الفساد الأفغاني: أين تذهب الأموال الأميركية؟

الطعام والمياه والوقود والأسلحة والذخيرة يتم استيرادها من الخارج عبر باكستان أو آسيا الوسطى بواسطة شبكة من المتعهدين

TT

حصل حامد وراداك ابن رئيس الوزراء الأفغاني وخريج جامعة «جورجتاون» خفيض الصوت، على عقد مع وزارة الدفاع الأميركية تبلغ قيمته 360 مليون دولار لنقل البضائع العسكرية الأميركية عبر بعض المناطق غير الآمنة في أفغانستان.

وعلى الرغم من أنه ليست لديه الشاحنات اللازمة لتلك العملية، فإنه يعمل على قمة هرم أفغاني من المتعهدين الفرعيين، الذين يوفرون له الشاحنات ويعملون على حراسة الطريق. ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم راضون عن النتائج، ولكنهم يقرون، في الوقت نفسه، بأنهم لا يعرفون وليست لديهم سيطرة على مآل تلك الأموال.

فوفقا لبعض المسؤولين البارزين بالإدارة الأميركية، ربما يذهب جزء من تلك الأموال إلى حركة طالبان في إطار اتفاقية يتم بمقتضاها دفع المال للمتمردين والزعماء المحليين مقابل السماح بمرور الشاحنات دون اعتراض طريقها؛ حيث يرسلون عرباتهم، في معظم الأحوال، لمرافقة تلك المواكب عبر المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

ولكن السؤال المهم، كما يقول أحد التنفيذيين الأميركيين الذي تقدم شركته أعمالا ضخمة في أفغانستان هو: هل تفضل أن تدفع ألف دولار أميركي للأفغان لكي تصل الشاحنة بسلام، حتى وإن كان جزء من ذلك المال سوف يذهب للمتمردين، أم أن تدفع عشرة أضعاف ذلك المال في مقابل الحماية الأمنية التي يوفرها الجيش الأميركي أو المتعهدون؟.

ومن جهته، قام الرئيس أوباما بزيارة مفاجئة للبلاد يوم الأحد لحث الرئيس حامد كرزاي على تعزيز جهوده للتخلص من الفساد المستشري في البلاد. وكان الكونغرس يؤكد دائما على أن المساعدات الأميركية تعتمد على التقدم الذي سوف يتم إحرازه.

ومن جهته، قال أحد المسؤولين بالإدارة الأميركية، إن الاحتمال بتدفق الأموال الأميركية للعدو والمسؤولين هناك - وهي الاتهامات التي أكد وارداك أنها تنطبق علي متعهدي النقل الآخرين ولكنها لا تنطبق على شركته - هو أحد أهم الأشياء التي سلط عليها الضوء عليها خلال مراجعة الاستراتيجية التي قام بها البيت الأبيض في الخريف الماضي.

ووفقا لجون بروميت، رئيس التدقيق بمكتب المفتش الخاص الذي فوضه الكونغرس لمتابعة عملية إعادة إعمار أفغانستان، فإن تلك المشكلة تتجاوز نقل الإمدادات العسكرية إلى الأمن الذي توفره أفغانستان لمشروعات إعادة الإعمار وغيرها من المشروعات التي تمولها الولايات المتحدة.

ويضيف بروميت: «إذا ما ذهبت إلى السفارة الأميركية أو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أو إلى فيلق المهندسين التابع للجيش وسألتهم إذا ما كانوا يستطيعون الجزم بأن أموالهم لا تذهب لحركة طالبان فسيكون من الصعب عليهم الجواب».

ووفقا لبروميت، فإن المتعهدين الأساسيين مثل شركة «إن سي إل القابضة» التابعة لوراداك «يقولون إن المتعهدين الفرعيين هم من يتولون توفير الأمن»، ولكن المسؤولين الأميركيين «ليس لديهم رؤية واضحة بشأن من الذي يوفر الأمن بالفعل». ووفقا لكبير المحققين في مكتب المفتش الخاص الذي فوضه الكونغرس لمتابعة إعادة الإعمار، راي دنوينزو، فإن الحكومة الأميركية ليست لديها قاعدة بيانات تقدم معلومات موثوقا بها بشأن المتعهدين الفرعيين. ولم تنف قيادة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان ذلك. فعلى الرغم من وجود مراقبة «حذرة» للمتعهدين الأساسيين، وفقا لما قالته القيادة في تصريح رسمي، فإن «العلاقة بين المتعهدين والمتعهدين الفرعيين والعلاقة بين المتعهدين الفرعيين وغيرهم في الأوساط العملياتية الخاصة بهم ليست واضحة تماما».

وقد أثار كل من روبرت غيتس وزير الدفاع، وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، تلك القضية خلال إحدى جلسات الكونغرس موضحين استراتيجية أوباما الجديدة. حيث قالت كلينتون إن تدفق أموال التعهيد من المجتمع الدولي يعد المصدر الأساسي لتمويل حركة طالبان. وأضافت: «بصراحة الفساد ليس هو مشكلة أفغانستان الوحيدة».

وعلى الرغم من أن تأمين الشاحنات التي تحمل الإمدادات العسكرية الأميركية إلى جميع أنحاء أفغانستان يعد مصدرا دائما للابتزاز، فإن الإدارة لم تحقق في ذلك أو حتى تعمل على تقدير حجمه، وفقا لعدد من المسؤولين المطلعين على السياسة الأفغانية، الذين لم يكن أي منهم مخولا بمناقشة الموضوع مع الصحافة.

وقد وصف المحققون بالكونغرس، الذين يحققون في عقد «هوست نيشن تراكينغ» الذي أبرمته وزارة الدفاع بقيمة 2.16 مليار دولار أميركي، وهو ما وصفه أحدهم بأنه «عمى إرادي» من جانب الجيش الأميركي نظرا لأنه يرغب في أن تصل شاحناته ولا يرغب في معرفة كيف وصلت إلى هناك.

ومعظم الأشياء التي تستخدمها القوات الأميركية في أفغانستان من الطعام، والمياه إلى الوقود والأسلحة والذخيرة يتم استيرادها من الخارج عبر باكستان أو آسيا الوسطى.

ويقول المسؤولون بالجيش الأميركي إنهم يدركون تماما أن الجيش الأفغاني الذي يسيطر على المدن الحدودية متورط في عمليات التهريب وتمرير أموال التعهيد والبضائع. كما يقوم الأفغان بتسهيل مرور الإمدادات وتقديم المعلومات الاستخبارية. وعلى الرغم من أن تلك الممارسات المخالفة للقانون ما زالت مرفوضة، فإنه ينظر إليها باعتبارها ثمن إنجاز تلك الأعمال.

وبعد ما تصل الإمدادات الأميركية إلى أفغانستان، تذهب معظمها إلى نقاط التوزيع المركزية مثل مركز القيادة في باغرام، وشمال كابل، ثم تنقل في مواكب أخرى من السيارات لتوزيعها على مئات المنشآت والقواعد العسكرية في جميع أنحاء البلاد.

وتنفذ 90% من عمليات النقل الداخلي ثماني شركات في إطار عقد «إتش إن تي» مع وزارة الدفاع، بما في ذلك شركة «إن سي إل القابضة»، وشركتان أفغانيتان، وثلاث شركات من منطقة الخليج العربي، وشركتان برؤوس أموال أميركية. وتعمل معظم تلك الشركات على تسهيل الخدمات وتنظيم العقود الفرعية المحلية التي توفر العربات والأمن.

من جهته، قال غيتس إنه يرغب في تقليل عدد المتعهدين في أفغانستان ولكن الجنرال ستانلي ماكريستال قائد القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي، أثنى على صفقات الإمدادات نظرا للمشاركة الأفغانية بها. فقد قال في خطابه في ديسمبر (كانون الأول): «إنهم يساندون العمليات. وذلك يفيد الاقتصاد الأفغاني. وهو ما سوف يعمل، في الكثير من الحالات، على تطوير عمليات مختلفة سوف تفيدهم في المستقبل».

ومن جهة أخرى، فتح النائب جون تيرني، الديمقراطي عن ماساتشوستس، ورئيس اللجنة الفرعية للأمن القومي في لجنة مجلس النواب للرقابة والإصلاح الحكومي تحقيقا خلال الشهر الحالي فيما قال إنها «مزاعم خطيرة»، بشأن المزاعم الخاصة بأن الشركات الأمنية التي توفر الأمن لعقود النقل الأميركي في أفغانستان تدفع على نحو دائم المال لحركة طالبان والزعماء المحليين لتوفير الأمن.

وأضاف تيرني أن الكثير من تلك المزاعم أثيرت في البداية في تقرير نوفمبر (تشرين الثاني) الذي نشرته مجلة «نيشن» والذي وصف النظام الثابت لدفع الأموال في مقابل الحماية والعلاقة الوثيقة التي تربط المتعهدين الأفغان والمسؤولين البارزين بالحكومة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»