انتحاريتان وراء تفجيرات موسكو.. ومقتل 38 وجرح العشرات

ميدفيديف يرفع درجة استعداد قواته الأمنية لمواجهة تحديات شمال القوقاز

مواطن روسي يحمل وردتين بالقرب من مدخل محطة قطارات لوبيانكا التي تعرضت إلى تفجير انتحاري نفذته سيدة في قلب موسكو أمس (رويترز)
TT

استيقظت موسكو، صباح أمس، على أصداء عمليتين إرهابيتين نفذتهما انتحاريتان في اثنتين من أهم وأكبر محطات مترو الأنفاق في قلب العاصمة الروسية. ووقع الانفجار الأول في محطة «لوبيانكا» القريبة من مقر المخابرات الروسية (كي جي بي سابقا) في تمام الساعة السابعة وخمسين دقيقة؛ أي في أوج ساعة الذروة الصباحية. وكشف فلاديمير ماركين، ممثل لجنة التحقيقات التابعة للنيابة العامة الروسية، أن انتحارية نفذت هذه العملية لحظة توقف القطار وفتح أبواب عربته الثالثة، مما أسفر عن مصرع 14 من الموجودين داخل العربة وتسعة ممن كانوا يقفون على الرصيف استعدادا لاستقلال تلك العربة. أما الانفجار الثاني، فقد وقع في محطة «بارك كولتوري»، وهى إحدى كبريات مترو موسكو، بعد 40 دقيقة من موعد الانفجار الأول، وراح ضحيته 16 وأصيب عشرات آخرون. وذكرت المصادر أن عدد المصابين يزيد على السبعين، نصفهم في حالة حرجة. وكان الرئيس دميتري ميدفيديف قد سارع إلى عقد اجتماع عاجل مع مسؤولي الداخلية والأمن والمخابرات وجهاز الطوارئ استمع خلاله إلى تقاريرهم ورؤاهم تجاه هاتين العمليتين. وقال ألكسندر بورتنيكوف، رئيس جهاز المخابرات، إن العمليتين من تنفيذ انتحاريتين تنتميان إلى مجموعات إرهابية من منطقة شمال القوقاز. وقال إن فرضية مسؤولية منظمات إرهابية من القوقاز هي الفرضية الرئيسية لما جرى. وأشار إلى أن العبوة الناسفة التي كانت تتمنطق بها الانتحارية الأولى في محطة «لوبيانكا» كانت تزن ما يقرب من 4 كيلوغرامات فيما كانت العبوة الناسفة الثانية تبلغ ما يقرب من كيلو ونصف - 2 كيلوغرام. واتخذت السلطات الروسية قرار رفع درجة أمن قواتها من أجل سرعة تحديد دائرة الشخصيات والمنظمات، التي تنتمي إليها الانتحاريتان. وكشفت المصادر الأمنية عن أن الأجهزة المختصة تجدّ في البحث عن امرأتين رصدتهما الكاميرات المثبتة عند المحطتين والتي كانت تتبعت الانتحاريتين حتى مدخلهما. وبهذا الصدد، طالب ميدفيديف بتشديد الحراسة داخل وسائل النقل والمواصلات، مؤكدا أن موسكو عازمة على مواصلة مواجهة تحديات الإرهاب ولن تتراجع عن ملاحقته أينما كان. وتقول مصادر الكرملين إن الرئيس الروسي تلقى عددا من المكالمات الهاتفية والبرقيات التي تعرب عن أسفها لوقوع مثل هذه الأحداث وتقدم تعازيها للرئيس وأسر الضحايا. ويعتبر هذان الحادثان أول التفجيرات التي تشهدها موسكو منذ سلسلة الأعمال الإرهابية التي هزَت العاصمة حتى عام 2004 واستهدفت المدنيين من ركاب مترو الأنفاق في عدد من محطاته. لكن ذلك لم يكن يعني انقطاع وقوع العمليات الإرهابية، التي استهدفت وسائل النقل والمواصلات، ومنها الحادث الإرهابي الذي استهدف قطار «نيفسكي – إكسبريس»، الذي كان في طريقه من موسكو إلى سان بطرسبورغ في أواخر نوفمبر (تشرين ثاني) من العام الماضي، والذي راح ضحيته 39 من ركابه فضلا عن الكثير من العمليات الإرهابية، التي استهدفت عددا من قيادات جمهوريات شمال القوقاز. وكان بطريرك موسكو وعموم روسيا، كيريل، قد أعرب عن إدانته وقوع مثل هذه الأعمال الإرهابية، فيما انتقد كل من يحاول استغلال مثل هذه الحوادث لتحقيق مكاسب آنية ومنهم سائقو سيارات التاكسي، الذين انتهزوا فرصة توقف مترو الأنفاق في وسط العاصمة لرفع تعريفة الركوب في وسط العاصمة بمقدار يزيد على عشرة أضعاف التعريفة العادية. وعزت المصادر الأمنية في أول تفسيراتها ورصدها لمبررات وقوع مثل هذه العمليات الانتحارية إلى الرغبة في الانتقام من تصفية الكثيرين من قيادات المجموعات الإرهابية في شمال القوقاز. وكانت «الشرق الأوسط» قد نشرت يوم السبت الماضي ما يفيد عدم دقة تصريحات ممثلي الأجهزة الأمنية الذين يبالغون في توقعاتهم حول تصفية أوكار الجريمة والإرهاب في منطقة شمال القوقاز والقضاء على قيادات الفصائل الإرهابية هناك. واستشهدت بما أشارت إليه مصادر الأجهزة الأمنية الروسية حول أن عدد الفارين من المقاتلين المسلحين من عناصر التشكيلات الإرهابية في مناطق القوقاز لا يزيد على خمسمائة مقاتل تتراوح أعمار معظمهم بين الخامسة والعشرين والثامنة والعشرين. وكان قائد قوات الأمن الفيدرالي الداخلي، الجنرال نيكولاي روجوشكين، قد كشف عن أن قادة تشكيلات الإرهابيين يدركون جيدا عدم وجود أية فرص لاستمرار وجودهم، حيث يقفون في مواجهة 23 ألفا من العسكريين المسلحين بمن فيهم ألف شيشاني تضمهم الكتيبتان 248 و249 التابعتان للقوات الفيدرالية. وقال إن هذه القوات استطاعت في العام الماضي تصفية ما يقرب من مائتين واعتقال 600 بتهمة الانتماء إلى تشكيلات إرهابية. وكشف عن عدد من الاتصالات الخارجية التي يستمد منها الإرهابيون الدعم المالي من دون تسمية منظمات أو بلدان بعينها. غير أن شبكة «نيوز رو» الإلكترونية كشفت أن الجنرال روجوشكين سبق أن أعلن في عام 2007 عن وجود ما يقرب من 700 مقاتل، بينما أشارت البيانات الرسمية إلى مصرع ما يزيد على 237 في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2009، إلى جانب مصرع 243 في عام 2008!! فيما جرت الإشارة، أيضا، إلى تصفية ما يزيد على 260 قاعدة سرية للمقاتلين في المنطقة الفيدرالية الجنوبية.

كما نقلت المصادر عن الجنرال أركادي يديليف، نائب وزير الداخلية الروسية السابق، عن وجود 46 مجموعة إرهابية تضم ما يقرب من 450 شخصا في الشيشان يتقلص عددهم يوما بعد يوم وإن أشار إلى احتمالات التحول في اتجاه زيادة هذا العدد في حال نجاحهم في الحصول على الدعم المالي من الخارج لتمويل نشاطهم الإرهابي. وكانت مصادر الداخلية الروسية كشفت عن تصفية إنزور استيميروف المعروف تحت اسم «سيف الله - القاضي الشرعي لإمارة القوقاز» في كمين نصبه رجال الأمن في مدينة نالتشيك عاصمة جمهورية قبرطية - بلقاريا. كما أشارت إلى مقتل أحد مساعديه فاليري أتيزوف في وقت سابق.

وطالب الرئيس الروسي رئيس جهاز مخابراته بضرورة التنسيق بين أجهزة المخابرات ومسؤولي وزارة الداخلية الروسية والهيئات الأمنية الأخرى بما في ذلك النيابة العامة وأجهزة التحقيق الفيدرالية. وكان الرئيس دميتري ميدفيديف قد اعترف أخيرا في حديثه إلى قيادات القنوات التلفزيونية المركزية في نهاية ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي بتنامي أخطار الإرهاب وتهديده الأمن القومي، وعزمه على تعيين مفوض باسم الرئيس لشؤون الأمن في القوقاز. واعترف ميدفيديف بأن تدهور الأوضاع المعيشية في المنطقة وعدم استقرار الأوضاع الاجتماعية وتفشي البطالة بنسب تقترب من خمسين في المائة في بعض جمهوريات القوقاز، تقف في صدارة أسباب تفشي ظاهرة الإرهاب هناك. وقد عاد الرئيس الروسي في اجتماع الأمس إلى التأكيد على أهمية تحسين الأوضاع المعيشية وتوفير فرص العمل للشباب في مختلف مناطق القوقاز والاهتمام بتوجيه المشاريع الاستثمارية وبناء مختلف مواقع الإنتاج في المنطقة. وتوجه ميدفيديف بتعليمات مماثلة إلى وزير داخليته رشيد نورغالييف، مؤكدا ضرورة إمداد الهيئات الأمنية بكل احتياجاتها المهنية والمعيشية. وكان الرئيس الروسي قد أقر تعيين مفوض باسم الرئيس لشؤون منطقة القوقاز، مما يعني عمليا عدم ارتياحه لسياسات القيادات المحلية ومعالجتها القضايا الأمنية. ويذكر المراقبون أن رمضان قادروف، رئيس الشيشان، سبق أن نجح في إقناع موسكو بإلغاء حالة الطوارئ في الشيشان وشمال القوقاز بحجة توفير الأجواء اللازمة لتشجيع الاستثمارات الأجنبية وهو ما أسفر لاحقا عن تصاعد العمليات الإرهابية، التي طالت الكثير من القيادات السياسية والأمنية ومنهم رئيس إنغوشيتيا يونس بك يفكوروف وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين ممن تعرضوا للكثير من محاولات اغتيالهم في الشيشان وداغستان وإنغوشيتيا، وهو الأمر الذي اضطر موسكو إلى إعادة فرض حالة الطوارئ في بعض مناطق القوقاز.