شكوك في رواية إيران عن تحرير أحد دبلوماسييها في بيشاور بعملية استخباراتية «معقدة»

خبير استخباراتي باكستاني لـ«الشرق الأوسط»: من المستحيل أن تنفذ طهران العملية من دون إذن إسلام آباد

TT

شككت مصادر دبلوماسية غربية ومسؤولون في تنظيم «جند الله» السني المسلح المناوئ للسلطات الإيرانية في صحة الرواية الإيرانية الرسمية التي قالت أمس إن عناصر استخباراتية وأمنية إيرانية قامت بتحرير حشمت الله عطار زاده الدبلوماسي الإيراني المختطف في بيشاور الباكستانية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 في عملية أمنية استخباراتية «معقدة» نفذتها عناصر إيرانية على الأراضي الباكستانية. وقال القنصل العام الإيراني في مدينة بيشاور أمس إنه تم الإفراج عن الدبلوماسي الإيراني المختطف في باكستان منذ 2008. وكان مسلحون مجهولون قد خطفوا حشمت الله عطار زاده الملحق التجاري بالقنصلية الإيرانية في بيشاور في 13 نوفمبر عام 2008.

وقال عباس علي عبد الله رئيس القنصلية الإيرانية في بيشاور: «أطلق سراحه... لا أعلم المكان الذي ظهر فيه لكن من المؤكد أنه وصل إلى إيران». وكان المسلحون قد نصبوا كمينا للدبلوماسي الإيراني وهو متوجه بسيارته من منزله إلى القنصلية وقتلوا بالرصاص شرطيا كان في حراسته. وحامت الشبهات حول طالبان وجماعات سنية متشددة مثل تنظيم القاعدة. لكن تنشط في المنطقة أيضا عصابات تستخدم أحيانا الدين ستارا يخفي أنشطتها الإجرامية. ووصفت إيران حادثة الخطف لدى حدوثها بأنها «عمل إرهابي». وتقع بيشاور على بعد 130 كيلومترا شمال غربي إسلام آباد وهي المدينة الأخيرة على الطريق إلى ممر خيبر وهو الطريق البري الرئيسي إلى أفغانستان. وأصبحت المدينة ملاذا للعملاء والمسلحين في الثمانينات عندما موّلت الولايات المتحدة سرا حربا لطرد القوات السوفياتية من أفغانستان. وخطف دبلوماسي أفغاني كبير من المدينة قبل خطف الدبلوماسي الإيراني بأسابيع ولا يزال مختفيا. وهوجم أيضا دبلوماسيون أميركيون في المدينة. وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الرواية التي قدمتها طهران حول ملابسات هذه العملية «تستهدف فقط الادعاء مجددا بقدرة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التابعة لها»، مشيرة إلى أن التعاون الأمني الباكستاني الإيراني المشترك أدى إلى إطلاق سراح زاده. ولم تستبعد المصادر حدوث صفقة جديدة بين إيران وباكستان على غرار ما حدث لدى اعتقال عبد الملك ريغي زعيم تنظيم «جند الله» الذي يسعى منذ سنوات لنيل حقوق السنة والقومية البلوشستية في إيران. وقال دبلوماسي في تنظيم جند الله لـ«الشرق الأوسط»: «إذا قبلت باكستان أن يقوم جهاز المخابرات الإيرانية بمثل هذه العملية على أراضيها فهذا عبث. أنه أمر مخالف للقواعد والقوانين الدولية وهو أمر غير مستساغ». وأضاف: «نعتقد أن الباكستانيين ساعدوا الإيرانيين في الإفراج عن هذا الدبلوماسي، لكن إسلام آباد التي تتحسب لرد فعلنا لا تريد ربط نفسها بما حدث».

وكان وزير الأمن الإيراني حيدر مصلحي قد أعلن أمس أيضا أن زاده عاد إلى البلاد بفضل جهود منتسبي وزارة الأمن الإيرانيين، مشيرا إلى أنه كان مختطفا من قِبل مجموعة مسلحة مدعومة من قِبل الموساد وأميرکا. وأعلن حيدر أن إيران طالبت باكستان باتخاذ إجراءات لإطلاق سراح الدبلوماسي الإيراني، معتبرا أنه «حتى أجهزة استخبارات هذه الدول غير قادرة على اتخاذ إجراء لمواجهة أجهزة استخبارات الاستكبار والموساد في المنطقة». وأضاف مصلحي أن «الاستخبارات الإيرانية وفي إطار تنفيذ مهامها، قامت باتخاذ الإجراءات للإفراج عن الدبلوماسي المختطف وتمکن منتسبو وزارة الأمن من إطلاق سراح زاده وإعادته إلى البلاد».

وتعهد حيدر بالكشف قريبا لوسائل الإعلام عن المزيد من التفاصيل بشأن ما وصفه بهذه «العملية المعقدة» في وقت مناسب. وقال إن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) وأميركية أصيبت «بالارتباك جراء عملية الإفراج عن الدبلوماسي الإيراني». وأكد أن إيران «تحظي بقوه استخباراتية عالية في المنطقة». وقال إن «هذه القوة ليست مفيدة ومؤثرة لإيران فحسب بل لكل دول المنطقة». ونصح وزير الأمن الإيراني، الأجهزة كافة الأمنية والاستخباراتية بالمنطقة بمراقبة تحركات الأجهزة الأمنية الأميركية والبريطانية بالمنطقة، وقال إن «وجود هذه الأجهزة لا يسهم في سوي زعزعة الأمن».

وأشار مصلحي وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) إلى وجود أجهزة استخبارات بعض الدول الغربية في المنطقة. ولفت إلى أن المجموعة التي اختطفت زاده في بيشاور، كانت مجموعة مسلحة وترتبط بأجهزة الاستخبارات أميركية والموساد وكان لديها مطالب شتي إلا أن إيران تمكنت - على حد قوله - وبقوه ودون تلبية أي من مطاليبها، ومن خلال عملية استخباراتية معقدة، من الإفراج عن زاده وأعادته إلى الوطن.

كما اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية رامين مهمان باراست أن الإفراج عن الدبلوماسي الإيراني «يمثل ذروة اقتدار إيران الأمني في المنطقة». وقال إن «الجهات المعنية في إيران قامت بنشاطات دبلوماسية كثيرة وعقدت لقاءات كثيفة وتمت متابعة موضوع اختطاف هذا الدبلوماسي الإيراني في اللقاءات التي أجراها الإيرانيون مع الحكومة الباكستانية إلا أنها للأسف لم تسفر عن نتيجة لذا أقدم وزير الأمن بنفسه وأفرج عنه». وزعم موقع «عصر إيران» المحسوب على السلطات الإيرانية أن جهاز الاستخبارات الباكستاني لم يتعاون في عملية الإفراج عن الدبلوماسي الإيراني وأن هذه العمليات المعقدة نُفذت من قِبل قوات الأمن الإيرانية داخل الأراضي الباكستانية.

ولفت إلى أن تنفيذ هذه العملية جاء من خلال امتلاك عدة أفلام عن تنقلات المجموعة التي قامت باختطاف الدبلوماسي الإيراني، مشيرا إلى أنه تم على مدى 7 أشهر مراقبة تحركات ووضع المجموعة الخاطفة قبل أن يتمكن فريق من وزارة الأمن الإيرانية من استغلال الفرصة المناسبة لإطلاق سراح زاده. وأوضح أنه خلال هذه العملية حدث أقل قدر ممكن من الاشتباك بحيث أصيب واحد أو اثنان من الخاطفين بجراح، فيما لم يُصَب أي من القوات المنفّذة للعمليات بأذى على حد تعبيره. وقال الموقع الذي أشار إلى أن السفير الأفغاني في باكستان محتجَز أيضا لدى المجموعة الخاطفة أن الهدف الرئيسي من اختطاف زاده هو الحصول على فدية مالية. في المقابل عبّر المتحدث باسم الخارجية الباكستانية عن ارتياحه للإفراج عن زاده، مؤكدا أن الحكومة الباكستانية تولي أهمية کبيرة لسلامة وامن الرعايا الإيرانيين في باكستان.

وفي ما بدا أنه بمثابة اعتراف ضمني بحدوث تعاون لإتمام هذه العملية، تجنب الناطق الباكستاني التطرق إلى دور الأجهزة الأمنية الباكستانية في إطلاق سراح عطار زاده، لكنه لفت مع ذلك إلى أن حكومة إسلام آباد تري نفسها ملزمة بالتعاون الأمني الشامل والمكثف مع إيران لأن أمن إيران وباكستان يرتبط بعضه ببعض. وفيما رفض وزيرا الخارجية والداخلية الباكستانيان إعطاء أي تصريحات حول العملية وما إذا كان بين طهران وإسلام آباد تنسيق، قال خبير استخباراتي باكستاني لـ«الشرق الأوسط» إنه من المستحيل أن تقوم الاستخبارات الإيرانية بالعملية دون إذن من المحكومة الباكستانية، وأوضح: «من المستحيل على عناصر الاستخبارات الإيرانية التحرك في بيشاور والقيام بتلك العملية دون ضوء أخضر من حكومة باكستان». فيما قال دبلوماسي حكومي باكستاني لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة الباكستانية ما زالت تتحرى التصريحات الإيرانية كي ترد عليها، رافضا إعطاء أي تفاصيل حول العملية. وأوضح الدبلوماسي الباكستاني أن اجتماعا عُقد بين وزير الداخلية الباكستاني ودبلوماسيين باكستانيين حول الموضوع، مشيرا إلى أنه لن يتم إعطاء تصريحات قبل انتهاء الاجتماع.

وعلى صعيد آخر، نفى تنظيم «جند الله» صحة الأخبار المنتشرة في بلوشستان حول هروب قائده عبد المالك ريغي المعتقل حاليا لدى السلطات الإيرانية. وقال في بيان تسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن «انتشار هذه الأخبار الكاذبة مؤامرة من قِبل نظام ولي الفقيه لامتصاص القلق والترقب لدى الشعب البلوشي من خلال نشر الأخبار الكاذبة».