أوباما يحول تركيز سياسته الخارجية من الشعوب.. إلى الزعماء

خبير استراتيجي أميركي: لأنه لم يكن يعرف أي أحد كان يعتمد على شيء آخر هو شعبيته

الرئيس الأميركي، باراك أوباما، يستعد لتوقيع اتفاق خاص بالتعليم والصحة في كلية بمدينة ألكسندريا التابعة لولاية فيرجينيا، أمس. ويقضي اتفاق «الرعاية الصحية وإصلاح التعليم لعام 2010» بتوسيع إعانات الرعاية الصحية إلى عائلات الطبقتين الوسطى والأقل من الوسطى (إ.ب.أ)
TT

سافر الرئيس الأميركي باراك أوباما نهاية الأسبوع الماضي ليوبخ نظيره الأفغاني المتقلب حميد كرزاي ويتحدث معه عن الحاجة إلى محاربة الفساد داخل الحكومة الأفغانية.

كان لقاء موجزا غير سارٍّ، نقل خلاله أوباما مخاوف من أن يقوض الفساد حكومة كرزاي في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تعزيزها. ولكن، يكشف اللقاء عن تحول طرأ على سياسة أوباما الخارجية، يتمثل في تركيز أكبر على اللقاءات وجها لوجه مع زعماء الدول الأخرى.

وتخلى الرئيس عن نهج السياسة الخارجية الذي كان يتبعه سلفه جورج دبليو بوش الذي كان يعتمد على الفرد وتحول إلى دبلوماسية أكثر شعبوية يسعى من خلالها إلى زيادة قبوله داخل الدول الأخرى لتعزيز المصالح الوطنية التي يسعى إليها مع زعماء هذه الدول. ويقول منتقده المحافظ إنه لا أصدقاء لديه في الخارج يمكنه الاستفادة منهم في ترويج المصالح الأميركية خارج البلاد.

ولكن، بعد مرور أربعة عشر شهرا على توليه مهام منصبه، يحول الرئيس الأميركي اهتمامه من الشعوب إلى رؤساء الدول، ويأمل في تكوين علاقات تساعده على جني ثمار جهوده في تحسين صورة الولايات المتحدة في الخارج. ويمثل التحول اعترافا بأنه يجب التقرب بصورة مباشرة من الأفراد الذين يضعون السياسات، علاوة على ناخبيهم.

ويقول عضو الكونغرس السابق لي هاميتلون (الديمقراطي من ولاية إنديانا الذي كان رئيسا للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب ويشغل حاليا رئيس مركز وودرو ويلسون الدولي للأكاديميين): «الرؤساء شخصيات سياسية، ويعتمد العمل السياسي على القدرة على تشكيل علاقات شخصية».

ويبدو واضحا التغير الذي طرأ على ما كان عليه الحال قبل عام، ففي الخطاب الذي ألقاه أوباما داخل القاهرة في يونيو (حزيران) الماضي، وصف الرئيس الأميركي المستوطنات الإسرائيلية في المناطق المحتلة بأنها «غير شرعية». وفي المقابل، اجتمع الأسبوع الماضي داخل البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمدة ساعتين، وحثه على تجميد بناء المستوطنات اليهودية. وقبل عام، كان أوباما في فرنسا وعقد ندوة أمام المئات من المواطنين المفعمين بالحماس. وفي المقابل، سيتناول مع السيدة الأولى ميشيل أوباما العشاء مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وعقيلته كارلا بروني ليلة الثلاثاء، وهو حفل العشاء الأول من نوعه مع رئيس دولة أخرى منذ تولي أوباما منصب الرئيس. وفي أبريل (نيسان) 2009، دعا أوباما إلى عالم خال من الأسلحة النووية أمام الآلاف من المواطنين التشيكيين الذين تجمعوا في أحد ميادين براغ. ولكن، في الشهر المقبل سوف يستضيف أكثر من 40 رئيسا داخل واشنطن لحضور اجتماع يتناول قضية تأمين المواد النووية. ويقول مسؤول بالبيت الأبيض إنها ستكون المرة الأولى، التي يعقد فيها رئيس أميركي قمة تتناول قضية واحدة مع هذا العدد الكبير من زعماء الدول الأجنبية.

كان بوش يصرف اهتماما كبيرا إلى العلاقات الشخصية، ورفع الرسميات بينه وبين الكثير من الزعماء: ففي إحدى المرات نادى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير خلال منتدى دولي باسمه الأخير وحسب. وامتطى بوش الخيول مع رئيس المكسيك فيسنتي فوكس. وكهدية وداع، منح رئيس الوزراء الياباني جونيتشيرو كويزومى جولة شخصية داخل غراسلاند. ومعروف أن بوش قال بعد أول لقاء له مع الرئيس الروسي آنذاك فلاديمير بوتين إنه كان «قادرا على فهم روحه»، وهو التصريح الذي كان يطارده بعدما تبين أن بوتين سلطوي بصورة كبيرة.

ولكن، سياسات بوش، التي تركزت على «حربه العالمية ضد الإرهاب»، برهنت على أنها لا تحظى بشعبية في مناطق كثيرة. وترك المنصب الرئاسي ولديه عدد قليل جدا من الأصدقاء بين الزعماء الذين تواصل معهم على مدى أعوام.

ويقول دبلوماسي أوروبي، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه كي يتسنى له الحديث بصراحة عن الطريقة التي ينظر بها إلى الزعماء الأميركيين في الخارج: «أوباما ليس هو الشخص الذي يبحث عن الصديق الأفضل، وفي هذا يختلف كثيرا عن بوش». وأضاف: «في بعض الأحيان، يكون التركيز على العلاقات الشخصية بصورة مبالغ فيها شيئا مضرا. ويمكن أن ترتكب أخطاء».

ولم يكن أوباما، الذي كان عضوا في مجلس الشيوخ داخل ولاية إلينوي لمدة أربعة أعوام فقط قبل أن ينتخب رئيسا، يعرف سوى عدد قليل من الزعماء الأجانب عند توليه مهام منصبه. ومنذ ذلك الوقت، لم يكوّن علاقات قوية في الأغلب مع نظرائه في الدول الأخرى، بما في ذلك الكثير من زعماء الدول النامية الذين كان يتجاهلهم الرؤساء السابقون بدرجة كبيرة أو يتجنبونهم لحماية العلاقات الأميركية مع الحلفاء التقليديين.

ومنذ حضور 200 ألف ألمانيا خطابا ألقاه داخل برلين خلال حملته الرئاسية في يوليو (تموز) 2008، يتأكد أوباما من أن زياراته للدول الأخرى تتضمن لقاءات مباشرة مع المواطنين هناك، ولا سيما في تلك الدول التي تنظر إلى الدوافع الأميركية بشكوك.

وعقد أوباما لقاء مع الطلاب داخل اسطنبول في إطار تواصله مع العالم الإسلامي، وتحدث عن حرية التعبير والإنترنت خلال لقاء أسئلة وأجوبة مع طلاب الجامعة في شنغهاي، وتطرق إلى «الانحراف» في العلاقات الأميركية - الأوروبية خلال منتدى بمدينة ستراسبورغ داخل فرنسا.

ويقول بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية: «لن أقول إنها كانت طريقة للالتفاف حول الزعماء، ولكنها تعاملت مع فكرة أنه من الصعب على الزعماء التعاون مع الولايات المتحدة على ضوء موقفنا». وأضاف: «يظهر كل استطلاع رأي تنظر إليه ارتفاعا ملحوظا في دعم للقيادة الأميركية في مختلف أنحاء العالم. ومن السهل بدرجة كبيرة على الزعماء التعاون معنا إذا أرادت شعوبهم ذلك».

ويقول الجمهوريون المعارضون إن تلك المقاربة أثارت غضب أفضل أصدقاء الولايات المتحدة، كما أنها أخفقت في الترويج للمصالح الأميركية في عدد من أكثر القضايا تحديا على صعيد السياسة الخارجية. فعلى سبيل المثال، لم تسفر جاذبية أوباما بالنسبة إلى الجماهير الصينية أو الإيرانية عن إحداث أي تغير في توجهات حكومات البلدين، مما يبرز الحدود التي يمكن أن تصل إليها مقاربة الانطلاق من القاعدة إلى القمة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الدول السلطوية. وما زالت المباحثات بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط متعثرة في ظل محاولات الإدارة، التي منيت بالفشل حتى الآن، لمنع إسرائيل من استئناف بناء المستوطنات أو إقناع الحكومات العربية بإصدار مجرد إيماءات دبلوماسية تجاه الدولة اليهودية.

ومن جهته، يقول سيمون سيرفاتي، المتخصص بالعلوم السياسية، والذي يحتل المنصب الذي كان يحتله زبيغنيو برزيزينسكي في شؤون الأمن الدولي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «نظرا لأنه لم يكن يعرف أي أحد حتى وقت قريب، كان أوباما يعتمد على شيء آخر: شعبيته». وأضاف: «فعلى سبيل المثال، كانت العلاقة بين أوباما والشعب الفرنسي، وليس الرئيس الفرنسي. وكان ساركوزي ينظر إلى الأمر من منطلق أنه إذا كان يحب أوباما فإن شعبيته سوف ترتفع». ولكن سيرفاتي حذر من أن أوباما «ليس بإمكانه دائما أن يحول شعبيته إلى قبول لسياساته. لقد بدأ يواجه أزمة فعالية. فخلال عهد بوش كانت الأزمة أزمة شرعية - شرعية السلطة الأميركية. ولكن أوباما يواجه إشكالية «أجل، الناس يحبوننا، ولكن كيف ننجز أي شيء؟».

ويقول المسؤولون بالبيت الأبيض، إن علاقات أوباما، من خلال رصد عدد من علاقاته الأساسية بالزعماء، ببعض الزعماء كانت ناجحة لأنه يبدي تفاهما في ما يتعلق بالمصالح الأمنية والاقتصادية المشتركة. وهو ما ينطبق على الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف. فوفقا لمركز «بو غلوبال أتيتيود بروجيكت»، فإن نسبة الروس الذين أعربوا عن ثقتهم بالرئيس الأميركي قد ارتفعت بنسبة 15% نقطة في السنة الأولى لأوباما عن العام الأخير لحكم بوش. كما استطاع الزعيمان إنهاء شهرين من المفاوضات الصعبة بشأن المعاهدة الاستراتيجية الجديدة المتعلقة بخفض الأسلحة في مكالمة هاتفية خلال الأسبوع الماضي.

وفي ظل الحرب في أفغانستان، لم يتمكن أوباما من تحقيق شعبية هناك، مما جعل من الصعب عليه أن يستعين بالرأي العام للتأثير على كرزاي. ولكن أوباما جعل من لقائه كرزاي محورا لرحلته - بصحبة معظم كبار المسؤولين في إدارته، حيث لم يلتق بعد ذلك إلا بالقوات الأميركية - مما يظهر الأهمية التي يضعها أوباما على العلاقة، التي كان يتعرض لانتقادات نظرا لتجاهلها. كما أنه دعا كرزاي إلى السفر إلى واشنطن في مايو (أيار).

ومن جهة أخرى، يقول المسؤولون بالبيت الأبيض إن أوباما، الذي كان يُنظر إليه باعتباره شخصا هادئا ومتحفظا، لديه علاقات بالكثير من القادة تتجاوز مجرد أجندتهم للسياسة الخارجية.

فخلال مأدبة غداء في سيول في العام الماضي مع رئيس كوريا الجنوبية، لي ميونغ - باك، انتقل أوباما من الحديث حول التجارة والأجندة الأمنية إلى مناقشة بعض القضايا المحلية التي تثير اهتمام كليهما بما في ذلك كيفية تحسين التعليم العام.

كما أثنى في حوار خاص على أفكار الرئيس الهندي مانموهان سينغ المتعلقة بتعليم الفقراء بعد لقائهما في قمة العشرين خلال العام الماضي، وفقا لما قاله المسؤولون بالبيت الأبيض. بعد ذلك، حضر سينغ أول عشاء رئاسي رسمي له في عهد أوباما، كما يخطط أوباما لزيارة الهند لاحقا خلال العام الحالي. وسوف يتلقى فيليب كالديرون، رئيس المكسيك ثاني عشاء رسمي له في مايو. وعن ذلك يقول رودز: «إن مقاربته تجاه العالم النامي قد أتت بثمارها خلال قمة المناخ التي عقدت في ديسمبر (كانون الأول) في كوبنهاغن. فقد حصل أوباما على تأييد سينغ، والرئيس جاكوب زوما رئيس جنوب أفريقيا، والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في ما يتعلق بالاتفاقية التي أعدها مع رئيس الوزراء الصيني وين جياباو. حيث إن تلك الصفقة، التي تعرضت لانتقادات واسعة من قِبل المدافعين عن البيئة وبعض الزعماء الأوروبيين باعتبارها صفقة ضعيفة، كانت ستخفق لولا تأييدهم. ويقول المسؤولون بالبيت الأبيض إن أوباما سافر إلى أوروبا عدة مرات منذ أن احتل منصبه. كما أنه يجري مكالمات دورية بالفيديو مع كل من الرئيس ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.

وخلال ثاني رحلات أوباما الرئاسية لفرنسا، في يونيو (حزيران) الماضي، تساءل ساركوزي خلال مؤتمر صحافي مشترك: «ماذا تعني الصداقة؟»، وقد ذكر ضمن عدة أشياء أخرى؛ المساعدة على إغلاق السجن العسكري الأميركي في غوانتانامو بكوبا، وممارسة دور أكثر محورية في حلف شمال الأطلسي، ومواجهة برنامج إيران النووي. وقد قِبل ساركوزي اثنين من معتقلي غوانتانامو، وعاد للانضمام لقيادة جيش حلف شمال الأطلسي، وتعهد بإبقاء القوات الفرنسية في أفغانستان لأطول فترة ممكنة. فقد قال في مؤتمر صحافي: «هل تعتقد أن الناس يرغبون فقط في أن يرونا ونحن متشابكو الأيدي، نجلس معا ونتطلع في عيون بعضنا البعض. بالطبع لا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»