افتتاح القمة العربية في سرت الليبية بهجوم تركي على إسرائيل

أمير قطر يقترح تشكيل لجنة اتصال عليا > القذافي: لا يمكن محاسبة أمير قطر لأنه لم يعط صلاحيات > أردوغان يصف الموقف الإسرائيلي من القدس بـ«الجنون» > موسى يقترح إنشاء تجمع لدول الجوار يضم إيران > أبو الغيط: الحوار مع إيران يحتاج «أسسا واضحة»

TT

انطلقت أمس في مدينة سرت الليبية أعمال القمة العربية الـ22، بمشاركة 14 زعيما عربيا، في القمة التي تمت تسميتها بقمة «دعم صمود القدس»، وشهدت جلستها الافتتاحية هجوما عنيفا من قبل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على السياسة الإسرائيلية الاستيطانية.

وكانت القمة قد بدأت بكلمة مقتضبة لأمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني رئيس القمة الـ21، أكد فيها وجود أزمة في العمل العربي المشترك، مطالبا العرب بالتحرك من أجل إنقاذ القدس، مشددا على أنه يجب «أن لا نكتفي بقرارات الشجب والإدانة».

وأضاف أمير قطر: «هل تكفي القدس والأقصى قرارات الشجب والإدانة؟ وهل نقتنع نحن وتقتنع شعوبنا بأن كل ما في وسعنا فعله هو الإدانة والشجب؟ هل علينا فعلا أن ننتظر الرباعية بشأن القدس والأقصى؟».

وأضاف الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني: «نحن أمام خيارين؛ إما أن نترك العمل العربي المشترك لمصائره ومصادفاتها تذهب به أينما تشاء، أو نقف وننبه إلى ضرورة المراجعة وإعادة النظر، ونحن لا نستطيع أن نخدع أنفسنا وشعوبنا».

وذكر أمير قطر عدم تحقيق إنجازات ملموسة خلال رئاسة بلاده للقمة على مدار العام الماضي، حيث قال: «ولسنا نقبل أو نرضى أن نتقدم إليكم اليوم أو إلى الأمة من خلفكم بتقرير عن إنجازات دورة رئاسية لمجلس الجامعة العربية شرفنا بمسؤوليتها، وذلك لأن هذه الإنجازات لم تتحقق».

واقترح أمير قطر تشكيل لجنة اتصال عليا تعمل تحت إشراف رئيس القمة ويكون عليها التقدم إليه بمقترحات لحل أزمة العمل العربي المشترك.

وفي كلمته عقب تسلم رئاسة القمة، دعا الرئيس الليبي معمر القذافي إلى تحاشي القرارات التي لا ترضى عنها «الجماهير العربية»، مضيفا أنه «يجب أن نحاول أن نقرر ما تنتظره منا الجماهير. إذا قررنا أي شيء لا ترضى عنه الجماهير لن يكتب له النجاح، والجماهير ماضية في تحدي النظام الرسمي». واعتبر الزعيم الليبي أن الحكام العرب «في وضع لا يحسدون عليه.. لأنهم يواجهون تحديات غير مسبوقة».

وقال الرئيس الليبي: «المواطن العربي ينتظر الأفعال، والشارع العربي شبع من الكلام وسمع كلاما كثيرا، وأنا شخصيا تحدثت خلال أربعين عاما في كل شيء، والمواطنون العرب ينتظرون منا نحن قادة العرب الأفعال وليس الخطب»، وأضاف: «لا يمكن أن نسأل الشيخ حمد (بن خليفة آل ثاني أمير قطر ورئيس الدورة السابقة للقمة) عن إنجازات لأنه لم يعط صلاحيات حتى نحاسبه».

أما الرئيس اليمني علي عبد الله صالح فقد أعاد خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية التأكيد على طرح مشروع إقامة اتحاد عربي بديلا للجامعة العربية.

وأكد الرئيس اليمني أنه في ظل الظروف العربية الحالية و«الصلف الصهيوني» فإن «أهم ما يجب أن يتحقق في هذه القمة هو إنشاء الاتحاد العربي» على غرار الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، بأجهزة تنفيذية وصلاحيات أوسع في مستوى العمل العربي المشترك. ووبعد انتهاء كلمة الرئيس علي عبد الله صالح، خاطب الزعيم الليبي، الرئيس اليمني قائلا: «المهم هو أن اقتراحك حصل على موافقتي» في إشارة إلى رفضه على ما يبدو من باقي الدول العربية.

وعلى الأثر دوى تصفيق وهتاف «شعب عربي واحد» من الحضور الليبي في القاعة في حين لوح القذافي بقبضته تأييدا قبل أن يرفع الجلسة الافتتاحية للقمة.

و أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن إنقاذ القدس «فرض عين علينا جميعا». وقال عباس، في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية إن «القدس وما حولها أمانة وضعها الله سبحانه وتعالى في أعناقنا، وإن إنقاذها هو فرض عين علينا جميعا». وأضاف أن «القدس هي درة التاج، وهي بوابة ومفتاح السلام، ونؤكد تمسكنا بكل ذرة تراب، وكل حجر من القدس، ونحن مصممون على الدفاع عن عاصمة فلسطين، ولن يكون هناك أي اتفاق للسلام لا يتضمن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا وفي مقدمتها القدس».

وأكد أهمية أن تتقدم المجموعة العربية في نيويورك بطلب عقد جلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الإجراءات الإسرائيلية في القدس، وإلزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني بصفتها قوة احتلال يتوجب عليها عدم المساس بالوضع في القدس.

كما طالب عباس بتقديم دعم مالي إضافي «وبشكل عاجل» من خلال صندوقي «الأقصى» و«القدس»، ووضع خطة تحرك عربي لدعم صمود القدس.

وقال عباس إن إنقاذ حل الدولتين وما يتعرض له من خطر، ومستقبل الأمن والسلام في المنطقة، يتطلبان التحرك الفوري لإلزام حكومة إسرائيل بإعلان موقف واضح غير قابل للتأويل بقبول حل الدولتين على حدود سنة 1967 وإلزامها كذلك بوقف أنشطتها الاستيطانية وفق ما نصت عليه خطة خارطة الطريق.

في حين دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى تحالف عربي تركي إسلامي «يرد على محاولات المساس بمقدسات الأمة الإسلامية ويبني مستقبلا مزهرا للمسلمين».

وشن أردوغان هجوما شرسا على إسرائيل، واصفا اعتبار إسرائيل القدس عاصمة موحدة لإسرائيل بـ«الجنون»، وقال إن وزراء إسرائيليين أعلنوا أن «القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل»، مضيفا «هذا جنون وهذا لا يلزمنا إطلاقا». وأضاف أن «القدس هي قرة عين كل العالم الإسلامي ولا يمكن قبول اعتداء إسرائيل على القدس والأماكن الإسلامية إطلاقا». وتابع أن «إنشاء 1600 وحدة سكنية في القدس أمر غير مقبول وليس له أي مبرر»، معتبرا أن «انتهاكات إسرائيل في القدس لا تتلاءم مع القانون الدولي ولا مع القانون الإنساني، وهي لا تنتهك القانون الدولي فقط، ولكن التاريخ أيضا».

وأكد رئيس الوزراء التركي، الذي قوطع أكثر من مرة بتصفيق حاد من الحاضرين في قاعة «واغادوغو» حيث عقدت القمة، أن «احتراق القدس يعني احتراق فلسطين واحتراق فلسطين يعني احتراق الشرق الأوسط».

وقال أردوغان: «نحن نريد في وشدد أردوغان على أن العرب والأتراك يوجدون معا في جغرافيا «شهدت دماء ودموعا واحتلالات، لكن هذا الوضع لن يدفعنا لليأس.. التحالف هو رد على كل داء، وبإذن الله نبني المستقبل فوق السلام والرفاه والأمن والاستقرار».

وأيد أردوغان بشدة اقتراح عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية لتأسيس رابطة الجوار العربي، وقال: «نحن مستعدون لذلك في تركيا، فليس واقعيا تناول أي حدث بشكل منفصل في المنطقة». وأكد أن نشاط المستوطنات في القدس الشرقية ليس مقبولا أو له مبرر، و«لا يتلاءم مع القانون الدولي ولا ضمير الإنسانية»، مشيرا إلى أن إسرائيل في نشاطها الاستيطاني «تنتزع الأحاسيس الإسلامية والتاريخ ولا تخالف الشرعية الدولية فقط، فالقدس أصبحت عبر القرون مدينة إنسانية ورمزا للتعايش».

وحذر أردوغان من أن «احتراق القدس يعني احتراق فلسطين وبالتالي الشرق الأوسط برمته، ولا يمكن تسوية المشكلة في ظل الاعتداءات الإسرائيلية».

وختم أردوغان كلمته بالقول: «اليوم ليس يوم العزاء وسكب الدموع.. اليوم تحالف وتحرك معا لتأسيس السلام بشكل عادل، وفي تركيا نرى أن تسوية القضية الفلسطينية مفتاح الأمن والسلام في المنطقة، فنحن شعوب أسسنا معا حضارات وثقافات السلام، ونحن أنصار دين اسمه السلام».

من جانبه، دعا الأمين العام لجامعة العربية عمرو موسى القمة العربية إلى ضرورة التعامل مع كل التحديات التي تواجه الشأن العربي، خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تشهد استمرارا في الأعمال الإسرائيلية المناهضة للسلام مثل مواصلة الأنشطة الاستيطانية.

واقترح موسى إنشاء تجمع لدول الجوار العربي، يضم الدول غير العربية ذات القواسم المشتركة، وبينها إثيوبيا وإريتريا وتشاد وإيران وتركيا، مستبعدا إسرائيل من هذا التجمع. وقال موسى، في كلمته: «إذا وافقت الدول العربية على الاقتراح، سيعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب لوضع المبادرة موضع التنفيذ»، مشيرا إلى أن الهدف من التجمع هو «إحداث حركة إقليمية في المنطقة».

ولفت الأمين العام للجامعة العربية إلى أن تشاد «تربطنا بها قواسم؛ منها اللغة العربية الرسمية لديها».

وفي شأن إيران، اقترح موسى إطلاق حوار عربي - إيراني يكلف به الأمين العام للجامعة العربية في مراحله الأولى «مع علمي بمدى القلق إزاء مواقف إيران، لكن هذا لا ينفي ضرورة إجراء حوار، وعلى الرغم من تعارضنا معها، فإننا مشتركون معها في الجغرافيا والتاريخ». وأوضح موسى أن «إسرائيل ليس لها مكان في هذا التجمع المقترح وقطارها يسير معاكسا للسلام».

وقال أبو الغيط في تصريح له على هامش القمة العربية في سرت: «إن مصر ترى قوى الجوار العربي على أنها دول ذات أهمية، سواء من إريتريا في الشرق، وصولا إلى غينيا في الغرب».

وحول دعوة الأمين العام للجامعة العربية إطلاق حوار عربي - إيراني للنظر في معالجة القضايا العالقة بين الجانب العربي والإيراني، قال أبو الغيط: «هذه مسألة يجب أن تكون لها أسس واضحة ومفاهيم متفق عليها، لكي نستطيع أن ننظر فيها».

وفي كلمته، أكد بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة أن الأمم المتحدة ترى أن في الجامعة العربية «شريكا يثق به». وشدد الأمين العام للمنظمة الدولية على عدم شرعية الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية، داعيا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى ضرورة العودة لطاولة المفاوضات.

ويشارك في القمة 14 رئيس دولة، ورئيس وزراء (أحمد نظيف. مصر)، وثلاثة وزراء خارجية (الأمير سعود الفيصل. السعودية، وهوشيار زيباري. العراق، وعلي أحمد جامع. الصومال) ونائب رئيس وزراء (فهد بن محمود آل سعيد، سلطنة عمان) وحاكم إمارة أم القيوين (الشيخ سعود بن راشد المعلا، الإمارات) والأمير رشيد بن الحسن (المغرب). بينما يمثل المندوب الدائم للبنان لدى جامعة الدول العربية بلاده في قمة سرت.

يذكر أن قضية القدس فرضت نفسها بقوة على الأعمال التحضيرية للقمة التي اقترحت مصر تسميتها «قمة صمود القدس» في ظل إصرار الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو على التوسع الاستيطاني في القدس الشرقية ورفضها ضمنا أي تفاوض بشأنها، إذ إنها تؤكد على أن المدينة بشطريها ستبقى عاصمة لإسرائيل.

حضر الجلسة الافتتاحية للقمة كثيرا من الضيوف بينهم رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير خارجية إسبانيا ميغيل آنخيل موراتينوس.

وفي تصريحات صحافية على هامش القمة، أكد رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، أن المطلوب من القمة العربية القيام بثلاثة أمور أساسية تخص فلسطين في ظل التحديات القائمة واستمرار العدوان الإسرائيلي. وأوضح عريقات: «نريد ثلاثة أمور من هذه القمة.. فالثبات على موقفنا وسعينا للسلام لا يعني أننا نريد السلام بأي ثمن، والسلام يعني الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة من فلسطين والجولان السوري المحتل ومن ما تبقى من أراضي محتلة بجنوب لبنان، ويجب أن تفهم إسرائيل رسالة واضحة وهي عدم وجود أي تطبيع ما لم ينته الاحتلال الإسرائيلي». وتابع: «الأمر الثاني المطلوب من القمة هو تعزيز صمود شعبنا وفي القدس تحديدا، وإسرائيل أنفقت ما لا يقل عن 14 مليار دولار على مدار العشرين سنة الماضية على تهويد القدس.. والسؤال الصريح المقدم للعالمين العربي والإسلامي: ما الذي أنفقتموه».