أردوغان: ما نحتاجه مع إيران هو الدبلوماسية.. وأي شيء آخر سيهدد السلام العالمي

رئيس الوزراء التركي: نريد عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي وهذا يجعلنا بمثابة جسر بين الغرب و1.4 مليار مسلم

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان (أ.ب)
TT

رأى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أنه يجب اعتماد الدبلوماسية مع إيران، محذرا من أن استعمال القوة ضد طهران سيكون بمثابة تهديد للسلام العالمي. وفي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية، تنشرها «الشرق الأوسط»، ناقش أردوغان، الذي يبلغ من العمر 56 عاما، العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، وتطرق للجدل حول وقوع إبادة جماعية ضد الأرمن، ودوره كوسيط في النزاع بشأن السياسة النووية لإيران. وهنا نص الحديث:

* سيادة رئيس الوزراء، تعطي شخصيتكم الآن انطباعا محيرا. فهي أكثر حداثة وانفتاحا مما كانت عليه قبل أن تتولى منصبك، إلا أنها أيضا أكثر تدينا وانتماء للإسلام. إلى أين تقود تركيا: تجاه الغرب، أم تجاه أوروبا أم تجاه الشرق؟

- لقد تغيرت تركيا كثيرا ومرت بمرحلة تحديث وتطوير خلال السبع سنوات ونصف الماضية. وعلى خلاف الحكومات السابقة، إننا نعتقد أن مؤسس الجمهورية (مصطفى كمال أتاتورك) كان صادقا فيما قاله، ونحاول أن نطور البلاد لتصل إلى مستوى الحضارة المعاصرة. وفي سياق تحقيق ذلك، ننظر إلى جميع الاتجاهات. لا نحول وجهنا عن الشرق في الوقت الذي ننظر فيه إلى الغرب. وننظر إلى ذلك على أنه عملية طبيعية.

* الشيء الأول الذي تقع عليه عين أي زائر بعد فحص جواز السفر الخاص به في المطار في إسطنبول هو عرض ضخم لقسم الكحوليات في السوق الحرة، وملصق يعلن عن معرض للأعمال العارية للفنان الراحل بيكاسو. وعلى الجانب الآخر في مدينة ألانيا التي تطل على البحر الأبيض المتوسط، يوجد فنادق تحتوي على شواطئ منفصلة للرجال والنساء، وهو الشيء الذي لم يكن ممكنا قبل سنوات قليلة.

- ما تراه لدى وصولك إلى المطار هو تعبير لطيف عن الحرية. وما تراه في ألانيا هو شيء أسمع عنه للمرة الأولى. ولكن إذا صح ما تقول، فذلك أيضا أحد مظاهر الحرية. فمالك مثل هذا الفندق والنزلاء به يمارسون حقا يجب علينا احترامه.

* في الأسبوع الحالي، ستستضيف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تعارض انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب. ماذا ستقول لها؟

- تقدمت تركيا بطلب من أجل الانضمام كعضو منتسب للسوق الاقتصادية الأوروبية المشتركة عام 1959. كان ذلك قبل 51 عاما. لم تخضع أي دولة أخرى إلى مثل هذا الإجراء، ولكننا صبرنا على ذلك. إلا أننا في هذه الأيام لم نعد دولة تسعى فقط للحصول على العضوية في الاتحاد الأوروبي، بل إننا نتفاوض بالفعل من أجل الحصول على العضوية الكاملة. وإذا تم تقديم اقتراحات لنا اليوم تخالف الإطار المتفق عليه لهذه المفاوضات...

* هل تشير إلى «الشراكة المميزة» التي تفضلها المستشارة ميركل عن العضوية الكاملة بالنسبة لتركيا؟

-... فإن ذلك يعد شيئا غريبا، مثلما يقوم شخص ما بتغيير قاعدة ركلات الترجيح في منتصف مباراة لكرة القدم.

* تحاول حكومتكم تهيئة تركيا لتصبح قوة إقليمية جديدة. لماذا تحتاج إذن إلى أوروبا؟

- الأمر ليس متعلقا بما نحتاجه نحن، لكن يتعلق بحاجة متبادلة. تركيا لا تمثل عبئا بالنسبة لأوروبا. وعلى النقيض، فهي تحمل عبئا عن الاتحاد الأوروبي. بالتعاون مع إسبانيا، نقوم بإدارة مبادرة تحالف الحضارات التي أطلقتها الأمم المتحدة ضد التطرف، والتي تستفيد منها أوروبا. لقد كنا عضوا في اتحاد الجمارك منذ عام 1996، ونفي بالمعايير السياسية التي جرى إرساؤها في كوبنهاغن. في الحقيقة، إننا أكثر قربا من تحقيق معايير ماسترخت الاقتصادية بالمقارنة مع بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ثم إن هناك الحقيقة التي تقول إننا نعد عضوا مؤسسا في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وعضوا في حلف الناتو منذ عام 1952. وهذا يجعلنا بمثابة جسر بين الغرب و1.4 مليار مسلم.

* أصبحت تركيا على ثقة كبيرة من نفسها، وتعتبر أنت أحد أكثر القادة تأثيرا في البلاد منذ عهد أتاتورك. هل ترى نفسك في دور «السلطان»، كما يصفك بعض الأنصار وأيضا بعض الناقدين؟

- أنا رئيس أحد الأحزاب الكبرى التي أسسها الشعب. لذا، لن أقارن نفسي أبدا بأتاتورك، وهو الرجل الذي أسس الجمهورية. ليس لدي أي نية لأن أصبح باديشا، أو السلطان. يكفيني أن يقول الشعب عني كلاما طيبا.

مذابح الأرمن: «سنكون مستعدين لقبول تاريخنا»

* لماذا لا تعترف تركيا الحديثة بالإبادة الجماعية التي قامت بها الإمبراطورية العثمانية ضد الأرمن؟ صادقت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي على قرار إبادة جماعية ضد الأرمن...

- عندما يستخدم أحد الصحافيين كلمة إبادة جماعية، ينبغي عليه أن يلقي نظرة فاحصة على هذه القضية في بادئ الأمر. قد لا يكون هناك أي حديث عن وقوع إبادة جماعية ضد الأرمن. الإبادة الجماعية مصطلح قانوني. في عام 2005، كتبت خطابا إلى الرئيس الأرميني آنذاك روبرت كوتشاريان، وأخبرته أن هذه مسألة ليست متعلقة بالسياسيين أمثالنا، بل مسألة تحتاج إلى دراسة من جانب مؤرخين. يوجد في الوقت الحالي ملايين الوثائق حول هذا الموضوع في الأرشيف التركي، جرى بحث أكثر من مليون وثيقة منها منذ أن كتبت هذا الخطاب إلى كوتشاريان. وقلت له إذا كان هناك أرشيفات في دولتكم دعها إذن متاحة أمام الجميع. وإذا كان المؤرخون لا يقدرون على توضيح هذا الموضوع على نحو كاف، فدع المحامين وعلماء السياسة وعلماء الآثار إذن يشاركون في هذا الجهد.

* يقول الأرمن إن تشكيل لجان من المؤرخين أفضل الطرق لإرجاء مثل هذا النوع من النزاع إلى أجل غير مسمى. وإننا لا نوافق على الفكرة التي تقول إن السياسيين لا ينبغي عليهم الحديث بشأن وقوع إبادة جماعية. أحد الأشخاص الذين استخدموا هذه الكلمة هو الرئيس الحالي لأرمينيا.

- إذا استخدم هذه الكلمة، فسيكون فعل ذلك عن خطأ. لا تكتسب الكلمة مزيدا من المصداقية لأن أحد الرؤساء يستخدمها. وإضافة إلى ذلك، لا تعد الولايات المتحدة طرفا في هذه المسألة. فأميركا، شأنها شأن غيرها من الدول، مجرد مشاهد هنا. نحن والأرمن المشاركون الوحيدون. فهذا هو تاريخنا. لم تكن الجمهورية التركية قد تأسست عام 1915. كانت تلك هي حقبة الإمبراطورية العثمانية، التي كانت متحالفة مع ألمانيا في ذلك الوقت.

* ألا تعد الجمهورية الوريث القانوني للإمبراطورية العثمانية؟

- مما لا شك فيه أن تركيا قامت على ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية. ولا تستطيع أي دولة إنكار أصلها. وأي فرد ينكر أصله يرتكب خطيئة. وإذا خرج شيء خطير إلى النور بعد بحث تاريخي في الماضي، سنكون مستعدين لقبول تاريخنا. لكن من المهم أن يكون الأرمن مستعدين كذلك لقبول تاريخهم.

* ما هو التاريخ الذي ينبغي على الأرمن قبوله في هذا الصدد؟

- لم يكن هذا قتلا جماعيا ارتكبه طرف ضد الآخر، لكن كان معركة أسفرت عن مصرع الكثير من الأتراك والأرمن، الذين كانوا مواطنين موالين للإمبراطورية العثمانية. إلا أن بعضهم وقع بعد ذلك تحت سيطرة قوى خارجية، وانتفضوا في تمرد مسلح. يجب دراسة ذلك بعناية فائقة.

* لماذا قمت بزيادة تصعيد نقاش صعب بالفعل عن طريق ذكرك لاحتمالية ترحيل جميع الأرمن العاملين بشكل غير قانوني في تركيا؟

- إنه ليحزنني أن تفهم ذلك بهذه الطريقة. لقد تحدثت عن ما يمكننا القيام به. لقد تسامحنا لمدة أعوام مع الأرمن الموجودين في البلاد بدون تصاريح إقامة. وكل ما قلته هو أن ذلك لا يجب أن يكون دوما هو الأصل. جرى مناقشة مشكلة العمال غير القانونيين بصراحة في جميع أنحاء العالم، لكن عندما يدلي أي فرد في تركيا بمثل هذا التصريح، يشعر الناس بالقلق. لماذا؟

* لماذا ترغب في معاقبة الأرمن في تركيا بشأن القرارات المتعلقة بالمذبحة والتي تم تبنيها بالخارج، مثل تلك القرارات التي أصدرتها الولايات المتحدة، ثم أخيرا السويد؟

- من الذي قال إننا نحمل الأرمن مسؤولية ذلك؟ أنا لم أقل ذلك أبدا. فقد بدأنا عملية للتقارب بين تركيا وأرمينيا قبل عام. ونرغب في تطبيع العلاقات بين البلدين. ثم تبنت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، بناء على طلب أرمن الشتات، قرارا يصنف الأحداث التي وقعت في عام 1915 بأنها مذبحة. ولم يكن ذلك مفيدا. ثم نعود إلى قضية أرمن الشتات وهذه الدول التي تدعمهم: فهناك أرمن يحملون الجنسية التركية داخل تركيا وهناك أرمن يعيشون في بلادنا بطريقة غير شرعية. وحتى الآن، لم نفكر في مسألة الترحيل، ولكن إذا استمر أرمن الشتات في ممارسة الضغوط، فربما نفكر في ذلك.

* لقد رفضت قبول مصطلح المذبحة، على الرغم من أنك تستخدمه باستمرار. فعلى سبيل المثال، اتهمت إسرائيل بارتكاب مذبحة جماعية في قطاع غزة. ومن جهة أخرى، دافعت عن الرئيس السوداني عمر البشير من خلال القول بأن المسلمين لا يمكن أن يقترفوا مذابح جماعية. فهل المسلمون، على نحو ما، أفضل من اليهود أو المسيحيين؟

- أنت تجتزئ كلماتي من سياقها، ولكنني لن أقع في ذلك الفخ. فقد قلت تحديدا إن المرء يمكنه، على نحو ما، وصف الأحداث في غزة بالمذبحة: لأن هناك 1400 شخص قد قتلوا هناك، كثير منهم بالذخيرة الفسفورية، كما جرح أكثر من 5000 شخص وتشردت نحو 5000 أسرة.

* وماذا عن السودان؟

- في تلك الحالة، كنت أتحدث عن المبدأ. فأنا مسلم. ولكنني لم أقارن أبدا بين ديني والأديان الأخرى. فقد قلت إن المسلم لا يمكنه ارتكاب مذابح جماعية بالطريقة التي تصفها الأمم المتحدة. فالإسلام دين سلام. كما يؤمن المسلمون بأن من يقتل شخصا بغير إثم فإنه كمن قتل الناس جميعا.

* تركيا في الوقت الراهن هي عضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما ينظر حاليا في ما إذا كانت ستصبح هي الدولة التي سيتم على أرضها مبادلة اليورانيوم المخصب بالوقود النووي. فهل تؤيد فرض عقوبات على إيران؟ في إطار أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لديها شكوك حول الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني.

- ذلك خاطئ. فالوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تصل أبدا لمثل تلك النتائج.

* في أحدث تقاريرها، قالت الوكالة بوضوح إن طهران لم تتعاون بفعالية لوقف الاستخدامات غير السلمية.

- أنظر للأمر من زاوية مختلفة. فإيران عرضت أن تنقل اليورانيوم المخصب إلى دولة أخرى، كما يرغب الإيرانيون في الحصول على الوقود النووي في المقابل. وبالتالي فإن السؤال الآن هو أين ستتم تلك المبادلة. وكان محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد اقترح أن يتم ذلك التبادل في تركيا. وفي البداية أبدى الأميركيون اعتراضهم، ثم وافقوا. ونحن الآن في انتظار جواب إيران. وكان يبدو أن إيران تبحث المسألة ولكن الاتصالات قد توقفت.

* إذا رفضت إيران، فهل تساند فرض العقوبات؟

- في البداية يجب أن نحاول إيجاد حل دبلوماسي لتلك المشكلة. فالعقوبات فرضت على إيران عدة مرات. فما كانت النتيجة؟ ألا تصل البضائع الأميركية والألمانية إلى إيران؟ إنها تصل على نحو غير مباشر. فمما لا شك فيه أن هناك سيارات مرسيدس في إيران، وبيجو كذلك. وأنا أحب أن أتحدث بصراحة. فأنا لا أحب إخفاء الأشياء في السياسة. فما نحتاجه هو الدبلوماسية، الدبلوماسية، الدبلوماسية. وأي شيء آخر لن يسفر عن أي شيء سوى تهديد السلام العالمي. وأليس هؤلاء الذين يمارسون ضغوطا على إيران يمتلكون سلاحا نوويا؟ إن تركيا ليست قوة نووية، ولكن هناك دولة واحدة في تلك المنطقة لديها أسلحة نووية.

* تعني إسرائيل.

- إيران ليس لديها أسلحة نووية الآن، ليس على أي مستوى. ونحن نقول بوضوح: إننا لا نرغب في أن تكون هناك أي أسلحة نووية في المنطقة.

* هل تحدثت عن ذلك بمثل الوضوح نفسه مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد؟

- بالطبع. أنا أتحدث معه بالصراحة نفسها التي أتحدث بها معك. فنحن لا نريد أن تكون هناك أي أسلحة نووية بالمنطقة.

* خدمة «نيويورك تايمز»