لبنان محطة للعراقيين الباحثين عن وطن بديل

مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: غياب القوانين يعقّد أوضاعهم

TT

تشير الأرقام التقريبية إلى استقرار عدد اللاجئين العراقيين إلى لبنان على 50 ألفا منذ ما يقارب الـ4 أعوام، وذلك في غياب الإحصاءات الرسمية سواء لدى الأجهزة المختصة في الدولة اللبنانية أو لدى المنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية. ويقول نائب ممثل المفوضية العامة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدى لبنان، جان بول كافالييري، لـ«الشرق الأوسط»: «سجل لدى المكتب حتى تاريخه نحو 10 آلاف لاجئ وطالب لجوء، 90% منهم عراقيون، أما الباقون فهم من 20 دولة أخرى».

بالتالي فإن الرقم المسجل في دوائر المفوضية التي تعترف بوجود نحو 50 ألف لاجئ عراقي في لبنان، لا يتجاوز 10 آلاف، ما يدل على حجم الفوضى التي تتعلق بوجود العراقيين المتأرجحين بين معاناة المعيشة والملاحقات القانونية، والسعي إلى الحصول على هجرة دائمة إلى دولة ثالثة توطنهم وتعترف بحقوقهم.

وما يسهم في هذه الفوضى عجز الأجهزة الأمنية عن ضبط الحدود اللبنانية في ظل النشاط الدائم لمهربي البشر إلى لبنان، الذين يؤمنون للراغبين الدخول خلسة مقابل مبالغ مالية تصل أحيانا إلى 5 آلاف دولار للشخص.

ويقول عدنان، وهو عراقي من بغداد، إنه دخل لبنان من سورية عبر البقاع وبواسطة أحد المهربين، «بهدف البحث عن فرصة للعمل والخلاص من الأوضاع الأمنية، لكنه لم يتمكن من العمل خشية الملاحقة الأمنية، لا سيما بعد أن تم توقيف أحد أقاربه». ويضيف: «أغلب العراقيين الذي يصلون إلى لبنان بطرق غير مشروعة يسارعون إلى التسجيل في مكاتب الأمم المتحدة ويحرصون على طلب الهجرة إلى إحدى الدول الأوروبية. لكن الأمر ليس سهلا». ويرفض عدنان فكرة العودة إلى شرق بغداد، حيث كان يقيم، وذلك بعد مقتل شقيقه في انفجار عبوة ناسفة واختفاء شقيقه الثاني قبل عام ونصف العام. ويقول إن «بقاءه في إحدى مناطق بيروت أرحم من عودته، على رغم الظروف الصعبة. وهو لا يأمل أن يصار إلى تأمين هجرة سريعة له إلى إحدى الدول التي تستقبل اللاجئين العراقيين لأنه أعزب والأفضلية للعائلات والنساء اللاتي فقدن معيلهن ويتولين مسؤولية أولادهن».

وتعتبر المفوضية كل العراقيين الذين فروا من العراق إلى لبنان، أو في أي مكان آخر في منطقة الشرق الأوسط، لاجئين. إلا أن لبنان ليس طرفا في اتفاقية عام 1951 للاجئين، ولا يعتبر تصنيف المفوضية نافذا تبعا للقانون اللبناني. وتعامل السلطات اللبنانية كل العراقيين الذين يدخلون أو يقيمون في لبنان بشكل غير قانوني مهاجرين غير شرعيين، بغض النظر عن نواياهم في السعي إلى طلب اللجوء. ولهذا يتعرض اللاجئون العراقيون للاعتقال والغرامات والاحتجاز من قبل السلطات اللبنانية، كما يمنعون من مزاولة العمل على الأراضي اللبنانية. وإيجاد حل لهذا الفراغ والنقص في الحماية يكمن بالنسبة إلى المفوضية في إضفاء شرعية على الإقامة المؤقتة للاجئين، وذلك حتى لا يصار إلى توقيفهم واحتجازهم. كما ينبغي أن يتمكنوا من العمل بصورة شرعية كي يعولوا أنفسهم وعائلاتهم فلا يصبحون عبئا على الدولة أو ينخرطون في نشاطات غير مشروعة.

ويوضح كافالييري: «لهذه الغاية تواصل المفوضية العمل مع الحكومة وأعضاء المجلس النيابي لإيجاد وسيلة تضمن الاعتراف باللاجئين في لبنان قانونيا، مع الأخذ في الاعتبار هواجس الحكومة اللبنانية بالنسبة للأمن وهواجسها وحاجتها الماسة لضبط حدودها». ويضيف: «المفوضية ناقشت على سبيل المثال تعديل القانون الذي ينظم دخول الأجانب وخروجهم، لاعتقادنا أنه ينبغي في المقام الأول عدم احتجاز اللاجئين وطلبي اللجوء لمجرد دخولهم أو بقائهم بصورة غير شرعية في لبنان، إذا لم يرتكبوا أي جرم».

ويشير كافالييري إلى أن «لبنان لا يمكنه استضافة اللاجئين بشكل دائم، لذا تسعى المفوضية إلى إيجاد حلول لهم خارج لبنان، أما من خلال إعادة توطينهم في بلدان أخرى أو من خلال عودتهم الطوعية إلى العراق». ويقول إن «المفوضية قامت منذ عام 2003 بإعادة توطين أكثر من 6500 لاجئ من لبنان في الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والسويد وبلدان أوروبية أخرى. وفي عام 2009 أعيد توطين أكثر من 2600 لاجئ، أي ضعف العدد الذي غادر في عام 2008، كذلك فإن المفوضية ملتزمة المحافظة على هذه النسبة في العام الحالي والعام المقبل». ويوضح أن «المفوضية تقوم بدلا من الحكومة اللبنانية بإجراء المقابلات التفصيلية لتحديد صفة اللجوء على طالبيه». وكانت المفوضية قد بدأت عام 2003 بالاهتمام بوضع اللاجئين العراقيين. وتم التفاهم في حينه مع الأمن العام اللبناني على منح اللاجئين بطاقة لجوء تتراوح مدتها بين 6 وأشهر و9 أشهر. لكن وضع العراق تغير بعد العام 2004 وبدأ تدفق اللاجئين بأعداد كبيرة، ولم يعد ممكنا الاكتفاء بالمدة المحددة بالبطاقة. وحاليا تسعى المفوضية إلى البحث عن حل دائم.

ومعروف أن حياة اللاجئين وطالبي اللجوء في لبنان صعبة. وللتخفيف من معاناتهم تعمل المفوضية في لبنان مع 5 شركاء من المنظمات غير الحكومية لإيصال مساعداتها الإنسانية إلى اللاجئين. وهي: «كاريتاس»، و«مجلس كنائس الشرق الأوسط»، و«ريستارت»، ومؤسسة «عامل»، وجمعية «عدل ورحمة». ويقول كافالييري إنه «يحق لجميع اللاجئين وطالبي اللجوء الاستفادة من المساعدات وفقا لحاجاتهم، إذ تقوم المفوضية بتمويل شركائها لمساعدة آلاف اللاجئين كل عام. ويعمل هؤلاء لضمان حصول اللاجئين على الغذاء والتعليم والتدريب المهني والتنمية الاجتماعية والرعاية الصحية، بما في ذلك تأمين الرعاية النفسية لضحايا العنف والتعذيب عبر مساعدتهم للحصول على الرعاية النفسية والعقلية».

وفي حين يعتبر اللاجئون ومعهم المنظمات الإنسانية غير الحكومية أن الدولة اللبنانية تلاحقهم ولا تعترف بحقوقهم، يشيد كافالييري بالتنسيق مع الوزارات المعنية، لا سيما وزارات التربية والصحة والشؤون الاجتماعية. ويقول إن «وزارة التربية قامت خلال العامين الماضيين بجهود كبيرة لضمان حصول جميع الأطفال اللاجئين على التعليم الأساسي، بعد جهود أثمرت تمكين جميع الأطفال اللاجئين لدى المفوضية دخول المدارس الرسمية. كما أن المفوضية تجري حاليا مناقشات بناءة مع وزارة الصحة لتمكين اللاجئين من دخول المستشفيات الحكومية». ويشدد على أن «العلاقات بناءة مع المديرية العامة للأمن العام، وهي النظير الحكومي الرسمي للمفوضية، غير أن غياب القوانين حول اللاجئين وطالبي اللجوء يعقد عمل المفوضية والحكومة معا».

وحول توقيف اللاجئين واحتجازهم يقول كافالييري إن «موقف المفوضية المبني على القانون الدولي للجوء واضح. وهو ينص على عدم سجن أي لاجئ أو طالب لجوء لمجرد دخوله أو بقائه بطريقة غير شرعية في لبنان، كما يجب حمايته من الترحيل القسري. جوهر المشكلة ومكمنها غياب أي قانون متعلق باللاجئين في لبنان. والقوانين القائمة حاليا حول الأجانب عامة لا تستثني اللاجئين. فبينما وفرت مذكرة التفاهم هامشا من الحماية، فإنها تبقى غير مثالية إذا لم تكن مصممة لتشمل هذا العدد الكبير نسبيا من اللاجئين وطالبي اللجوء، كما هو الحال بالنسبة للنزاع في العراق، كما أنها لا تتطرق إلى مبدأ عدم الاحتجاز».

وتهتم المفوضية بزيارة السجون ومراكز التوقيف وتطرح أسئلة على طالبي اللجوء لتعمل على إخلاء سبيلهم. ويقول كافالييري: «منذ يناير (كانون الثاني) 2009 تمكنا من إخلاء سبيل عدد كبير من اللاجئين وطالبي اللجوء. إنما هدفنا الأساسي معالجة جذور المشكلة».

ويبقى أن أصعب ما يمكن أن يواجه اللاجئ العراقي هو ترحيله قسرا بعد توقيفه بجرم الإقامة غير الشرعية. ولا بد من حين إلى آخر أن تثير جمعيات حقوق الإنسان قضية أحد الذين يتم ترحيلهم قسرا. ووفق تقرير صادر عن قوى الأمن الداخلي في أغسطس (آب) 2009، فإن 13% من المحتجزين في السجون اللبنانية هم من الأجانب الذين أنهوا عقوباتهم. كما يوجد اليوم في لبنان أكثر من 230 أجنبيا، بينهم 13 لاجئا، ممن أنهوا قضاء فترة أحكامهم ولا يزالون قيد الاحتجاز. وخلال الشهرين الماضيين، أصدرت المحاكم اللبنانية 4 أحكام، في 4 قضايا منفصلة لسجناء عراقيين ممن أنهوا فترات محكومياتهم، اعتبرت فيها استمرار الاعتقال إجراء غير قانوني لأنه لم يكن مبنيا على أي أوامر قضائية أو إدارية. وعلى الرغم من صدور هذه الأحكام، فإن جهاز الأمن العام أطلق سراح واحد فقط من السجناء الأربعة.

ويقول كافالييري: «وفقا لمعلوماتنا، هناك نحو 40 طالب لجوء في مركز توقيف الأمن العام. وفي كل ما يتعلق بالتوقيف القسري لدينا مواقف مبدئية ترفض التوقيف، والأمر يزداد سوءا عندما يكون التوقيف قسريا، لذا تعالج المفوضية كل حالة على حدة مع الأمن العام بطريقة ثنائية ومن دون ضجة إعلامية للتمكن من إطلاق سراح الموقوفين. ودائما يتم إطلاق سبيلهم. من جهة ثانية نعمل مع السلطات اللبنانية لتعديل القوانين. فالأجهزة تقوم بعملها وفق القانون. وهمنا أن نتمكن من إدخال الضمانات لحماية اللاجئين في إطار النصوص القانونية بحيث يحصل اللاجئ على ترخيص للإقامة بصفة شرعية، وإن كانت مؤقتة».