فرنسا: أعلى محكمة إدارية تعرقل خطط الحكومة الهادفة لحظر النقاب كليا

دعوات نيابية للالتفاف على قرار مجلس الدولة.. والكرة تعود لملعب الحكومة

TT

قطع مجلس الدولة في فرنسا الطريق على خطة الحكومة الهادفة إلى منع ارتداء النقاب منعا كاملا في الأماكن العامة وعلى الأراضي الفرنسية كافة، وفق ما أشار إليه رئيسها فرنسوا فيون أول من أمس ووفق مشروع قانون قدمه جان فرنسوا كوبيه، رئيس مجموعة نواب حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم. وأفتى مجلس الدولة (أعلى محكمة إدارية في البلاد)، في تقرير سلمه أمس إلى فيون بأن المنع الكامل «لا يمكن أن يقوم على أساس قانوني غير منازع».

وجاء التقرير المذكور استجابة لطلب استشاري من مجلس الدولة قدمه رئيس الحكومة نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي سعيا منه لتلافي أي نقض يمكن أن يصدر عن المجلس نفسه أو عن المجلس الدستوري لقانون صادر عن البرلمان الفرنسي يمنع ارتداء النقاب. واعتبر كثيرون أن طلب رئيس الحكومة مزدوج الغرض: الاحتماء وراء رأي قانوني لا خلاف عليه لمنع ارتداء النقاب من جهة وتفادي الضغوط التي يمكن أن تأتي من الجناح المتشدد في الأكثرية النيابية والرأي العام، التي تريد منعا مطلقا للنقاب باعتباره رمزا لاستعباد المرأة ولتنامي التيارات الإسلامية المتشددة داخل المجتمع الفرنسي.

وجاء في الحكم الصادر عن مجلس الدولة أن «منعا شاملا ومطلقا لارتداء النقاب لا يمكن أن يقوم على أساس قانوني لا خلاف عليه». وبالمقابل، اعتبر القرار أن مجلس الدولة يؤيد الرأي القائل إن السلامة العامة ومحاربة التزوير، خصوصا في ما يتعلق بعدد من الخدمات العامة يمكن أن تبرر الإبقاء على الوجه مكشوفا إن في عدد من الأماكن (العامة) أو في ما خص عددا من الخدمات»، في إشارة إلى النقل والبريد والمصارف والمكاتب الحكومية والمدارس وغيرها من الأماكن.

وبعد حكم مجلس الدولة، أصبحت الكرة في ملعب الحكومة والبرلمان على السواء. والمشكلة أن الحكومة ورئيسها أخذت تميل إلى منع مطلق للنقاب في الأماكن العامة مهما تكن استجابة الرأي العام، ولقطع الطريق على اليمين المتطرف تحسبا للاستحقاقات الانتخابية الآتية.

وبعد السنوات الثلاث المنقضية، التي كان اليمين التقليدي مطمئنا لضمور اليمين المتطرف، أظهرت الانتخابات الإقليمية أن حزب الجبهة الوطنية لم يمت، إذ إنه حصد نحو 12% من الأصوات في الدورة الأولى، مما مكنه من التنافس للدورة الثانية في 12 إقليما من أصل 22. ومن الناحية الحسابية والموضوعية، فإن بقاء لوائح اليمين المتطرف تصيب من اليمين التقليدي مقتلا، مما يخدم اليسار والاشتراكيين. ولذا، تجد بعض دوائر الحزب الحاكم أن الحرب على النقاب يمكن أن تكون مفيدة سياسيا وانتخابيا. في أي حال، لا يستطيع الحزب الرئاسي ولا الحكومة أن يتركا موضوع الإسلام والنقاب بأيدي اليمين المتطرف. وفي حديثه يوم الاثنين إلى النواب، قال فيون إنه يريد الذهاب إلى «أبعد ما يمكن» في موضوع منع النقاب. لكن قرار مجلس الدولة وجد من يعمل لتهميشه. فقد أعلن جان فرنسوا كوبيه، وهو مرشح محتمل لخلافة الرئيس ساركوزي، أنه «يتعين على المسؤولين السياسيين تحمل مسؤولياتهم»، مذكرا بموضوع منع الحجاب في المدارس، حيث اعترض وقتها مجلس الدولة على ذلك، لكن البرلمان صوّت على قانون بهذا المعنى. ومغزى كلام كوبيه أن هناك إمكانية للالتفاف على مجلس الدولة إذا كانت رئاسة الجمهورية والحكومة والأكثرية النيابية راغبة في منع مطلق للنقاب في الفضاء العام.

وسبق لكوبيه أن تقدم بمشروع قرار بهذا المعنى إلى مجلس النواب. ويفترض في الأسابيع القادمة أن تحسم الحكومة أمرها: فإما أن تخضع لرأي مجلس الدولة وتقدم مشروع قانون إلى البرلمان لمنع النقاب في «بعض» الأماكن العامة لدواعٍ محض أمنية واحترام النظام العام أو تتجاوز ما جاء به مجلس الدولة وتفضل المصلحة السياسية على الرأي القانوني. وفي هذه الحالة، سيعود الجدل مجددا والتساؤل عن الغايات الحقيقية للحكومة واليمين على السواء. وتفيد إحصائيات وزارة الداخلية أن نحو 2000 امرأة ترتدي النقاب في فرنسا بينهن أكثرية من الفرنسيات. ويدعو كوبيه إلى اتخاذ إجراءات ردعية بحق الرجال الذين يلزمون نساءهم أو فتياتهم على ارتداء النقاب، كما ينص على تحميل المرأة المخالفة غرامة مالية يمكن أن تصل إلى 700 يورو.

وكانت لجنة نيابية أشارت إلى صعوبات التطبيق العملي لمنع ارتداء النقاب في كل الأماكن العامة وتساءْلت عن ما إذا كان ذلك يتطلب إيجاد «شرطة منع النقاب». واقترح آخرون أن تحرم المرأة المنتقبة من الحصول على الجنسية الفرنسية أو على تأشيرة الإقامة وغيرها من التدابير الإدارية التي يفترض أن لها مفعولا رادعا على تنامي هذه الظاهرة في فرنسا.

وكان ملصق انتخابي يمثل خريطة الجزائر وفوقها امرأة منتقبة ومآذن على شكل صواريخ قد أثار مشكلة في أوج المعركة الانتخابية الأخيرة. وبسبب شكوى تقدمت بها عدة جمعيات، أمرت المحكمة بسحب هذه الملصقات، التي أثارت حفيظة الحكومة الجزائرية، بسبب استخدامها خريطة البلاد في دعاية انتخابية اعتبرت مسيئة للمسلمين.