قندهار تتحول إلى ساحة قتال استعدادا لهجوم أميركي واسع

عناصر «طالبان» يتجولون بحرية في الشوارع.. ومسؤولو الحكومة يختبئون وراء جدران عالية خشية التفجيرات

جنود من الجيش الأميركي يتعقبون آثار عناصر طالبان في جبال قندهار بجنوب أفغانستان، أمس، حيث زادت معدلات العنف خلال الأسابيع الماضية (رويترز)
TT

بدأت القوات الأميركية عمليات تمهيد للهجوم على عناصر «طالبان» داخل محافظتهم الجنوبية الأكثر أهمية ومهد حركتهم، ومن المتوقع أن يقع هجوم واسع خلال الأسابيع المقبلة.

وفي الوقت نفسه، حولت «طالبان» مدينة قندهار إلى ساحة للقتال في إطار استعداداتها لمواجهة الهجوم، الذي يأمل مسؤولون أميركيون أن يكون حاسما ليكسر سيطرة حركة التمرد على جنوب أفغانستان. وعندما تصل القوات الأميركية كافة، سوف تواجه تحديات أكبر من أي تحديات أخرى داخل أفغانستان. وقد أصابت التفجيرات الانتحارية وعمليات الاغتيال التي نفذتها حركة طالبان مدينة قندهار بحالة من الشلل بسبب الخوف. ويمشي المتمردون بجرأة في شوارع قندهار، ويقومون بزيارة المحلات التجارية والضغط على المواطنين لترك مسدسات وإمدادات أخرى داخل منازلهم استعدادا للحرب المقبلة، حسب ما يقوله سكان محليون. وتفتقر الحكومة الفاسدة والضعيفة إلى أي دعم شعبي تقريبا، ويعيش كل من له علاقة بالحكومة في حالة خوف خشية تعرضه للاغتيال. ويجلس المسؤولون الحكوميون متترسين وراء حوائط عالية مضادة للتفجيرات. ولا يوجد سوى مقدار ضئيل من الخدمات التي تقدم للمواطنين. ويقول سكان محليون إن الوضع الأمني يشهد أسوأ مستوياته منذ سقوط حكومة حركة طالبان عام 2001.

ويقول الحاج أغا لالاي، عضو مجلس المحافظة ورئيس سابق للجنة السلم والمصالحة داخل قندهار وله صلات واسعة مع حركة طالبان: «إنهم يركزون على المدينة، حيث تريد عناصر حركة طالبان أن تظهر نفسها للعالم وتؤكد على وجودها هنا». وتشير حملة حركة طالبان إلى الأهمية التي يضعها المتمردون على قندهار، التي سيصل إليها العدد الأكبر من قوات أميركية إضافية يبلغ قوامها 30000 جندي يجري تعبئتهم خلال العام الجاري. ويظهر أيضا أهميتها بالنسبة إلى الأميركيين. ومن المتوقع أن يفوق نطاق الهجوم الأميركي المقبل العملية الأخيرة التي نفذت داخل مارجا، في محافظة هلمند المجاورة، حيث تم تعبئة 15000 جندي أفغاني وأميركي ومن قوات «الناتو» لتأمين منطقة أصغر كثيرا من هذه العاصمة الإقليمية التي يوجد فيها 500000 مواطن. وتستعد القوات الأميركية لهجوم قندهار منذ العام الماضي، وتقوم بتعزيز وجودها حول المدينة وعلى امتداد الحدود مع باكستان لتأمين المحافظة. ويقول بعض السكان المحليين إنه نتيجة لذلك شهدت الأوضاع المعيشية تدهورا متسارعا.

وفي 13 مارس (آذار) قام انتحاريون بقتل 35 شخصا، وأصدرت حركة طالبان تحذيرات متكررة تقول إن عناصرها في المدينة ويخططون للمزيد من الهجمات. وقالت ناشطة في مجال حقوق الإنسان طلبت عدم ذكر اسمها خشية المتمردين: «لا نشعر بالأمن داخل المدينة، كما أن هناك خطورة بالنسبة إلى الرجال خلال الذهاب إلى هناك». ويقول مسؤولون إنه خلال الأسابيع التي سبقت التفجيرات، نفذت حركة طالبان سلسلة من الهجمات ضد الشرطة ومسؤولين آخرين في المدينة، وأدى ذلك إلى مقتل ضابط أو اثنين من الشرطة كل ليلة لعدة ليال، مع الاستحواذ على الأسلحة التي لديهم. وقتل عبد المجيد بابائي، وهو مسؤول حكومي كان يشغل رئيس إدارة المعلومات والثقافة، خلال ذهابه إلى العمل يوم 24 فبراير (شباط). ويقول أقاربه إنه وصلته تهديدات من حركة طالبان، طلبوا منه ترك منصبه. ويقول الحاج لالاي: «يمكن لعناصر حركة طالبان التجول في الشوارع، ولا يمكن لمسؤولي الحكومة القيام بذلك». وفي وقت قريب، جلس محافظ قندهار توريالاي ويسا وحده داخل مكتبه يقرأ بعض الأوراق، على الرغم من أنه قبل أعوام قليلة كانت غرف وأروقة قصره الفسيحة تمتلئ بالزعماء القبليين. ويعد الوضع أسوأ خارج المدينة، فالخدمات الحكومية نادرة، ولا يمكن للمسؤولين الحكوميين الوصول سوى إلى 5 مناطق من بين 17 منطقة داخل المحافظة. ويقول نادر نادري، نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان الأفغانية المستقلة، إن المتمردين يسيطرون تماما على أربع مناطق.

ويجري تعيين بعض الرؤساء داخل المناطق، ولكن لا يحصلون على دعم كبير ولا يتوافر لهم سوى القليل من الموارد ولا يمكنهم القيام بالكثير من المهام. ويمكنهم بالكاد حراسة مركز المنطقة، حيث لا يوجد سوى 40-60 ضابطا داخل كل منطقة. ويقول مسؤولون حقوقيون إنه لا يوجد تعليم ولا خدمات صحية خارج المدن، وتم إغلاق نحو ثلثي مدارس المحافظة.

ويقول مسؤولون داخل منطقة سبين بولداك على الحدود الباكستانية إن منطقتهم كانت تنعم بمقدار أفضل من الأمن منذ قدوم جنود أميركيين من فرقة «استيركر» إلى هناك العام الماضي في محاولة لإغلاق طرق تسلل حركة طالبان. وأصبح الطريق إلى سبين بولداك أكثر أمنا، وجرى تركيب برج إذاعي يسمح للحكومة بالتواصل مع الأفغان على امتداد المنطقة الحدودية، حسب ما قال المحافظ ويسا خلال زيارة قريبة.

ولكن، قامت حركة طالبان أكثر من مرة بالهجوم على وحدات «استيركر» داخل منطقة أرغانداب الاستراتيجية، شمال مدينة قندهار، باستخدام قنابل تزرع على جوانب الطرق.

وداخل منطقتي مالاجات وبانجواي، غرب وجنوب غربي مدينة قندهار، يقول مزارعون إنهم يواجهون تهديدات باستمرار بسبب الألغام التي يضعها مسلحون، بالإضافة إلى المروحيات الأميركية والطائرات من دون طيار التي تجوب في السماء.

وتحدث سكان القرى عن ثلاث حالات على الأقل خلال الأسابيع الأخيرة قامت خلالها طائرات من دون طيار بقتل مزارعين يقومون بحفر خنادق أو يحملون البضائع من السوق إلى المنازل، بالإضافة إلى حالات أخرى نالت الهجمات فيها من مقاتلي حركة طالبان.

وقال رجل يزور قريته كثيرا على متن دراجة نارية إن مروحيات أميركية تستهدف سكانا محليين يركبون درجات نارية أو يعملون داخل الحقول، وتحلق فوقهم حتى يقوم الرجال بخلع ثيابهم ويرفعون أيديهم إلى أعلى للتأكد أنهم من غير المسلحين، وطلب عدم ذكر اسمه خشية التعرض لمتاعب من أي جانب.

* خدمة «نيويورك تايمز»