مصادر استخباراتية: عالم نووي إيراني فر لأميركا ويساعد «سي آي إيه» في المعلومات عن إيران

في عملية خُطط لها منذ فترة.. وعناصر استخباراتية تصفها بـ«انتصار» لواشنطن

المهندس الإيراني ماجد كاكاواند، وسط، يغادر المحكمة في باريس بعد أن أجل قاض فرنسي نظر قضيته إلى 14 أبريل (نيسان) الحالي وتنظر المحكمة طلبا أميركيا بتسليم كاكاواند إليها بتهمة تهريب معدات عسكرية إلى إيران بشكل غير شرعي (أ.ب)
TT

قالت مصادر أميركية إن العالم النووي الإيراني شهرام أميري الذي اختفي منذ يونيو (حزيران) من العام الماضي موجود في أميركا حاليا وساعد الاستخبارات الأميركية في معلوماتها حول البرنامج النووي الإيراني. ونسبت محطة «إيه بي سي نيوز» الأميركية أمس إلى مصادر استخباراتية مطلعة لم تذكر أسماءها أن أميري -وهو متخصص في الفيزياء النووية في أوائل الثلاثينات من العمر - تمكن من الفرار في إطار عملية جرى التخطيط لها لفترة طويلة لتمكينه من مغادرة إيران والإقامة في الولايات المتحدة. وقال تقرير «إيه بي سي نيوز» إن أميري خضع لعملية استجواب مكثفة منذ انشقاقه وإنه ساعد في تأكيد تقديرات للاستخبارات الأميركية بشأن البرنامج النووي الإيراني.

واعتبرت عناصر من وكالة المخابرات المركزية الأميركية في تصريح للمحطة أن فرار أميري هو انتصار للمخابرات الأميركية في إطار الجهود الأميركية التي تُبذل للتصدي للبرنامج النووي الإيراني. ونقلت «إيه بي سي نيوز» عن مصادر فضلت عدم الكشف عن هويتها كانت على علم بالعملية من قبل مسؤولين في المخابرات قولها إن اختفاء هذا العالم «يشكل جزءا من عملية لوكالة المخابرات المركزية الأميركية خططت لها منذ زمن طويل»، موضحة أن المخابرات الأميركية اتصلت به عن طريق وسيط قدم له عرضا يتيح له الاستقرار في أميركا. وقال ريتشارد كلاركي المسؤول السابق لمكافحة الإرهاب الذي يعمل حاليا مستشارا لقسم الأخبار في شبكة «إيه بي سي نيوز»: «مدى قوة الضربة سوف يعتمد على مقدار ما يعرفه العالم بشأن مكونات البرنامج النووي الإيراني». وأضاف: «إخراج عالم واحد من البرنامج لن يتسبب في واقع الأمر في عرقلته». فيما قال مسؤول استخباراتي أميركي سابق للشبكة إن الاستخبارات الأميركية كانت تحاول تجنيد علماء نوويين إيرانيين منذ التسعينات.

وامتنعت متحدثة باسم المخابرات المركزية الأميركية عن التعقيب، كما رفضت الخارجية الأميركية التعليق على الخبر. إلا أن مصادر أميركية مطلعة قالت لـ«الشرق الأوسط» إنه إذا ما تأكدت صحة هذه الأنباء فإنها ستشكل إحراجا للإدارة الأميركية التي نفت سابقا أي معرفة لها بالعالم النووي وظروف اختفائه. كما ستشكل ضربة لجهود إدارة الرئيس باراك أوباما فتح حوار دبلوماسي مع طهران حول الملف النووي.

واختفى أميري وهو باحث جامعي يعمل في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية في أثناء أداء العمرة في مكة المكرمة في يونيو من العام الماضي قبل نحو ثلاثة أشهر من كشف إيران النقاب عن وجود موقع ثان لتخصيب اليورانيوم قرب مدينة قم. وفي السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اتهم وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي الولايات المتحدة بالضلوع في عملية اختفاء العالم النووي الإيراني. وقال متقي لوكالة الأنباء الإيرانية «فارس» آنذاك: «حصلنا على وثائق تظهر ضلوع الولايات المتحدة في اختفاء شهرام أميري في السعودية». وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي اتهمت طهران السعودية بتسليم أميري للولايات المتحدة. وردت السعودية على الادعاءات الإيرانية إذ أعربت الخارجية السعودية في 9 ديسمبر الماضي عن استغرابها من التصريحات والمزاعم الإيرانية حول اختفاء أميري. وقال السفير أسامة نقلي، رئيس الدائرة الإعلامية في الخارجية السعودية لـ«الشرق الأوسط» إن «السعودية تستقبل مليون معتمر وحاج إيراني سنويا، ومثل بقية الدول فإنهم يخضعون لإشراف بعثات دولتهم، وإن السلطات السعودية بحثت عنه بعد معلومات اختفائه ولم تستدل عليه، الأمر الذي ولّد الكثير من التساؤلات عن ظروف وملابسات اختفائه من مقر البعثة الإيرانية وكذلك اتصالاته، ونقل ذلك إلى البعثة الإيرانية وسفارة طهران التي من المفترض أن تكون نقلت ذلك إلى حكومتها لإفادة الخارجية السعودية بالمعلومات المطلوبة التي تساعد على استجلاء حقيقة اختفائه، لكنها لم تتلقَّ ردا رسميا حتى الآن من طهران».

وكان مصدر إيراني في نيويورك قد كشف لـ«الشرق الأوسط» على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي أن وزير الخارجية الإيراني متقي قدم شكوى للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول اختفاء 4 إيرانيين تعتقد طهران أنهم إما في السجون الأميركية وإما مروا عبر السلطات الأميركية خلال نقلهم إلى بلد آخر، بينهم أميري الباحث النووي في «جامعة مالك عشتار». وجامعة «مالك عشتار» تدار وتموَّل وتتبع للحرس الثوري الإيراني، وهي تنفذ «مشروعات بحثية خاصة» تطلبها المؤسسات العسكرية والدفاعية في إيران بحسب ما كانت كشفت مصادر مطّلعة لـ«الشرق الأوسط». وتتبع للجامعة كليات متخصصة في علوم الفضاء والهندسة الكهربائية والفيزياء النووية والطيران، وهى تقع في مدينة أصفهان التي بها مفاعل «ناتانز» النووي أول مفاعل تشغل فيه إيران أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. وكانت الأمم المتحدة قد أشارت إلى جامعة «مالك عشتار» في إطار ما سمته «تجارب أجرتها إيران مرتبطة ببرنامجها النووي». وبالإضافة إلى أميري شكا متقي اختفاء علي رضا أصغري النائب السابق لوزير الدفاع الإيراني والمسؤول السابق البارز بالحرس الثوري الذي اختفي خلال زيارة إلى تركيا عام 2007، أما الشخصية الثالثة التي أبلغت عنها إيران بان كي مون فتعرف باسم أردبيلي، وهو رجل أعمال إيراني يُعتقد أنه على علاقة بالحرس الثوري كان في جورجيا في مهمة شراء معدات عسكرية واعتقل هناك وما زال قيد التحقيق. أما الشخصية الرابعة التي ذكرها متقي لبان كي مون فهو الدبلوماسي الإيراني نصر الله طاجيك الذي أوقعه عنصران في «إف بي آي» عام 2006 في لندن عندما أقنعاه أنهما تاجرا سلاح واتفقا معه على بيعه معدات للرؤية الليلية بـ50 ألف دولار مما أدى إلى اعتقاله في لندن. وطاجيك (53 عاما) الذي عمل سابقا سفيرا لإيران في الأردن يعيش في بريطانيا متقاعدا، مع زوجته وأولاده. إلا أن تقارير تحدثت عن أنه لم يكن متقاعدا وكان يدير من لندن برنامجا إيرانيا للتسلح يعمل في عدة دول من بينها بريطانيا وتركيا والإمارات. وما زالت المحاكم البريطانية تنظر طلبا أميركيا لتسليمه لأميركا للمحاكمة. إلى ذلك يتوجه كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي سعيد جليلي اليوم إلى الصين لبحث مسألة برنامج طهران النووي مع بكين على ما أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية أمس. وذكرت الوكالة أن جليلي سيجري «محادثات ثنائية وسيبحث مسألة النووي» مع بعض كبار المسؤولين في بكين. وتأتي هذه الزيارة بعد دعوة جديدة وجهها وزراء خارجية دول مجموعة الثماني المجتمعين الاثنين والثلاثاء في كندا إلى الأسرة الدولية من أجل تشديد الضغوط على طهران بسبب برنامجها النووي.

وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية كين غانغ مجددا الأسبوع الماضي أن «الصين تدعو جميع الأطراف لسلوك الطريق الدبلوماسية من أجل حل سلمي للمسألة النووية الإيرانية من خلال الحوار والتفاوض». وقد أصبحت بكين في 2009 الشريك الاقتصادي الرئيسي لإيران إثر أول عقوبات فرضها المجتمع الدولي تدريجيا على طهران.