سنوات. وقال سيد أحمد علي، أمين جامعة نظاميا، لـ«الشرق الأوسط»: إن الكثير من الطلاب باتوا يقبلون في السنوات الأخيرة على دراسة العربية والفارسية، ليس لأغراض دينية، وإنما لتعزيز مهاراتهم اللغوية على نحو يتوافق مع احتياجات سوق العمل المتنامية في الدول العربية.

ويسعى الكثير من الطلاب الآخرين لإعداد أنفسهم بما يمكنهم من الحصول على فرص عمل داخل الدول العربية، وكذلك الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تنامى الطلب على من يتمتعون بمثل تلك المهارات اللغوية في أعقاب «صعود ظاهرة الإرهاب» على المشهد العالمي، حسبما أوضح مسؤولو الجامعة.

شهدت الأشهر الأخيرة عددا من الإعلانات الصادرة عن مجموعة متنوعة من الوزارات الحكومية تسعى لتعيين متحدثين بلغات أقل انتشارا داخل الهند، لكنها مهمة، مثل اللغة البشتونية والدارية والتركية والأوزبكية والطاجيكية، بجانب الفارسية والعربية.

على سبيل المثال، ذكر أحد الإعلانات أن «منظمة حكومية رائدة في مجال العلوم والتكنولوجيا»، يعتقد على نطاق واسع أنها «المنظمة الوطنية للبحوث التقنية»، تسعى لتعيين 36 فردا، وهو عدد غير مسبوق، كخبراء لغويين في اللغة العربية. كما نشرت وزارة الخارجية الهندية إعلانات تطلب مترجمين للعربية والفارسية والتركية. وأعقب ذلك إعلان من جانب قطاع الأبحاث والتحليل التابع للاستخبارات الهندية، يبحث عن مترجمين متخصصين في التركية والعربية والكازاخية.

من جهته، نجح سليمان صديقي، الذي نال شهادة دراسات عليا في اللغة العربية ودبلوما في اللغة الأوزبكية، في الفوز بوظيفة في البعثة الهندية في كازاخستان على أساس مهاراته اللغوية. وبالمثل، نجحت فارزانا حسين، وهي مترجمة فورية للفارسية، في الفوز بوظيفة متميزة في شركة بترول هندية تعمل في إيران.

مع سعي نيودلهي لإعادة استكشاف علاقاتها مع الدول العربية وعملها على تعزيز روابطها الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية مع هذه الدول سعيا للاستفادة من ثرائها، ونظرا لاعتماد الهند الكبير على صادرات هذه الدول من الطاقة، فوجئت بندرة المهارات اللغوية لديها في لغات هذه الدول.

يذكر أن الكثير من الخبراء اللغويين يتعاونون مع «خدمات المراقبة المركزية» التابعة للحكومة الهندية، التي تعنى بالاتصالات التي تجري بلغات أجنبية عبر الإذاعة والتلفزيون وشبكة الإنترنت. من جانبه، قال أختار مهدي، الذي سبق له العمل مع «خدمات المراقبة المركزية» ويرأس الآن «مركز الدراسات الفارسية ووسط آسيا» بجامعة جواهرلال نهرو في نيودلهي: «كانت هناك أعداد منتظمة من خريجي المركز من المتحدثين بالفارسية. انضم الكثيرون منهم إلى (خدمات المراقبة المركزية) في السنوات القليلة الماضية، ومن المتوقع أن يتزايد الطلب على من يملكون مهارات لغوية فارسية مع تنمية الهند لروابطها مع أفغانستان وإيران ووسط آسيا». ونظرا للأهمية التاريخية للغة الفارسية، فإن هناك طلبا على القادرين على تحدث الفارسية في «هيئة المسح الأثري الهندية» وقطاعات أخرى داخل وزارة الثقافة.

ومع الاهتمام بأفغانستان، تتولى الهند حاليا تدريب الكثير من العاملين في مكاتبها العسكرية والدبلوماسية هناك على اللغات واللهجات المحلية، مثل البشتونية. كما تشارك الهند بنصيب كبير في جهود إعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها الحرب في أفغانستان، إلى جانب عرضها خدمات في مجالي الرعاية الصحية والتعليم داخل أفغانستان، مما يخلق حاجة ملحة لتوافر أفراد قادرين على الحديث باللغات المحلية.

من ناحية أخرى، تدير وزارة الدفاع الهندية معهدين للغات، يوجد أحدهما في نيودلهي والآخر في باتشمارهي بولاية مادهيا براديش، حيث يتمكن عاملون من مختلف الوزارات من تعلم 16 لغة مختلفة. أما اللغات التي يوجد عليها الطلب الأكبر حاليا فتتضمن تلك المرتبطة مباشرة بالمصالح الهندية الأمنية، مثل العربية والفارسية والبشتونية والدارية.

في نيودلهي، يعرض قسم اللغات الأجنبية التابع لجامعة جواهرلال نهرو درجات علمية ودبلومات في بعض اللغات المهمة التي تتحدث بها شعوب غرب آسيا، إلى جانب جامعة ميليا دلهي، وعدد من المعاهد الأخرى.

ونظرا لأن الكثير من الشركات الهندية ترى مصالح تجارية لها في هذا الجزء من العالم، فإن الحاجة لتعلم هذه اللغات تكتسب الكثير من الأبعاد والجوانب.

اليوم، تحتل اللغة العربية المرتبة الخامسة عالميا بين أكثر اللغات التي يجري التحدث بها، علاوة على كونها اللغة الرسمية للكثير من دول منطقة الشرق الأوسط. سافر سارفراز كشميري، وهو خبير اقتصادي، من كشمير إلى جامعة نظاميا، خصيصا لتعلم العربية، والآن، نجح في اقتناص وظيفة مرموقة في شركة «ريليانس إندستريز» في أفريقيا لإتقانه هذه اللغة.

علاوة على ذلك، يزداد الطلب على اللغة العربية في الهند مع صعود البلاد كواحدة من كبريات الدول المستفيدة من سوق مراكز الاتصالات العالمية. ويتواصل الكثير من العاملين في هذه المراكز مع العملاء العرب عبر لغتهم الأصلية، مما يزيد من سهولة التواصل.

على مدار العامين الماضيين، حصل الكثير من الهنود على وظائف اعتمادا على مهاراتهم اللغوية في مجالات الإعلام والضيافة والتدريس بدول مثل تونس والمغرب ولبنان. كما انضم بعض الهنود إلى جامعة الأزهر في مصر.

والمثير أن السياحة العلاجية تعد واحدا من الأسباب التي دفعت الكثيرين لتعلم لغات جديدة. على سبيل المثال، يعمل دكتور راجيش بهاتيا في أحد أكبر المستشفيات في نيودلهي، وقد حرص على تعلم العربية ليتمكن من التواصل مع المرضى العرب. وقال: «بعد العمليات الجراحية، عندما يجد المرضى من يتواصل معهم عبر لغتهم الأصلية يترك ذلك تأثيرا إيجابيا على حالتهم النفسية». وبالمثل، حرصت الدكتورة أنجالي، المتخصصة في جراحات التجميل، على تعلم الفارسية، مما أضاف المزيد إلى قائمة عملائها ممن يتحدثون الفارسية.

وعلق الدكتور شافي شيخ، الرئيس السابق لقسم اللغة العربية في جامعة مومباي، قائلا: إن الأموال النفطية اعتادت جذب الكثيرين لتعلم اللغة العربية. والآن، يتجه الكثيرون إلى العربية لرغبتهم في العمل في مراكز الاتصال ومجال السياحة.

وينضم الكثيرون من الراغبين بشدة في تعلم العربية إلى دورات تدريبية سريعة تدوم 6 أسابيع فقط مقابل 5.000 روبية. وعادة ما ينضم إلى هذه الدورات الساعون للعمل كسائقين وطهاة ومساعدين داخل المنازل في الدول الخليجية.