إندونيسيون يسعون للاقتداء بالصين في وقوفها ضد أميركا

الإنجازات الاقتصادية الصينية أنستهم مؤقتا خلافاتهم التاريخية مع بكين

TT

وسط صيحات التكبير، انضم رئيس الأركان السابق للجيش الإندونيسي إلى نشطاء إسلاميين داخل قاعة في جاكرتا الأسبوع الماضي لإدانة الولايات المتحدة، مع الثناء على الصين كنموذج للوقوف في وجه واشنطن. وقال الجنرال المتقاعد تياسنو سودارتو: «يجب أن نحتذي بما فعلته الصين، ويجب على أميركا اتباع قواعدنا». وعلت صيحات التكبير من حناجر نساء محجبات ورجال ملتحين جلسوا في أمكان منفصلة لتجنب الاختلاط بين النساء والرجال، وقاموا برفع قبضات أيديهم عاليا. وأثنى متحدث آخر على الصين لتحديها النهج الاقتصادي «الليبرالي الجديد» الذي تتبعه واشنطن.

وأشرف على تنظيم هذه الفعالية الصاخبة تنظيم حزب التحرير الإسلامي، وجمع العمل بين فئتين من الإندونيسيين لا يجتمعون معا في المعتاد، إذ جمع بين مؤيدي الدولة الإسلامية وقوميين علمانيين متعصبين. وما وحدهم هو الغضب من واشنطن وأمل في أن تحد بكين من نفوذها.

ويظهر ثناؤهم على الصين، التي يحكمها حزب شيوعي ملحد، تحولا غريبا في طريقة تفكير الإسلاميين والقوميين المتعصبين الذين ينظرون إلى بكين تقليديا، وإلى بعضهم بعضا، بعين الشق. وتظهر طريقة التفكير الجديدة كيف تتنافس القوة الدبلوماسية والاقتصادية المتنامية لبكين مع التحالفات والافتراضات القديمة.

يشار إلى أنه منذ ما يزيد على أربعة عقود، ومنذ أن قامت بكين بتسليح وتمويل شيوعيين إندونيسيين يتآمرون للاستيلاء على السلطة عام 1965، ينظر كثيرون هنا إلى الصين على أنها مصدر تهديد. وعززت من المخاوف المرتبطة بالصين شكوك واسعة، وشعور بالغيرة، من الأقلية الصينية القوية اقتصاديا داخل إندونيسيا. وفي عام 1998، تحولت احتجاجات تدعو للديمقراطية وأطاحت بسوهارتو إلى مذبحة ضد الصينيين. وكان غير مشروع داخل إندونيسيا عرض الكتابة الصينية، وحظرت رقصات الأسد بمناسبة العام الصيني الجديد.

ولا يمكن القول إن هذا الخوف من الصين قد تلاشى، لكنه يتوازى حاليا مع إعجاب بالإنجازات الاقتصادية التي حققتها الصين ودورها في تغير توازن القوى في الشؤون الدولية لصالح القارة الآسيوية. ويقول جوونو سودارسونو، وهو وزير دفاع سابق وأستاذ العلاقة الدولية داخل جامعة إندونيسيا: «لا تزال الشكوك المرتبطة بالصين قائمة، ولكن يقابلها حاليا إعجاب بالنجاحات التي حققتها الصين».

ولا يمثل المتحدثون المتحمسون المعادون للولايات المتحدة داخل صالة بجاكرتا الاتجاه السائد هنا، ولكن ترتبط نظرتهم للصين بتغير أوسع في المواقف. وحظيت الصين بإعجاب من يشعرون بالضيق من قواعد السوق الحرة التابعة لما يعرف باسم «إجماع واشنطن» التي يرى الكثير من الإندونيسيين أنها سبب في أزمة اقتصادية شديدة حدثت في نهاية التسعينات. وثمة نفور شديد داخل إندونيسيا من صندوق النقد الدولي، الذي يتخذ من واشنطن مقرا له. وعادة ما يعبر إسلاميون وقوميون يمينيون ونشطاء في اليسار عن رفضهم لصندوق النقد الدولي.

ويجري النظر إلى السياسة المنافسة، التي يطلق عليها «إجماع بكين» وتضع الدولة في قلب التنمية الاقتصادية، باعتبارها بديلا واعدا «حتى في أوساط بعض الإندونيسيين المتعلمين»، حسبما قال سودارسونو. إلا أنه أضاف أن الكثيرين يدركون «أنه من الصعب للغاية محاكاة الحزب الشيوعي الصيني» داخل إندونيسيا، التي قضت العقد الأخير في بناء ديمقراطية نشطة على أطلال النظام الدكتاتوري لسوهارتو.

في الوقت الذي تتمتع الصين بجاذبية عاطفية كبديل للقوة الأميركية والاقتصاديات «الليبرالية الجديدة»، فإنها واجهت صعوبة في الفوز بتأييد الأشخاص الذين يساورهم اهتمام أكبر بالواقع عن الآيديولوجيات. على سبيل المثال، يشكو رجال الصناعة والمزارعون الإندونيسيون، الذين يشعرون بالقلق حيال إمكانية ارتفاع الواردات الصينية بصورة بالغة، من اتفاق تجارة حرة جديد ينص على إقامة منطقة تجارة حرة ضخمة تتألف من الصين وإندونيسيا والدول الأعضاء الأخرى في «اتحاد دول جنوب شرقي آسيا»، المعروف اختصارا باسم «آسيان». ويرغبون في إعادة التفاوض حول الاتفاق، المعروف باسم «كافتا»، الذي أصبح ساريا في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي.

خلال خطبة أدلت بها مؤخرا أمام غرفة التجارة والصناعة الإندونيسية، أعربت زهانغ كييو، السفيرة الصينية لدى إندونيسيا، عن خيبة أملها حيال ما قالت إنه حديث يثير القلق بشأن أن «التنين الصيني قادم. بينما تتراجع إندونيسيا إلى الوراء».

من جهتها، عملت واشنطن على تعزيز روابطها الوثيقة بالفعل مع قيادة جاكرتا، وتحسين سمعتها على المستوى الشعبي العام، التي كانت قد تراجعت أثناء فترة إدارة الرئيس السابق جورج بوش. إلا أن هذه الجهود لم تلق مساعدة من جانب قرار الرئيس باراك أوباما لمرتين بإرجاء زيارته إلى جاكرتا، حيث عاش لأربع سنوات عندما كان صغيرا. بيد أنه على خلاف الحال مع سلفه، يحظى أوباما بشعبية هائلة في أوساط الإندونيسيين.

في الوقت الذي شددت الصين على الجانب الاقتصادي في علاقاتها بجاكرتا، ركز أوباما على الجوانب الإيجابية لإندونيسيا كنظام ديمقراطي، وهي أكبر نظام ديمقراطي بعد الهند والولايات المتحدة. ورغم أن واشنطن لا تعلن عن ذلك علانية، فإن إندونيسيا والنظامين الديمقراطيين الآسيويين الآخرين بالغي الضخامة، الهند واليابان، ينظر إليهم المسؤولون الأميركيون باعتبارهم حائط صد في مواجهة النفوذ المتنامي للصين الاستبدادية.

في المقابل، تصر إندونيسيا، التي تتوخى الحذر حيال إثارة غضب الصين، على أنها لن تتخذ صفا معينا ضد صف آخر وستتبع سياسة خارجية تقوم على مبدأ «مليون صديق ولا أعداء»، حسبما أوضح الرئيس سوسيلو بامبانغ يودهويونو.

في غضون ساعات قلائل من إعلان البيت الأبيض إرجاء أوباما زيارته إلى جاكرتا التي كان مقررا قيامه بها في مارس (آذار) الحالي حتى يونيو (حزيران) على الأقل، عقد مارتي ناتاليغاوا، وزير الخارجية الإندونيسي، مؤتمرا صحافيا، أعلن خلاله أن حكومته لا تكن أي مشاعر سلبية تجاه واشنطن بسبب القرار. وأضاف أن جاكرتا، على أي حال، منهمكة للغاية في الاستعداد لاستقبال شخصية مهمة أخرى، رئيس الوزراء الصيني. وقال: «تربطنا علاقات طيبة للغاية مع الصين والولايات المتحدة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»