التكتم والمفاجأة يكتنفان أول زيارة للرئيس الأميركي لكابل

انشغال أوباما بالتطورات الأفغانية ينسيه تنظيف بدلته

مواطن أفغاني يقرأ صحيفة « ماندغار « بالبشتو وتعني « الدائم» وفيها صورة الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارته المفاجئة إلى أفغانستان بجانب الرئيس كرزاي أول من أمس (أ.ب)
TT

أي زيارة يقوم بها رئيس أميركي لا بد أنها تتطلب تخطيطا دقيقا.. لكن انتقاله في جو من التكتم إلى أفغانستان، البلد الذي يخوض حربا ضد التشدد الإسلامي منذ ثمانية أعوام، يمثل حالة خاصة. تحت جنح الظلام، قام الرئيس الأميركي باراك أوباما، أول من أمس، بأول زيارة لكابل منذ توليه منصبه قبل 15 شهرا تقريبا ليطأ أخيرا الدولة، التي يحتمل أن تحدد معالم رئاسته ولو على ساحة السياسة الخارجية على الأقل. ولأسباب أمنية، أحيطت الزيارة بالتكتم الشديد. ووصل أوباما ليلا وغادر قبل أن تبزغ الشمس. وحظر على الصحافيين إبلاغ أي شخص عن وجهتهم مساء السبت وهم في الطريق لقاعدة أندروز الجوية، حيث توجد طائرة الرئاسة. وعند الوصول إلى القاعدة نقلت أطقم وسائل الإعلام بحافلات إلى حظيرة الطائرات، حيث تنتظر طائرة الرئيس «أير فورس وان». وعادة ما تقف الطائرة خارج الحظيرة انتظارا لوصول الرئيس، ولكنها في تلك الليلة لم تبرح مكانها وخرجت في الظلام بعدما استقلها أوباما تجنبا لإدراك أي عسكريين في القاعدة لحقيقة إقلاع الطائرة.

بل إن أوباما نفسه دخل قاعدة أندروز في جو من التكتم. فبعد مغادرته البيت الأبيض يوم الجمعة تحت غطاء تمضية عطلة نهاية الأسبوع في كامب ديفيد، المنتجع الرئاسي، حملته طائرة هليكوبتر إلى قاعدة أندروز مساء أول من أمس ليقوم بزيارته. وغادر أوباما كابل صباحا بعد زيارة قصيرة مفاجئة تعهد خلالها بالانتصار على طالبان واغتنم زيارته الأولى كرئيس إلى أفغانستان لمطالبة نظيره الأفغاني كرزاي ببذل المزيد في مكافحة الفساد. وقال أوباما أمام الجنود الأميركيين في قاعدة «باغرام» قرب كابل، حيث حطت طائرته قبل ساعات في سرية تامة: «مع شركائنا سننتصر وأنا واثق تماما بذلك». وحذر الرئيس الأميركي من أنه إذا «استعاد طالبان هذا البلد وبات تنظيم القاعدة قادرا على التحرك من دون عقاب، فسيكون مزيد من الأميركيين عرضة للموت»، وأضاف وسط تصفيق حار: «ما دمت أنا قائدكم الأعلى فسأحول دون ذلك». وقال الرئيس الأميركي مخاطبا الأفغان إن جيشه: «هنا لمساعدتكم على صنع سلام ثمين»، مضيفا: «نريد بناء علاقة دائمة تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل». وكانت زيارة الرئيس الديمقراطي لكابل متوقعة منذ فترة منذ تولية الرئاسة في يناير (كانون الثاني) 2009. وقال البيت الأبيض إن الأحوال الجوية وأسبابا لوجيستية حالت دون القيام بالرحلة من قبل. وقبل أسبوع واحد فقط، سنحت الفرصة. ألغى أوباما زيارته لإندونيسيا وأستراليا كي يبقى في واشنطن أثناء تصويت مجلس النواب على خطة إصلاح الرعاية الصحية، وهي من أولويات سياسته الداخلية، التي أقرت في نهاية المطاف. فأتاح ذلك وقتا بل ومساحة سياسية لزيارة البلد، الذي سيستضيف في نهاية العام نحو 100 ألف جندي أميركي يصله معظمهم أثناء ولاية أوباما. ومرت الرحلة الجوية إلى أفغانستان، التي استغرقت أكثر من 12 ساعة، سريعا. نام معظم المشاركين فيها في الجزء الأول منها. التقى مسؤولون عن الأمن القومي بالبيت الأبيض بالصحافيين في قاعة اجتماعات لاطلاعهم على الأمر. وتعد زيارات المسؤولين رفيعي المستوى إلى ساحات الحرب، إذا كانت في أفغانستان أو العراق، دائما تكون سرية وخاطفة. ورحلة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى أفغانستان، أول من أمس، لم تكن مختلفة، إذ استمرت زيارته التي لم يتم الإعلان عنها مسبقا 6 ساعات فقط، تمت تحت غطاء الليل، ليعود صباح أمس إلى واشنطن.

وبينما حلل الإعلاميون والمراقبون رسالة أوباما إلى الرئيس الأفغاني حميد كرزاي خلال لقائهما الذي استمر نحو ساعتين، بين لقاء على انفراد ومن ثم مع مستشاريهما، كان هناك بعض الصحافيين يتساءلون عن الصور التي جمعتهما. فالرئيس أوباما المعروف بأناقته، بدا في صوره مع نظيره الأفغاني وبدلته الغامقة ملطخة بالغبار. وكغيره من المسؤولين رفيعي المستوى الذين يزورون كابل، ركب أوباما طائرة مروحية عسكرية للوصول إلى القصر الرئاسي الأفغاني، التي كانت مغبرة على غير العادة. وأكدت مصادر أميركية أن أوباما لم يتعرض إلى سقوط أو أي حادثة أخرى أدت إلى توسيخ بدلته، بل كانت نتيجة لركوبه للطائرة العسكرية. وكانت المروحية قد أججت الغبار الذي تطاير وسقط على ملابس أوباما ومرافقيه مع ركوبه الطائرة. وعلقت صحف أميركية عدة على سترة أوباما، منها صحيفة «نيويورك بوست» التابلويد التي قالت: «إذا كنت تريد أن تعرف التفاصيل غير النظيفة عن أوباما، لا تبحث كثيرا، إنها ظاهرة على سترته».

ومع انشغاله بالتطورات في أفغانستان، نسي أوباما تنظيف بدلته بعد وصوله إلى القصر الرئاسي الأفغاني والتقاط المصورين صوره. وبعد الانتهاء من لقاءاته مع المسؤولين الأفغان، توجه أوباما إلى قاعدة باغرام الأميركية العسكرية، حيث التقى جنودا أميركيين هناك. وظهر أوباما أمام عدسات الكاميرا بسترة جديدة ونظيفة، هذه المرة سترة جلدية عسكرية، تحمل شعار «إيه فورس وان» طائرة الرئيس الأميركي، وتحتها شعار الرئاسة الأميركية. ومع تغيير ملابسه، انتقل أوباما من التركيز على العلاقات مع أفغانستان إلى عمله كقائد عام للقوات المسلحة وللتأكيد على التزامه بالجيش الأميركي ردا على انتقادات له بعدم زيارة القوات الأميركية في أفغانستان منذ توليه الرئاسة.