سليل أعرق أسرة سياسية في الفيلبين.. على خطى والدته

بينينو أكينو ترشح لانتخابات الرئاسة مدفوعا بضغط المشاعر الشعبية إثر رحيل الرئيسة السابقة

TT

لم يظهر الابن الوحيد لتلك الأسرة السياسية العريقة في يوم من الأيام أي طموح سياسي أو إحساس بإمكان نيل مكانة في تاريخ بلاده. كان الابن، مثل والدته، يضطلع بدور عام محدود، إلى أن أجبرته الظروف على غير ذلك. على الرغم من كون بينينو أكينو الثالث، 50 عاما، الابن الوحيد لأبرز اثنين من رموز الديمقراطية في الفيلبين، فإن مسيرته كسياسي كانت أقل حظا من عدد لا يحصى من أبناء جيله من السياسيين. فقد اعترف أنه لم يتخيل نفسه يقود الفيلبين يوما ما، لكنه يجد نفسه الآن المرشح الأوفر حظا في انتخابات الرئاسة المقررة في 10 مايو (أيار) القادم. فقد أدى رد الفعل الشعبي تجاه وفاة والدته، كورازون أكينو، الرئيسة السابقة للفلبين، في أغسطس (آب) الماضي، إلى انطلاق دعوات منادية بترشحه للرئاسة. وبعد نقاشات عامة، أبدى أكينو، الملقب بـ«نوينوي» موافقته. وقال أكينو: «كانت هناك الكثير من الدعوات التي طالبتني بالترشح، والتي كان لها أثر مطمئن بالنسبة إليّ، وقد ساعدني ذلك كثيرا في ترتيب أفكاري».

قبل ربع قرن، حضرت والدته تجمعا شعبيا مماثلا قبل الموافقة على الترشح ضد فيردناند ماركوس، المدعوم من قبل الولايات المتحدة، الذي قتل رجاله زوجها بينينو أكينو، زعيم المعارضة الملقب بـ«نينوي» في مطار مانيلا، وبعد محاكمة ماركوس على سرقة الانتخابات تولت أكينو الرئاسة بدعم شعبي في حركة احتجاج سلمية في العاصمة. وعندما سئل ما إذا كانت تساوره الشكوك، قال أكينو، الذي لم يتزوج إلى الآن: «حسنا، قال لي أصدقائي إنهم قبل مثولهم أمام الكنيسة لإتمام الزواج قاموا بحل الكثير من المشكلات، بيد أنهم عندما مثلوا أمام الكاهن كانت لا تزال هناك بعض الشكوك التي لا تزال تساورهم».

ومع اقتراب موعد الانتخابات، يرى البعض أن الدعم الكبير الذي لقيه بعد وفاة والدته تراجع بصورة ما. فقد بدأ تقدم أكينو في استطلاعات الرأي في التراجع، نتيجة الانتقادات التي وجهت إليه بأنه لم يقدم في تاريخه السياسي سوى القليل، فضلا عن نسبه، بينما يتميز عنه مانويل فيلار، أقرب منافسيه، بنشأته في بيئة فقيرة، وتحوله إلى أغنى رجل أعمال في الفيلبين.

جلس أكينو في صباح أحد الأيام الماضية في حي تسكنه الطبقة المتوسطة ما يقرب من 90 دقيقة في منزل العائلة المتواضع المؤلف من طابق واحد، الذي تعود ملكيته إلى العائلة منذ 1961، حيث عاشت والدته حتى وفاتها، وحيث يعيش الابن الآن بمفرده. في غرفة المعيشة، استولت صور والديه على قسم كبير من جدران الغرفة. تحدث أكينو عن تحويل الحركة الشعبية لوالدته إلى نصر، ووعد بشن الحرب على ثقافة الفساد السياسي في الفيلبين، محاولا الاستفادة من عدم الشعبية الكبيرة لغلوريا أرويو، التي لم تتقدم للترشيح في الانتخابات. وقال: «نحن نعتقد أنه إذا كانت الحملة شعبية، فسنعرف رؤساءنا بوضوح شديد». ومن دون الإشارة إلى المذكرات أو استشارة مساعدين، تحدث أكينو حول أولوياته كرئيس مرتقب عن توفير فرص عمل وتطوير التعليم والرعاية الصحية والنظام القضائي. وتحدث عن نتيه تعزيز علاقات بلاده مع الولايات المتحدة، القوة المستعمرة السابقة.

تعود العلاقات مع الولايات المتحدة إلى عام 2002، عندما بدأت القوات الخاصة الأميركية العمل في جنوب الفيلبين على تدريب الجيش الفيلبيني على تعقب المتطرفين الإسلاميين. وفي الوقت الذي أبدى فيه أكينو ثقة بقدرة الأميركيين على رفع قدرات الجيش الفيلبيني، قال إن اتفاقية القوات الزائرة، التي تسمح للجيش الأميركي بسجن جنودها في سجونها إذا ارتكبوا جرائم جنائية، ستخضع للمراجعة. وأضاف: «يساورني في بعض الأحيان انطباع بشأن علاقاتنا مع الولايات المتحدة بأنهم يرغبون في انتهاج نفس صيغة شركة يلزمها إبلاغ حملة الأسهم كل عام، بما يتناقض والاعتقاد بشأن إمكان عقد اتفاقية طويلة المدى».

لا تحمل النقاشات السياسية أو الولاءات الحزبية تأثيرات كبيرة على نتائج الحملات الانتخابية في الفيلبين، حيث تسيطر الولاءات العائلية. لذا، تميز التجمعات الانتخابية المؤيدة له الألوان الرمزية والموسيقى التي تثير، بين مناصريه من الطبقة المتوسطة، ذكرى استشهاد والده، ووعد والدته بنهضة شعبية، ناهيك عن سجل أكينو كرئيسة للبلاد. ففي داخل استاد رياضي هنا، صعد أكينو على المنصة ليغني أنشودة: «اربط شريطا أصفر حول شجرة البلوط»، التي كانت شعار حركة والديه، واستدعى إلى الأذهان الفستان الأصفر الذي كان السمة المميزة لوالدته. وانتهى الحفل بأغنية «الحلم المستحيل»، الأغنية المفضلة لوالده السياسي الناجح، الذي جسد آمال المعارضة الديمقراطية قبل مقتله، ونقل الوالد طموحه السياسي لابنه الوحيد في خطاب قرأه محتوياته خلال التجمع، فقال الأب في الخطاب: «بني، الكرة الآن في ملعبك».

وأشار أكينو، الأخ الوحيد لأربع فتيات، إلى أن والده كان يحمل تطلعات كبيرة بالنسبة إليه، لأنه كان الابن الوحيد. وقال: «عندما كنت طفلا، كنت بين الثلاثة الأوائل في الفصل، وكنت فخورا بذلك لأن الاثنين الآخرين لم يكونا على هذا القدر من التميز، ولذ قال والدي: لماذا تكون بين الثلاثة الأوائل فقط؟».

لكن اعتماد أكينو على إرث والديه امتزج بسجل سياسي متواضع، فقد بدأ في إثارة انتقادات متعددة. وقال بوبي توازون، مركز التمكين الشعبي في الإدارة التابع لجامعة الفيلبين: «لا يمكنه التعويل إلى الأبد على إرث والديه، وهو ما يتضح بصورة كبيرة». يقول مناصروه إن أكينو لم يقترح قوانين، لأنه كان في المعارضة، وأكدوا طهارة يده، على الرغم من التساؤلات بشأن قدرته على كبح جماح الفساد، الذي ازدهر في حكومة والدته، التي كانت تعتبر هي الأخرى نموذجا في طهارة اليد.

ويقول ألبرتو ليم، المدير التنفيذي لـ«مكاتي بيونس كلب»، المؤسسة النافذة: «المرشحون كلهم لديهم برامج اقتصادية مشابهة. والسبب في دعمنا لنوينوي هو أنه لم يستخدمه منصبه في الحكومة لتحقيق ثروة شخصية». بيد أن آخرين يعبرون عن دعمهم لأكينو، في بعض الأحيان، بصورة دفاعية. فعلى الرغم من تحسن خطابه العام، فإنه لا يزال غير قادر على إلهاب حماسة الجماهير. تقول لي نافارو، المغنية الشهيرة التي تروج لحملة أكينو، إنه «قطع من نبتة طيبة. فهو يتحلى بالثقة الكبيرة بالنفس، والجدية».

يشير أكينو إلى أنه يستمتع بمقابلة الأفراد في التجمعات الانتخابية، لكنه لا يحبذ الحملات، الأشبه ما تكون بالسيرك. فقد سمح لأخته كريس، إحدى أشهر الممثلات على مستوى البلاد، باختيار ملابس جديدة له، لكنه رفض النصائح بشأن تعديل شعره الخفيف، أو اللجوء إلى عمليات التجميل ليبدو أصغر سنا.

وقال إنه يبدو مرتاحا لكونه على طبيعته، على الرغم من إدراكه التام أن الناخبين سيعقدون مقارنة بينه وبين والديه. وأضاف: «أنا لم أسع إلى التنافس معهم، لكني أعتقد أن ذلك اختبار كان مستحيلا، فبعد وفاة والدي بفترة ليست بالطويلة، قال الناخبون المتحمسون إنني أبعد ما يكون عن الشبه بوالدي». وأردف مشيرا إلى نضال والديه من أجل الديمقراطية: «كيف يمكن للفرد أن يتنافس مع فكرة؟ وحتى لا تكون مغامرة غير محسوبة مني، فقد قررت التركيز على أن لا تضيع تضحياتهم سدى».

* خدمة «نيويورك تايمز»