وزيرة خارجية موريتانيا: أعربنا لمالي عن تذمرنا من إفراجها عن إرهابيين

الناها بنت حمدي ولد مكناس في حوار مع «الشرق الأوسط»: اتخذنا قرارا سياديا بقطع العلاقات مع إسرائيل.. أما المزايدون فهم من أقاموا العلاقات

الناها بنت حمدي ولد مكناس (أ.ب.إ)
TT

الناها بنت حمدي ولد مكناس وزيرة خارجية موريتانيا، وهي أول امرأة تتولى رأس هرم الدبلوماسية في بلد عربي. وقد أبرزت بنت مكناس، من خلال تولي هذا المنصب، المؤهلات الهائلة التي تتوفر عليها المرأة العربية عموما والموريتانية خصوصا، ومدى قدرتها على تولي القيادة والوصول إلى الهدف بنجاح. ومنذ أن أمسكت وزيرة الخارجية الموريتانية بزمام الدبلوماسية في بلادها، تقضي أكثر من نصف وقتها على مقعد الطائرة، من أجل التعريف بموريتانيا في المحافل الدولية، وتعزيز علاقاتها، ونسج علاقات جديدة عجز عن ربطها من تولوا رسم السياسية الخارجية قبلها من إخوتها الرجال.

تمتاز دبلوماسية بنت مكناس بالتريث والتأني في اتخاذ القرارات، وأخذ الموقف المناسب بشجاعة وجسارة إذا كان الأمر يتعلق بسيادة أو مصلحة بلدها، لأن ذلك «أمر لا مساومة فيه» كما تقول.

وقد ساعد بنت مكناس على نجاحها في المهمة الصعبة المنوطة بها، علاوة على قدراتها الذاتية، ما كانت تستلهمه من والدها حمدي ولد مكناس، فهو أبو الدبلوماسية الموريتانية، إذ كان أول وزير للخارجية في ستينات القرن الماضي.

«الشرق الأوسط» التقت الناها بنت مكناس وحاورتها حول المواضيع المطروحة على الساحة السياسية في موريتانيا: حقيقة قطع العلاقات مع إسرائيل، والأزمة الموريتانية - المالية، وعلاقة موريتانيا مع إيران وتداعيات ذلك على علاقاتها مع الغرب... وإلى نص الحوار:

* ما الانطباع الذي يدور في ذهنك عندما تستحضرين أنك أول وزيرة خارجية في العالم العربي؟

- شخصيا أعتقد أن منصب وزيرة للخارجية في بلد عربي تشريف وتكليف في آن واحد، تشريف لأنها تندرج في طموح قيادة بلدنا الرامية إلى بناء «موريتانيا الجديدة» كما وردت في البرنامج الانتخابي للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وأرادت أن تشرك المرأة التي تمثل أكثر من نصف المجتمع في القرار السياسي، وتكليف في تقلد المرأة الموريتانية التي برهنت على مدى قدرتها وكفاءتها في تحمل مسؤوليات سامية في الدولة، لمواكبة التوجهات الجديدة في تكريس العمل السياسي المنسجم بما يتماشى مع متطلبات العصر وصيانة الموروث الثقافي لمجتمعنا المسلم وقيمه السمحة، بمعنى أن المرأة الموريتانية أضحت قادرة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، على غرار شقيقاتها في الدول العربية والإسلامية على المساهمة بشكل فعال في تحقيق هذه الأهداف على المستويات كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

* ما ظروف عملك في هذا القطاع «الرجالي» الصعب؟

- العمل الدبلوماسي، سيدي، كأي عمل في القطاع السيادي، عمل يرتكز أولا وأخيرا على توفر الإرادة في تنفيذ مقتضيات وأهداف سياسة قادرة على تفعيل دور موريتانيا داخليا وخارجيا، وخلق ديناميكية جديدة تؤسس لشراكة حقيقية وفاعلة مع الأشقاء والأصدقاء، مع مراعاة الثوابت الموضوعية لعلاقات تعاون بنّاء في إطار الاحترام المتبادل وسيادة القرار.

* ما طبيعة السياسة الخارجية التي تنتهجها موريتانيا في الوقت الحالي؟ هل هي استمرار للنهج الذي كان متبعا في العهود السابقة، أم طرأت عليها ميكانزمات جديدة؟

- وعيا مني بضرورة التكامل بين الدول والشعوب، فإن موريتانيا تجدد تمسكها باتحاد المغرب العربي خيارا استراتيجيا لشعوب المنطقة، كما تؤكد تشبثها بالعمل العربي المشترك، ضمن جامعة الدول العربية، وبالتكامل في إطار الاتحاد الأفريقي، وبأهداف ومبادئ الأمم المتحدة. ستسخر دبلوماسيتنا للدفاع عن مصالح الشعب الموريتاني في إطار الاحترام المتبادل بين موريتانيا والدول الشقيقة والصديقة.

* ترتبط موريتانيا بعلاقات مع بعض البلدان الآن، لم تكن موجودة في عهود الأنظمة السابقة، لأنها لا تتماشى سياستها مع علاقات موريتانيا التقليدية، مثل العلاقة مع إيران. ألا تخشين من أن يؤثر ذلك سلبا على علاقتكم مع الغرب عموما وواشنطن بالخصوص؟

- علاقاتنا بالأشقاء والأصدقاء علاقات متوازنة مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل والتقارب بين الشعوب وخدمة التنمية، وليست بالضرورة علاقات على حساب هذا الطرف أو ذاك.

* بعد مضي أكثر من سبعة أشهر على توليك رأس الدبلوماسية الموريتانية الذي لقي ترحيبا دوليا واسعا، ما أهم إنجازاتك في هذه الفترة، ومشاريعك المستقبلية؟

- لقد استطعنا بعون الله وعزمنا الصادق في تفعيل سياستنا الخارجية من توسيع آفاق عملنا الدبلوماسي واستثمارها في ما يخدم مصالح شعبنا، وينسجم مع المواثيق والأعراف الدولية. وسنواصل العمل، إن شاء الله، في هذا الاتجاه سبيلا إلى تحقيق الأهداف المحددة والتطلعات المنشودة في تكريس دبلوماسية نشطة تواكب التطور الحاصل في البلد على كافة المستويات، وبالخصوص على صعيد تكريس الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبتوجيهات من رئيس الجمهورية وفقت موريتانيا في استعادتها مكانتها في محيطها المباشر من خلال تفعيل العمل المغاربي، وكذلك التعاون الأفريقي والعربي الأفريقي (انتخبت موريتانيا عضوا في مجلس السلم والأمن الأفريقي، كذلك اللجنة الدائمة للتعاون العربي الأفريقي)، كذلك حضور موريتانيا الفاعل في الشرق الأوسط لدعم الجهود العربية لمواجهة التعنت الإسرائيلي، عبر سياسات الاستيطان ومحاولات تهويد القدس، والوقوف بالمرصاد لها حتى تتوفر الظروف الملائمة لسلام يضمن للشعب الفلسطيني حقه المصيري في إقامة دولة مستقلة وكاملة السيادة عاصمتها القدس الشريف. ومن جهة أخرى أعطت دبلوماسيتنا عناية كبيرة للبعد التنموي من خلال استعادة ثقة الممولين وتفعيل التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف مع شركائنا في التنمية.

* أعلنت، مؤخرا، عن قطع نواكشوط لعلاقاتها مع تل أبيب بشكل تام ونهائي، لكن المعارضة تقول إن ذلك «مجرد خدعة إعلامية»، وتصر على أن الإسرائيليين ما زالوا موجودين في موريتانيا يزاولون عملهم، وبالتالي فإن العلاقة ما زالت موجودة لكنها بشكل مختلف. ما موقفك؟

- لقد اتخذت الجمهورية الإسلامية الموريتانية قرارا «سياديا» في وقته. أما المزايدون من المعارضة فهم من أقام هذه العلاقات أيام كانوا في السلطة.

* ما حقيقة الأزمة بين موريتانيا وجمهورية مالي، وتداعياتها على مستوى العلاقات بين البلدين؟

- علاقاتنا بدول الجوار، ومن بينها مالي علاقات صداقة وتعاون واحترام متبادل، وهناك تنسيق وتشاور مستمر بين البلدين في مجالات عدة، ومن بينها المجال الأمني الذي تعتبر محاربة الإرهاب من محاوره الرئيسية، لذلك أعربنا للمسؤولين الماليين عن تذمرنا من إفراجها عن مجموعة من الإرهابيين - خرقا للاتفاقيات المشتركة - كانت تحتجزهم، ومن بينهم موريتاني مطلوب من قبل العدالة.

* هل ما زالت موريتانيا تعتبر باماكو حليفا استراتيجيا في مكافحة الإرهاب؟

- موريتانيا تعي حجم التحدي الأمني وضرورة اتخاذ ما يلزم لمواجهة ظاهرة الإرهاب التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، وستواصل العمل مع كل الأطراف لمحاربة الإرهاب وكل أنواع الجريمة المنظمة، وتأمين الأمن لمواطنيها لدفع التنمية والرفع من المستوى المعيشي للسكان الذي يظل من أولويات سياساتنا الحكومية.

* ما موقفكم من الدعوة التي وجهها الرئيس المالي توماني توري إلى موريتانيا لحضور قمة رؤساء دول الساحل حول السلم والأمن والتنمية، التي من المحتمل استضافة مالي لها، في القريب العاجل؟

- أعتقد أن الحديث في الوقت الراهن عن قمة لم يتحدد موعدها ولا التحضير لها، سابق لأوانه.

* يقال إن هناك تنسيقا بين موريتانيا والجزائر حول منع باماكو من استضافة هذه القمة، ما ردك؟

- علينا أن نركز على ما هو أهم، بعيدا عن كل مزايدة.

* كلمة أخيرة.

- لا تنمية دون استقرار، ومن حق شعوبنا أن تحظى بنصيبها في العيش الكريم وتكون قادرة على التطور في ظل الاستقرار والأمن، وهذا حق طبيعي ومشروع نستلهمه من مقومات البرنامج الذي تبناه رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، ونعمل على تكريسه على أرض الواقع.