الرئيس الفرنسي في واشنطن بحثا عن دفعة سياسية وإطلالة دولية

تكاثر المرشحين لخلافة ساركوزي يمينا ويسارا بعد خسارة الانتخابات الإقليمية

ساركوزي وزوجته كارلا بروني أثناء وصولهما إلى جامعة كولومبيا في نيويورك لإلقاء كلمة أمام «منتدى قادة العالم» أمس (رويترز)
TT

تتزايد الهموم أمام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، فمنذ 21 مارس (آذار) الحالي، يوم الهزيمة الانتخابية القاسية في وجه اليسار والاشتراكيين، تتلبد الغيوم في سماء الإليزيه، حيث يبدو أن قاطنه فقد «المفتاح السحري» الذي كان يمسك به الحياة السياسية الفرنسية. فيوما، يطلق رئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان حزبا سياسيا لا شك أن غرضه دفع مؤسسه إلى المعترك الرئاسي في عام 2012. ويوما آخر، يعلن رئيس حكومة سابق (ألان جوبيه) استعداده لخوض المنافسة داخل حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم للفوز بترشيحه للانتخابات الرئاسية إذا امتنع ساركوزي عن خوضها. ثم تجيء استطلاعات الرأي التي تفيد كلها أن ساركوزي يفقد شعبيته لدى الفرنسيين، بل إنه نزل إلى أدنى مستوى منذ نحو ثلاث سنوات، بينما تقول هذه الاستطلاعات إن أمينة عام الحزب الاشتراكي مارتين أوبري يمكن أن تهزمه في انتخابات الرئاسة المقررة عام 2012 إذا حدثت الآن. وقالت استطلاعات أخرى إن رئيس الحكومة فرنسوا فيون أكثر شعبية من ساركوزي وإن أكثرية الفرنسيين تفضله مرشحا لليمين. وسرت في أوساط السياسيين والصحافيين أخبار عن «سوء تفاهم» بين ساركوزي وفيون زادت حدتها بسبب إلغاء الأخير مشاركته في برنامج تلفزيوني بناء على طلب الإليزيه كما قيل. وإذا كان المثل يقول: «اللهم احمني من أصدقائي أما أعدائي فأتكفل بهم»، فإن الأيام الأخيرة أظهرت أن رؤوسا أخذت ترتفع في صفوف الحزب الرئاسي لتطالب بخريطة طريق اقتصادية واجتماعية جديدة تعيد الناخبين اليمينيين إلى أحضان اليمين وتبعد عن النواب والأكثرية الحالية شبح الهزيمة في الاستحقاقات القادمة. وطالب آخرون بوضع حد للإصلاحات التي تقوم بها الحكومة ولتأجيل نظام الرعاية الاجتماعية والتقاعد الذي تحضر له حكومة فرنسوا فيون. كل ذلك أظهر بوضوح أن سطوة ساركوزي قد تهافتت وأنه ربما «فقد» قيادة اليمين الذي كان سابقا طوع بنانه. وجاءت هذه التطورات بعد شائعات تناولت حياة ساركوزي الخاصة وعلاقته مع زوجته.

إزاء هذا الوضع المتردي، طبق ساركوزي خطة من شقين: الأول داخلي والآخر خارجي. ففي الداخل، استخدم ساركوزي فيون ليؤكد عدم إحداث تغيير في خطة الحكم. وذهب فيون أبعد من ذلك ليعلن «ولاءه» المطلق لساركوزي وليؤكد أن ما يقال عن خلافات مع الرئيس «نسج خيال». أما أمين عام الحزب الرئاسي كزافيه برتراند، فقد عجل في قطع الطريق على من يريد أن ينافس ساركوزي بالقول إن آلية الترشيح تمر عبر الحزب وعبر المنتسبين إليه في عملية انتخاب داخلية.

غير أن الرئيس الفرنسي كان بحاجة إلى «نفس» جديد أو إطلالة جديدة «خارجية» تعيد إليه بعض التألق. وهل ثمة صور أقوى أثرا من تلك التي ستأتي مساء اليوم من البيت الأبيض حيث الزوجان الرئاسيان، يدا بيد في الشقة الخاصة للرئيس الأميركي خصوصا أنها «المرة الأولى» التي يدعو فيها الرئيس باراك وزوجته ميشيل ضيوفا رسميين إلى شقتهما الخاصة سعيا للتدليل على العلاقة «المميزة» التي تربط ساركوزي وأوباما؟! ويريد الرئيسان عبر الزيارة تكذيب كل ما قيل عن «الفتور» القائم بينهما واختلاف طباعهما وأسلوبهما في العمل. وفي أي حال، استبق ساركوزي وكارلا المواعيد الرسمية في واشنطن وقبلها في نيويورك لتمضية نهاية أسبوع خاصة زارا خلالها المدينة ومحلاتها ومطاعمها ووفرا فرصة ثمينة للمصورين ليضعا حدا للشائعات المسيئة التي تناولتهما بإظهار لحمتهما.

غير أن أساس الزيارة يبقى السياسة. وبين باريس وواشنطن تقارب بشأن ملفات، واختلاف بشأن ملفات أخرى. فالخلافات تتناول بالدرجة الأولى رفض باريس حتى الآن الاستجابة للطلب الأميركي بإرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان والاكتفاء بزيادة عدد المدربين للعمل إلى جانب الجيش وقوات الأمن الأفغانية. كما تتناول «تشكيك» باريس في الخطط الأميركية بخفض الترسانة النووية ورفض فرنسا التخلي عن ترسانتها الخاصة. وحتى وقت قريب، كانت باريس تنتقد واشنطن بسبب «تهاونها» في الملف النووي الإيراني ورغبة فرنسا في الإسراع بفرض عقوبات اقتصادية ومالية على طهران. لكن مواقفهما تقاربت في الفترة الأخيرة إثر رفض طهران الاستجابة لليد الأميركية الممدودة. ومؤخرا أظهرت باريس تذمرها من استبعاد شركة الصناعات الجوية والفضائية الأوروبية (EADS) من المنافسة الخاصة بتزويد الجيش الأميركي بـ 179 طائرة تزود بالوقود بعد أن كانت الشركة الأوروبية فازت سابقا بالصفقة. وبالطبع ستكون الزيارة فرصة للتداول فيما آلت إليه الوساطة الأميركية في الملف الشرق أوسطي. وتقول الأوساط الفرنسية إن ساركوزي سيحث الرئيس أوباما على مزيد من الجهد للحصول على نتيجة إيجابية في المفاوضات ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين.