أوباما يقرأ 10 رسائل شخصية يوميا.. للتواصل مع شعبه

يفضل الرسائل المكتوبة بخط اليد لأنه يعتقد أنها تحمل قصصا أكثر إلهاما

نموذج من الرسائل التي يقرأها أوباما (واشنطن بوست)
TT

وصل الملف الأسود إلى البيت الأبيض قبل الثامنة مساء بقليل، وحمله الرئيس باراك أوباما معه لأعلى كي يشرع في القراءة المسائية التي اعتادها. وكان الملف الموجز يحمل تاريخ 8 يناير (كانون الثاني) 2010، وبدا مشابها للملف الذي يجري تسليمه كل ليلة، بما يضمه من نسخ مطبوعة من خطابات وتوصيات تتعلق بالسياسات وملحوظات تتعلق بجداول زمنية محددة. بالقرب من الملف الأسود، كان هناك آخر أرجواني اللون، غالبا ما يسارع أوباما بإلقاء النظر عليه أولا. على غلاف الملف كانت هناك ورقة تحمل عنوان «مذكرة إلى الرئيس»، وتحتها عبارة «بناء على طلبكم، ألحقنا 10 قطع من المراسلات التي لم تخضع للتفحص موجهة إلى شخصكم». في الداخل، عثر أوباما على أوراق مجعدة وحبر متلطخ وكتابة بخط اليد وكلمات لم تكتب على نحو إملائي سليم، وكانت جميعها عبارة عن مجموعة من 10 خطابات أصلية يعدها الرئيس بين أهم مواد القراءة التي يطلع عليها يوميا، حسب ما يؤكد مساعدوه. منذ أن أصدر أمرا في يومه الثاني في الرئاسة بتقديم عينة إليه من البريد الوارد إلى البيت الأبيض، تحولت الخطابات إلى سمة مميزة لفترة رئاسته. يشرع أوباما في قراءة بعض الخطابات بصوت مرتفع على مسامع زوجته، بينما يوزع البعض الآخر على كبار معاونيه أثناء وجودهم على متن الطائرة الرئاسية. تأتي بعض الخطابات من طلاب يطلبون المساعدة في واجبات منزلية مكلفين بها، وبعضها الآخر من ناخبين يطلبون الحصول على وظائف أو التمتع برعاية صحية. وخلال خطاب ألقاه مؤخرا، قال أوباما إن نصف الرسائل تقريبا «تدعوني الأبله». وتعد هذه الخطابات أقوى الصلات التي تربطه بأفراد الشعب الذي يتولى حكمه، حسب ما ذكر مساعدوه. إلا أنه حتى هذه الصلة تتسم بالكاد بطابع مباشر. كل يوم، يفد 20 ألف خطاب ورسالة إلكترونية موجهة إلى أوباما، ويجري تفحصها تحسبا لوجود تهديدات فيها، ثم إرسالها إلى مبنى إداري عادي وسط مدينة واشنطن. ويعكف مئات المتطوعين والعاملين على تصنيف الخطابات إلى فئات قبل التقاط مساعد رفيع المستوى للرئيس 10 منها لعرضها على أوباما يوميا كي يتمكن من إلقاء نظرة إلى خارج ما ينعته بـ«الفقاعة الرئاسية». في 8 يناير (كانون الثاني)، فتح أوباما الملف الأرجواني وسحب خطابا مؤلفا من ثلاث صفحات، كتب على ورقة مسطرة. وعادة ما يبدي أوباما تفضيله للاطلاع على خطابات مكتوبة بخط اليد عن الرسائل الواردة عبر البريد الإلكتروني، لاعتقاده أنها تحمل تفكيرا أعمق وقصصا أفضل. حمل الخطاب عنوان «في مونرو ميتشيغن». وشرع أوباما في قراءة الخطاب. استهل الخطاب بعبارة «سيدي الرئيس العزيز». لم تعتد جنيفر سلين (27 عاما)، كتابة خطابات، لكنها في العادة لا تشعر بمثل هذا القدر من السأم. وذات يوم، جلست على أريكة في منزلها المؤلف من طابقين في مونرو، تقلب القنوات التلفزيونية حتى ظهر وجه أوباما على الشاشة أمامها. كان اليوم يوافق يوم عطلة للاحتفال بمناسبة لم تعد تتذكرها، وحملت الشاشة صورة الأسرة الأولى. وضعت سلين جهاز التحكم عن بعد في التلفزيون جانبا. وكانت سلين من بين من صوتوا لصالح أوباما، وقد زاد شعورها بالإعجاب تجاهه الآن وهي تراه عبر شاشة التلفزيون، وتختلس نظرة على الحياة داخل البيت الأبيض. لدى أوباما طفلتان، ولديها طفلان، وأوباما يمتلك كلبا، وكذلك هي. وخطر ببال سلين أن أوباما يبدو شخصا طبيعيا، وأنه من الشخصيات التي ربما يروق لها قراءة خطاب. شعرت سلين دوما بميل للكتابة، بل إنها أقدمت ذات مرة على التفرغ لعام كامل لكتابة سيرة ذاتية لم تنشر بعد. والآن، تحركت سلين باتجاه طاولة وانتزعت بضع ورقات من كراسة اشترتها لابنها بريندين (8 سنوات). وكتبت «سيدي الرئيس العزيز»، ثم تركت سطرا خاليا قبل الشروع في الكتابة مجددا. وأضافت: «السيد أوباما، سأبدأ خطابي بالحديث عن نفسي وحياتي على مدار العامين الماضيين». لكن من أين تنبغي البداية؟ كانت سلين قد حملت حديثا وتعيش بمنزل على ضفة أحد الأنهار اشتراه صديقها عام 2007، عندما بدأ الاقتصاد في الانهيار داخل ميتشيغن. في العام ذاته، تحديدا مايو (أيار)، فقدت وظيفتها كعاملة فنية بإحدى الصيدليات، وذلك في نفس اليوم الذي تعرضت والدتها للتسريح من عملها أيضا. وانهارت شركة صديقها بمجال بناء حمامات السباحة. وتراكمت على رأسها ديون بقيمة 50 ألف دولار من خلال أربعة بطاقات ائتمان، وأقدمت شركتان بالفعل على رفع دعاوى قضائية ضدها. وتقدمت سلين بطلب لإشهار إفلاسها، بينما صادرت الحكومة منزل صديقها. وانتقلت سلين للعيش في منزل والديها، ثم منزل أحد الأصدقاء، قبل أن تعثر على منزل بإيجار مناسب بأحد الأحياء، حيث توقفت المدرسة الابتدائية التي يرتادها بريندين فجأة لأسباب تتعلق بالميزانية. وفي الرسالة التي كتبتها لأوباما، عمدت سلين إلى إيجاز كل هذه الأحداث بقولها: «فقدت وظيفتي، والإعانات الصحية التي أحصل عليها واحترامي لقيمة ذاتي في غضون 5 أيام». بعد تسريحها من عملها، تقدمت بطلبات للالتحاق بعشرات الوظائف أسبوعيا، ووثقت إخفاقاتها سعيا للحصول على إعانة بطالة بقيمة 850 دولارا شهريا. وأخيرا، عرضت عليها شركة «هوم ديبوت» وظيفة، لكن راتبها الذي جاء أقل من 7 دولارات للساعة الواحدة أقل من تكاليف رعاية الطفل. بدلا من ذلك، حصلت على «منحة بيل» بقيمة 2600 دولار ـ «بفضلك سيدي الرئيس» ـ والتحقت ببرنامج للتمريض بإحدى المؤسسات التعليمية. واحتفظت في ذاكرة هاتفها الخلوي برقم تحت اسم «مارفين»، في إشارة إلى رقم الرد الآلي للشبكة التفاعلية في ميتشيغن، واتصلت بهذا الرقم لدى رغبتها في إطالة أمد إعانة البطالة التي تتقاضها. وفي رسالتها، شرحت سلين كل هذا بقولها: «سيدي الرئيس، في ميتشيغن، من العسير للغاية العثور على وظائف».

في أواخر عام 2008، بدأت سلين تلحظ ظهور طفح جلدي على بشرتها، لكنها قررت عدم عرض نفسها على طبيب بسبب فقدانها التأمين الطبي. وفكرت أن هذا الطفح ربما ناتج عن ضغط عصبي شديد تعانيه فحسب. إلا أن الطفح الجلدي استمر في الانتشار. وعليه، اضطرت للتقدم إلى «ميديكيد» وقوبلت بالرفض عدة مرات، حتى لجأت في زيارتها الرابعة للموظف المختص بالنظر في الحالة، إلى رفع ملابسها في منتصف المكتب لإطلاعه على سلسلة من الخطوط الحمراء على صدرها وظهرها. وبعد أيام قلائل، بدأت في تلقي العلاج تحت مظلة برنامج «ميديكيد». وأوجزت سلين ذلك في خطابها بقولها: «أصبت بسرطان الخلايا الصبغية وسرطان الجلد فجأة». كتبت سلين رسالتها المؤلفة من ثلاث صفحات، في أقل من 10 دقائق. وبدا وكأنه جزء من مذكرات شخصية، وليست رسالة رسمية. ولم يرد بخاطرها قط أن يعكف أي شخص على قراءتها. وانتابها حيال الرسالة شعور كالذي سبق وراودها إزاء سيرتها الذاتية، وهو أن لا أهمية له بالنسبة للقراء. واختتمت الرسالة بعبارة «أتمنى أن تصلك رسالتي وأن تتمتع بوافر الصحة والسعادة». ثم وقعت باسمها في أسفل الرسالة: جنيفر سلين، وهو اسمها الكامل الذي لا يناديها به سوى محصلو الديون. لكنها رأت أن التوقيع باسم «جين» فحسب لن يكون ملائما في خطاب موجه إلى الرئيس. سارت سلين حتى الشرفة ووضعت الخطاب في صندوق البريد. لم تزر سلين واشنطن يوما. وفي أحد الأيام، راودتها الرغبة في زيارتها برفقة ابنيها ومشاهدة البيت الأبيض وكيف يبدو، وهل به صندوق بريد. وصل الخطاب القادم من مونرو ميتشيغن إلى واشنطن وخضع لاختبارات للكشف عن وجود كيماويات سامة أو مواد إشعاعية به. ثم جرى وضعه في صندوق أبيض ضخم يزن 20 رطلا، بجانب ألف خطاب أخرى موجهة إلى أوباما. وجرى نقل الخطابات إلى ردهة مبنى إداري بالقرب من البيت الأبيض، وجرى تفحصها بجهاز كاشف عن المعادن، وتفحصها حارس أمن وتم وضعها في المصعد المتجه إلى الدور التاسع. وبمجرد وصولها إلى هناك، جرى وضعها بجانب خمسة صناديق أخرى مشابهة، حملت جميعها عبارة «مراسلات البيت الأبيض». وهنا تحديدا يوجد جدار التصفية بين الجمهور والرئيس، في داخل أحد المباني الإدارية العادية، الذي تفرض السرية على عنوانه لدواعٍ أمنية. إذا رغبت في الاتصال هاتفيا بالرئيس، يرن جرس الهاتف هنا أيضا. وإذا رغبت في بعث رسالة عبر البريد الإلكتروني إليه، تصل الرسالة إلى أحد أجهزة الكومبيوتر الموجودة هنا. وإذا رغبت في بعث هدية له، ربما يجري تخزينها مؤقتا في خزانة بالقرب من دورة المياه داخل هذا المكتب.

تتمثل الديكورات الوحيدة الموجودة في مكتب المراسلات، في رسومات لهواة على الجدران لأوباما، بجانب عينات من 100 ألف خطاب ورسومات بعث بها أطفال مدارس العام الماضي. أما الشارات التي تحمل الأسماء، فتغطي جدارا آخرا داخل المكتب، بحيث يتمكن العاملون البالغ عددهم 50 عاملا، بجانب 25 متدربا و1500 متطوع يعملون بصورة دورية من ارتداء شارات فردية تحمل أسماءهم قبل أن يتمكنوا من التواصل مع أفراد آخرين نيابة عن الرئيس. يتعامل المتطوعون بصورة أساسية مع رسائل البريد الإلكتروني التي تفد إلى المكتب بمعدل 100 ألف رسالة أسبوعيا، لكنها الأيسر من حيث سبل معالجتها، نظرا لوجود برنامج في أجهزة الكومبيوتر يتيح البحث عن كلمات مفتاحية، ثم تصنيف الرسائل. أما الرد على المكالمات الهاتفية، فلا يتولى مسؤوليتها سوى المتطوعين المتمرسين أو المتدربين. ويرتدون سماعات في الأذنين ويجلسون أمام واحد من 25 «خط تعليق»، ويعملون بناء على تعليمات صادرة لهم بقصر زمن كل مكالمة على دقيقتين فحسب. ويضطر المتصلون الراغبون في تقديم معلومات إلى الرئيس في بعض الأحيان للانتظار لساعة قبل الوصول إلى هاتف في الدور التاسع. ويوجد بكل خط تعليق زر للتحويل الآلي للمكالمات التي تهدد بالانتحار أو تحوي تهديدات. في المتوسط، يتحدث العاملون مع 2000 فرد يوميا. أما المراسلات الورقية، فتتطلب المجهود الأكبر. على سبيل المثال، انتظر خطاب سلين القادم من ميتشيغن بجانب 5 آلاف خطاب و4 آلاف فاكس تصل يوميا إلى المكتب. وتتطلب السياسة التي ينتهجها البيت الأبيض ضرورة قراءة كل هذه الخطابات والفاكسات، الأمر الذي يعود في جزء منه إلى تحديد التهديدات. صباح 8 يناير (كانون الثاني)، وصلت فتاة في الـ24 من عمرها، تدعى نيكول ستيكيل إلى مكتبها واجتذبت حزمة من رسائل البريد الإلكتروني. كانت نيكول قد تطوعت للعمل لصالح أوباما خلال حملته الانتخابية، ثم انتقلت إلى أيوا قبل أن تتلقى عرضا بالعمل محللة رسائل بريد إلكتروني مقابل 36 ألف دولار سنويا. وتتمثل مهام وظيفتها بقراءة رسائل البريد الإلكتروني، بمعدل يتراوح بين 200 و350 رسالة يوميا، من الساعة 8.30 صباحا حتى 7 مساء. وقد أصدر المشرفون تعليمات إلى ستيكيل بعدم الكشف عن تفاصيل عملها إلى أفراد أسرتها أو أصدقائها، مشددين على أن الرسائل التي تقرأها خاصة موجهة إلى شخص الرئيس فحسب. شرعت ستيكيل في قراءة الخطابات وتصنيفها في أكوام، بعضها كان يحوي ملحوظات تتعلق بسياسات معينة، وكانت توجهها إلى الوكالات الحكومية المختصة، وكانت تضعها في ملفات يحمل كل منها اسم وكالة بعينها، مثل «الصحة» أو «التعليم» أو «العدل». ترد قرابة 20% من الخطابات من أشخاص يطلبون الحصول على بطاقة تحية رئاسية للاحتفاء بمولد طفل أو التقاعد العسكري أو عيد ميلاد. على سبيل المثال، رغب العشرات ممن تتراوح أعمارهم بين 88 و90 عاما في الحصول على بطاقات تهنئة في أعياد ميلادهم. وعليه، بعث مكتب المراسلات إلى كل منهم خطابا معدا سلفا موقعا من جانب الرئيس والسيدة الأولى. ويحمل الخطاب النص التالي: «لقد شهدتم محطات مهمة في تاريخ أمتنا، وتمثل حياتكم جزءا مهما من القصة الأميركية». إلا أن مهمة ستيكيل الكبرى تمثلت في تنظيم البريد في قرابة 70 ملفا يخص كل منها قضية معينة، وذلك في إطار قائمة متغيرة باستمرار من التصنيفات التي تعكس أولويات اهتمامات الأميركيين. مثلا، تناولت نصف الخطابات الواردة في فبراير (شباط) قضية إصلاح الرعاية الصحية، بينما ركزت قرابة نصف الخطابات الواردة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على الحرب في أفغانستان. وترقى قرابة ما بين 6% و10% من جميع الخطابات إلى رسائل معجبين بأوباما، تعلن تأييدها ودعمها له. من بين التصنيفات الأخرى المنتظمة «ارتفاع درجة حرارة الأرض» و«الدين والسياسة» و«أسعار البنزين» و«فورت هود» و«عقوبة الإعدام» و«دارفور» و«وباء إنفلونزا إتش وان إن وان» و«إيران» و«الوظائف» و«السيدة الأولى» و«التعذيب». مع قراءة ستيكيل للخطابات الموجودة في الكومة القائمة أمامها، تتطلع نحو خطابات مميزة يمكن أن تمثل ما ورد من أفكار في باقي الرسائل. وتعمد إلى اختيار ما بين أفضل ثلاثة أو خمسة رسائل قرأتها وتكتب عليها «عينة» على رأسها، مما يعني أنه جرى تصنيف هذه الرسائل باعتبارها جديرة بالعرض على الرئيس. وعن هذه الخطابات، قالت ستيكيل: «إنها الرسائل التي تبقى في ذهن المرء». في بداية فترة ما بعد الظهيرة، تصل بضعة مئات من الرسائل «العينة» إلى مكتب كهلر، الذي يعكف على نشرها على الطاولة أمامه لاختيار 10 تعرض على الرئيس. وقد صدرت تعليمات إلى كهلر، الذي ينتمي في الأصل إلى إلينوي وسبق له العمل مديرا لمكتب شؤون التواصل التابع لأوباما داخل مجلس الشيوخ، بأن يحافظ على حياده في انتقاء محتويات الخطابات المقدمة إلى الرئيس. وأوضحت التعليمات أن الرئيس لا يرغب بالضرورة في الاطلاع على أفضل الرسائل أو أطولها أو أكثرها تشجيعا أو نقدا أو أفضلها صياغة، وإنما يرغب في عينة تمثل كل الخطابات الواردة، ما بين مشجعة ومنتقدة، وتلك التي كتبت بصياغة رائعة والأخرى التي كتبت في عجالة. وعليه، اعتاد كهلر التطلع إلى البيانات اليومية المرتبطة بالرسائل، على سبيل المثال، إذ أشارت البيانات إلى تناول 60% منها الصحة و30% منها الوظائف و10% منها العراق. يحرص على أن يعكس هذه النسب في الرسائل التي يختارها كي يطلع الرئيس عليها. يوم الجمعة في مطلع يناير (كانون الثاني)، مد كهلر يده عبر الطاولة وانتقى خطابا من مونرو بميتشيغن. وتميز الخطاب بكونه أطول من المعتاد، لكنه تناول قضايا ساخنة، مثل البطالة والرعاية الصحية. كما عكس الخطاب المشكلات التي تعانيها البلاد والوعود والإمكانات التي تحملها، وهو نمط القصص التي رأى كهلر أن الرئيس قد يرغب في الاطلاع عليه. وهكذا، وضع كهلر الخطاب في الملف الأرجواني، بجانب تسعة خطابات أخرى. وفي نهاية المطاف، جرى تسليم خطاب جنيفر سلين باليد إلى البيت الأبيض. في 8 يناير (كانون الثاني)، قرأ أوباما الخطابات العشرة الموجودة في الملف الأرجواني، لكنه لم يرد سوى على القليل. وعادة ما يجيب الرئيس الرسائل القادمة من منتقدين يتميزون بحسن الحكم على الأمور ومقاتلين عسكريين وأميركيين يمرون بظروف عصيبة، ومع ذلك يبقون متمسكين بشعورهم بالتفاؤل. ينجذب الرئيس نحو الرسائل التي تشكل «مصدر إلهام»، حسب ما ذكرت فاليري غاريت، وهي واحدة من الأصدقاء المقربين من أوباما وواحدة من مستشاريه. وأضافت أن أوباما يفضل الرسائل التي تمثل «ثقلا موازيا للحركة الدائرة في واشنطن» وتنقله إلى مكان مختلف. بعد أن قرأ أوباما خطاب سلين، أخرج بطاقة تحية رئاسية معدة سلفا. أبدى أوباما دوما تفضيله للكتابة بخط اليد. والآن، أخرج قلما بالحبر الأسود وشرع في الكتابة على الطرف الأعلى من ناحية اليسار من البطاقة. وبدأ رسالته بـ: «جنيفر». اعتاد أوباما الرد بإيجاز، عادة ما يأتي الرد في صورة جملة واحدة تعرب عن الشكر والامتنان لراسل الخطاب، بجانب جملتين أو ثلاث جمل أخرى ترمي للتشجيع، وليس النصح. مثلا، كتب لأحد المراهقين يوما «عليك أن تحلم أحلاما كبيرة». وكتب لأحد منتقديه: «سأحاول تقديم أداء أفضل بالنسبة لك الأسبوع القادم». ويقال إن الرئيس يعشق الرسائل لما تحمله من علاقة حميمية. بمجرد أن ينتهي من كل رد، تنقل الرسائل إلى مكتب سكرتيره، حيث يجري نسخ الرسائل والردود وتوزيعها بمختلف أرجاء المبنى. ثم ترسل النسخ إلى مكتب السجلات لحفظها. وتوجه نسخ أخرى للمسؤولين عن كتابة الرسائل.

الشهر الماضي، تولى كاتب أحد الخطابات تقديم أوباما لدى إلقائه خطابا في فيلادلفيا، ووجهت الدعوة لخمسة آخرين لحضور حفل توقيع قانون الرعاية الصحية داخل البيت الأبيض. وكتب أوباما إلى سلين العبارات التالية «شكرا للرسالة اللطيفة والملهمة للغاية التي بعثتي بها. أعلم أن الفترة الحالية عصيبة، لكن معرفتي بوجود أشخاص مثلك ومثل زوجك تمنحني الثقة في أن الأمور ستبقى على التحرك نحو الأفضل!»، ووقع باسمه في الطرف الأسفل من الناحية اليمنى. لم يرد إلى سلين أنباء جيدة قط عبر البريد، فمنذ العام الماضي تتوالى عليها خطابات من الجهات التي تدين لها وفواتير مستشفيات وبيانات تخص بطاقاتها الائتمانية. ولكن في أحد أيام يناير (كانون الثاني)، خرجت إلى شرفتها في طقس شديد البرودة. وعثرت داخل الصندوق البريدي على ظرف أصفر ضخم من البيت الأبيض. وكانت أول فكرة طرأت على ذهن سلين: كيف تورطت في هذا القدر الضخم من المشكلات لدرجة وصلت إلى الرئيس؟ فتحت الظرف ووجدت بداخله بطاقة بريدية مزينة بالخاتم الرئاسي محمية بين لوحين كبيرين. وعندئذ تذكرت الخطاب الذي كانت أرسلته إلى أوباما منذ ثلاثة أسابيع وبدأت يدها ترتعش. وحملت البطاقة إلى داخل المطبخ وجلست تقرأها وتساءلت عما إذا كانت حقيقية. وسرعان ما شرعت في الضحك والصراخ.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»