عقوبات إيران: أميركا تريد قرارا في يونيو.. ومخاوف من أن يكون «بلا أسنان»

الخارجية البريطانية لـ «الشرق الأوسط»: الكلام عن تخفيف قسوة العقوبات «هراء»

TT

وسط حرص أميركي - أوروبي على نيل دعم روسيا والصين فيما يتعلق بقرار العقوبات الجديد ضد إيران، قال مسؤولون أميركيون إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما «تراجعت» عن مجموعة من التدابير العقابية القاسية التي كانت واردة في مسودات العقوبات التي نوقشت حتى الأسابيع القليلة الماضية بحق إيران، وأن من بين الإجراءات العقابية التي تم سحبها من مشروع العقوبات الحالي البند الذي ينص على «منع الطائرات والسفن الإيرانية لنقل البضائع من دخول المجال الجوي والبحري الدولي». كما تم سحب البند الذي ينص على استهداف شركات التأمين التي تتعامل معها بعض الشركات الإيرانية، ومنع شراء أو بيع أي سندات إيرانية ترتبط بحكومة طهران. ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن تلك العقوبات التي تم سحبها كانت ستمنع «تقديم خدمات التأمين لشركات إيرانية على عقود تتعلق بالنقل الدولي». وكانت المقترحات الأصلية تشمل عقوبات قاسية جديدة تزيد من عزلة إيران إلى مستويات غير مسبوقة. أما العقوبات الجديدة المنقحة فهي تستهدف بشكل خاص «أكبر مراكز السلطة الإيرانية ولا سيما الحرس الثوري».

إلا أن التعديلات المفترضة في مسودة مشروع العقوبات لم تنل استحسانا من مسؤولين غربيين. وقال مسؤول أوروبي بارز قريب من الملف الإيراني وشارك في اجتماعات جنيف نهاية العام الماضي بحضور سعيد جليلي مسؤول الملف النووي الإيراني ووليام بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «التعديلات على مشروع العقوبات بهذه الطريقة قد تجعله بلا أسنان حقيقة كي يغير سلوك إيران»، لافتا إلى أن السلطات الإيرانية «تكيفت» مع عقوبات مشابهة في الماضي ركزت أيضا على الحرس الثوري وعلى المؤسسات التابعة له. وقال المسؤول الأوروبي إن روسيا والصين اشترطتا أن تركز العقوبات ضد إيران «فقط على منع انتشار المواد النووية»، وذلك من أجل أن يدعما قرارا من مجلس الأمن، موضحا أن تركيز العقوبات على منع الانتشار النووي قد يكون قرارا «أكثر نعومة من المطلوب دوليا». وتابع: «لإيران تاريخ في التحايل على قرارات منع الانتشار النووي ولديها علاقات مع كوريا الشمالية وباكستان وجهات أخرى تسمح لها بالتغلب على قرارات دولية تركز فقط على الجانب النووي».

وكانت مصادر غربية مطلعة قد قالت لـ«الشرق الأوسط» إن انضمام الصين وروسيا إلى مشروع العقوبات ضد إيران بات مرجحا بعد أن عدلت أميركا مشروع قانون العقوبات وأزالت البنود المتعلقة بالنفط والغاز الإيراني وفرض حصار بحري. وتزامن مع ذلك مشاركة الصين لأول مرة منذ أشهر في اجتماع بالدائرة التلفزيونية المغلقة لممثلي دول 5 +1 لبحث العقوبات على طهران. وكانت الولايات المتحدة تأمل في إقرار مجموعة جديدة من العقوبات الدولية مطلع هذا العام وربما في أبريل (نيسان) المقبل، إلا أن صعوبة الحصول على دعم واضح حتى الآن يمكن أن يؤجل ذلك إلى الصيف. وقال مصدر أميركي مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن واشنطن تسعى لأن يصدر قرار العقوبات بحلول يونيو (حزيران) المقبل، موضحا أن الاتصالات والتشاورات مع حلفاء أميركا تكثفت خلال الأسابيع الماضية.

وفيما تحفظت الخارجية الأميركية عن توضيح حجم المناقشات التي احتلها الملف الإيراني خلال محادثات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض وما إذا كان هناك «تراجع» في شدة العقوبات لضمان دعم بكين وموسكو وذلك في استفسار لـ«الشرق الأوسط»، فإن البيت الأبيض أوضح أمس بشكل مقتضب أن الولايات المتحدة «تقنع» المجتمع الدولي بالحاجة إلى الضغط على إيران بسبب برنامجها النووي. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس للصحافيين في أيوا سيتي «بلغنا مرحلة في إقناع المجتمع الدولي وإقناع شركائنا لم نبلغها قط في السابق»، بدون إضافة تفاصيل. فيما قالت متحدثة باسم الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط» إن الحديث عن تخفيف العقوبات على إيران لضمان دعم الصين وروسيا «هراء» و«لا أساس له من الصحة».

ولم يتضح أمس ما إذا كانت الصعوبات التي تواجهها عملية السلام في الشرق الأوسط، وعدم التوصل على تسوية حول المستوطنات تسمح باستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تحد من قدرة إدارة أوباما على المضي قدما في عقوبات فعالة ضد إيران، ولم يربط المسؤولون الأميركيون بطريقة مباشرة بين تطور الملفين، إلا أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس قال أمس إن «عدم إحراز تقدم» في المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية «يضر بمصالح الولايات المتحدة في مجال الأمن القومي في المنطقة»، مكررا تصريحات الجنرال ديفيد بترايوس، رئيس القيادة الأميركية الوسطى، أمام لجنة النواب هذا الشهر الذي قال إن النزاع المتدهور في الشرق الأوسط يزيد من المشاعر المعادية للولايات المتحدة في المنطقة «بسبب ما يعتبر انحيازا أميركيا لإسرائيل». وأضاف غيتس أن «عدم إحراز تقدم في عملية السلام هو بالتأكيد أمر يستغله خصومنا في المنطقة.. ويؤثر على مصالح الأمن القومي الأميركية في المنطقة». ولم يذكر غيتس إيران بالاسم، إلا أن المؤشرات تدل على أن «يد أميركا مقيدة» إلى حد ما فيما يتعلق بإيران بسبب جمود عملية السلام، والتصعيد بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.

وبدت السلطات الإيرانية أمس غير مكترثة بتطورات ملف العقوبات، مقللة من شأن مشاركة الصين في الاجتماع الذي تم بالدائرة التلفزيونية المغلقة في نيويورك، مركزة اهتمامها على تصريحات نتنياهو حول القدس. وقال مسؤول حكومي إيراني لـ«الشرق الأوسط»: «العقوبات لن تكون فعالة مهما فعلوا. فرضت 3 جولات من العقوبات الظالمة بحقنا من قبل وتجاوزنا آثارها. وهذه المرة سيحدث نفس الأمر. نحن جاهزون للعقوبات». وحول مشاركة بكين في اجتماع نيويورك أوضح المسؤول الإيراني: «الصين ما زالت ضد العقوبات وترى بشكل عقلاني أن الحل في الحوار الدبلوماسي، وهذا موقفنا أيضا». فيما دعت وزارة الخارجية الإيرانية الغرب إلى التحرك بطريقة «عملية» و«ليس مسرحية» حيال إسرائيل التي أعلنت أخيرا استمرار التوسع الاستيطاني في القدس الشرقية المحتلة، موضحة على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن بلاده لها الحق في الدفاع عن النفس «لا قيمة له». ووصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية التصريحات التي أطلقها نتنياهو خلال زيارته إلى واشنطن بأنها «أفكار وضيعة».

ويقول خبراء إنه في ظل فشل القوى الكبرى في الاتفاق على فرض عقوبات قاسية جديدة على إيران ولأن العمل العسكري ينطوي على مخاطر جمة بالنسبة للغرب فإن الاحتواء بأسلوب «الحرب الباردة» قد يكون الطريقة الواقعية الوحيدة لكبح جماح الطموحات النووية لطهران.

وقالت مجلة «فورين بوليسي» أو «السياسة الخارجية» في عدد مارس (آذار) الحالي وفي مقال بعنوان «بعد أن تحصل إيران على القنبلة» أن «الاحتواء» قد يكون مفيدا لأن «الأولوية القصوى بالنسبة لإيران هي حماية النظام». وكتب جيمس لينزي وراي تقي المحللان الاستراتيجيان بمجلس العلاقات الخارجية بنيويورك يقولان إن مغزى البرنامج النووي هو أن تكون إيران «القوة المهيمنة في المنطقة مع الحفاظ على السيطرة السياسية بالداخل». وبالنظر إلى مماطلة إيران عكفت أميركا على بناء أنظمة إنذار مبكر وأنظمة دفاع ضد الصواريخ ذاتية الدفع مما دفع بعض أعضاء الكونغرس إلى القول بأن هناك «استراتيجية احتواء ناشئة بالفعل».