باكستان: مدرسة داخلية تسعى لإصلاح الأطفال المقاتلين

طالبان تجهز جيلا جديدا من الجواسيس والانتحاريين وتعدهم بالجنة

TT

في جبال لا تبعد كثيرا عن هذه القرية، تقول الحكومة الباكستانية إن الإرهابيين يجهزون جيلا جديدا من الجواسيس والمقاتلين والانتحاريين. وخلف هذا السياج الشائك ورقابة قوات الجيش، تحاول باكستان منح هؤلاء الأطفال المقاتلين بعضا من طفولتهم التي فقدوها.

في المدرسة الجديدة بالقرب من وادي سوات الذي يسوده سلام هش، انهمك بعض مقاتلي طالبان من الشباب حديثي السن يرتدون السترات الرمادية في درس للرياضيات وجلسات الاستشارات والدروس الدينية التي تقدم لهم فهما صحيحا للإسلام وأنه لا يتعارض والديمقراطية. وعلى الرغم من الحماية من الجيش فإن المدرسين يخشون من هجمات المقاتلين والطلبة المتشددين، لكنهم يأملون أيضا في تغيير نهج هؤلاء الصبية الذين يشكلون قسما من التمرد في باكستان.

يقول المحللون إن هناك حاجة ملحة للقيام بذلك، مع تحول باكستان إلى مزيج سام من تزايد أعداد الشباب وقلة فرص العمل وتنامي التمرد في البلاد. ويشير المسؤولون العسكريون إلى أن أغلب التفجيرات التي ضربت البلاد خلال الآونة الأخيرة قام بها شباب دون العشرين؟ وأن الـ 86 شابا الموجودين في هذه المدرسة، التي يشرف عليها الجيش هم نقطة في هذا المحيط، وهي حقيقة لا ترغب مديرة المدرسة فيراها بيراتشا في التعويل عليها.

وقالت بيراتشا خلال خوض الطلبة، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و18 عاما، امتحانا في الفصل: «ربما يكون تأثيرها ضئيلا، لكننا سنتحول إلى قنبلة زمنية إن لم نقم بذلك».

على الرغم من حمل الأطفال المقاتلين البنادق في مناطق النزاع على مستوى العالم، فإن الخبراء الدوليين أشاروا إلى أن تعليم هؤلاء الأطفال وإصلاحهم لم يلقيا بحثا كافيا. ويقول مشرفو هذه المدرسة الداخلية - الأولى من نوعها في باكستان - إنهم يبحثون في خلفيات هؤلاء الشباب الباكستاني المقاتل للتعرف على الدوافع التي أدت بهم إلى السقوط في براثن المتطرفين.

جاءت غالبية الطلبة إلى المدرسة بعد أن تعرضوا للأسر من قبل الجيش أو أحضرتهم عائلاتهم إلى هنا. والبعض منهم تدرب على أيدي مقاتلين للعمل كعبيد أو لصوص والبعض منهم كمفجرين انتحاريين.

يروي أحد المراهقين أنه شاهد الأطفال يختفون من المعسكر حتى أمره قائده ذات يوم بارتداء صدرية ناسفة لكنه رفض. شاب آخر اسمه صدام حسين - يشيع الاسم هنا في المنطقة لإعجاب سكانها بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين - سلمه أقاربه إلى المقاتلين الذين سيطروا على وادي سوات الصيف الماضي.

وقال عم صدام لمديرة المدرسة خلال اجتماع أخير سمحت فيه لصحافي بحضوره: «رفض ثلاثة أفراد من منطقتنا إرسال أولادهم إلى المقاتلين فكان مصيرهم القتل. وقد علم المتمردون ابن أخيه الرماية ووعدوه بالجنة والسيارات والبنادق والسلطة».

صدام البالغ من العمر 16 عاما، كان مشحونا بالغضب والعدائية تجاه المدرسة على غرار كل الطلاب الموجودين بالمدرسة التي دشنت خريف العام الماضي. وسأل المديرة: «متى سنلعب كرة القدم والكريكت؟» هذه النماذج لهؤلاء الشباب تكشف عما تقوم به الجماعات المقاتلة. فالقليلون ممن حضروا المدارس الدينية يلقون باللائمة عليها لتغذيتها الراديكالية في باكستان. وعلى الرغم من تدريب الجميع في وادي سوات فإنهم أقسموا بالولاء لقادة التمرد المختلفين، في إشارة إلى اختلاط العديد من الجماعات الإسلامية الباكستانية المقاتلة.

الأمر الأهم، كما تقول مديرة المدرسة والمعلمون أيضا، أن غالبية الطلاب يأتون في ترتيب متوسط في عائلاتهم الكبيرة مع غياب الأب. فالقليلون منهم التحقوا بتعليم رسمي، ونتائجهم التعليمية سيئة.

تقول بيراتشا، في هذا الشأن، إنهم أشبه بالشباب الجانح ممن قدمت لهم استشارات نفسية في باكستان وبريطانيا أكثر منهم متشددين دينيين. وهي ملاحظة ربما تشير إلى إحدى المشكلات العميقة التي تواجه باكستان اليوم من التعليم السيئ والفقر المدقع.

وقالت بيراتشا، عن حركة التمرد التي انطلقت العام الماضي وسيطرت على المنطقة التي تبعد نحو ستين ميلا عن العاصمة: «لم يتحرك المجتمع المدني وباقي أنحاء باكستان إلا بعد أن كاد الأمر يطيح بإسلام آباد. وما زلنا لم نتصرف على النحو الكافي تجاه التعليم المعطل في الوقت الحالي. مما ساعد على خلق جو من الفراغ استغله المتمردون على نحو متزايد. ففي المناطق القبلية في باكستان، حيث لا سيطرة للدولة، يقبل الأطفال على مدارس الأصوليين التي تمنيهم بالفردوس الذي ينتظر الشهداء منهم. ويقول البريغادير سيد عصمت علي، المتحدث باسم الجيش، في سوات حيث صعد قائد طالبان إلى القمة عبر الإذاعة، لم يكن الأطفال مسلحين بالقدر الكافي لمواجهة هذا الشعور بأن القوات الباكستانية كافرة تستحق الموت.

وقال محمد فاروق، نائب رئيس جامعة سوات والمفكر الديني المسؤول عن التعليم الديني في المدرسة لإصلاح المقاتلين: «إنهم لا يعلمون سوى القليل جدا عن العالم من حولهم وعن الإسلام. ولا يملكون سوى القشور من المعرفة سوى أنهم مسلمون وأن عليهم قتال أميركا ومن يعاونها».

ويعتقد هو وبيراتشا أن البرنامج الذي يتألف من التسامح والنظام إلى جانب مناهج دراسية محددة يؤتي ثماره. ولتقييم مستوى المخاطر التي يمكن أن تنجم عن هؤلاء الأولاد تقوم بيراتشا باختبارات نفسية معيارية وتدقق في رواياتهم خلال الجلسات المتعددة. وتشير إلى أن الأولاد دائما ما يتصرفون بحدة لكنهم يصبحون أكثر طواعية فيما بعد. وبعد الامتحانات في ظهيرة أحد الأيام وقف أحد الأولاد يمشط شعره، فيما وقف آخرون يشاهدون مباراة في الكريكت في حجرة الإبداع والبعض استسلم للنوم.

في ساحة المدرسة التقت بيراتشا، خير حسين، 15 عاما، وهو طالب جديد أفرج عنه حديثا من المعتقل. وفيما يشبه الهمس قال إنه ابن عامل يعمل في السعودية. وأنه تلقى التعليم في المدارس العامة الباكستانية إلى أن تم قصفها فتحول إلى المدارس الدينية. هناك قيد المقاتلون يديه وعصبوا عينيه وأخذوه إلى معسكر يبعد 100 كيلومتر في مكان ما وسط مرتفعات سوات.

وقال، في المعسكر كان هناك صبية يعدون الشاي، ومقاتلون الكثيرون منهم من الأجانب، كان أغلب خطبهم عن شياطين الجيش الباكستاني.

وقال خير: حاولوا إقناعي بالقيام بعملية انتحارية وقالوا لي «كن مستعدا»، لكني لم أتمكن من القيام بذلك. وكنت عندما أقول ما يغضبهم كانوا يجلدونني.

بيد أن أحد مقاتلي طالبان أنكر في مقابلة أجريت عبر الهاتف، في المنطقة الحدودية شمال وزيرستان اختطاف المقاتلين للأطفال أو إجبارهم على تنفيذ هجمات انتحارية، «فهم يأتون إلى هنا برغبتهم ليضحوا بأرواحهم».

ويقول مسؤولو الجيش في باكستان إنهم يتشككون بشأن ذلك. فقال الجنرال عامر نجام، قائد كتيبة سوات «بعد النجاح في اعتقال بعض الأطفال خلال العملية العسكرية في سوات الصيف الماضي طلبنا من بيراتشا تقييم البعض منهم، وهو ما دفعنا إلى إنشاء هذه المدرسة الإصلاحية التي تتسع لتضم أطفالا مقاتلين من جنوب وزيرستان حيث وقعت العلميات العسكرية».

وقالت بيراتشا إنها ترغب في تطبيق البرنامج إلى السجون الباكستانية. لكن مهمتها تقتصر حتى الآن على محاولة صياغة نوع من المستقبل بالنسبة لهؤلاء المقاتلين الذين تتولى مسؤوليتهم.

لا يكون الأطفال بنفس مستوى السهولة التي تجدها لدى البعض منهم. فالكثير من هؤلاء الأولاد يقدمون معلومات مقتضبة وموجزة عن حياتهم. فعلى سبيل المثال لماذا قام المقاتلون باختطاف خير وحده دون رفاقه في المدرسة، ما اعتبرته بيراتشا أمرا يصعب تصديقه. وقال إنه هرب بعد أن أخذه مختطفوه، الذين قتلهم الجنود عبر الطريق، إلى طريق لتحريره.

تقول بيراتشا بعد أن أمرته بالانصراف إلى مخدعه وأمرته بكتابة ما عاناه: «إنه لا يقول الحقيقة وأعتقد أنه متورط بأكثر مما يقول»، ثم وصفته بأنه «بالغ الخطورة»، وطلبت من أحد الأطباء النفسيين المعاونين الانتظار أسبوعا قبل أن يعيد سؤاله مرة أخرى.

* ساهم حق نواز خاص، في إعداد هذا التقرير

* خدمة واشنطن بوست خاص بـ «الشرق الأوسط»