ساركوزي يعاقب وزيرته السابقة داتي «لوقوفها وراء شائعات مشكلات زواجه»

الرئيس الفرنسي يسعى لإنقاذ شعبيته.. وحكومته تريد تشديد شروط الهجرة

رشيدة داتي خلال زيارتها بغداد في 7 مارس الماضي (إ.ب.أ)
TT

بعد رحلته الأميركية حيث جال مع نظيره الأميركي باراك أوباما على ملفات العالم وبؤره الساخنة، من الملف النووي الإيراني إلى أفغانستان وباكستان والشرق الأوسط و«إصلاح» النظام الرأسمالي، عاد الرئيس الفرنسي إلى باريس ليجد في انتظاره مشكلاته الداخلية المحبطة: الهبوط المستمر في شعبيته، والتململ داخل أكثريته النيابية، والإحباط في أوساط حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم بعد هزيمة الانتخابات الإقليمية، وانقطاع التواصل بينه وبين الفرنسيين. وبالمقابل، أخذ المعسكر المقابل يحضر نفسه للاستحقاقات القادمة الرئاسية والنيابية. ومن المؤشرات على ذلك القبول المتنامي لفكرة تقديم مرشح واحد منذ الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية عن الحزب الاشتراكي والبيئويين، وعودة اليسار لاحتلال واجهة الجدال السياسي منطلقا هذه المرة من دعوته لإلغاء ما يسمى «الحزام المالي» الذي تستفيد منه القلة الغنية من الفرنسيين والذي يحدد سقف ما يمكن أن تستوفيه الدولة من ضرائب بـ50% من العائدات.

ومن الدلائل التي لا تخطئ على حالة «العصبية» التي تهيمن على القصر الرئاسي «العقاب» الذي أنزل بوزيرة العدل السابقة رشيدة داتي، التي كانت في بداية عهد ساركوزي «واجهة الانفتاح والتعددية» لنظام ساركوزي الذي قام بما لم يقم به أي رئيس من قبله عندما أوكل لداتي المتحدرة من أبوين مغاربيين وزارة سيادية هي وزارة العدل. وأفادت تقارير إعلامية بأن ساركوزي قرر معاقبة داتي النائبة في البرلمان الأوروبي ورئيسة بلدية الدائرة السابعة في باريس، بسبب وقوفها وراء الشائعات الأخيرة عن مشكلات زواجه مع كارلا بروني، وأيضا بسبب انتقادها ضمنيا لسياساته عبر دعوتها إلى العودة إلى «القيم الأساسية» لليمين الفرنسي.

وبحسب صحيفة «لو كنار أونشينيه» الساخرة في عددها الأخير، فإن ساركوزي أمر مدير عام الشرطة بسحب رجال الأمن الأربعة الذين كانوا يؤمنون حماية داتي وكذلك حرمانها من سيارة الوظيفة التي كانت موضوعة في تصرفها لكونها وزيرة عدل سابقة. وبحسب الصحيفة المذكورة، فإن الأمر الرئاسي نفذ في الحال ولم تنجح داتي التي كانت في مرحلة من المراحل مقربة جدا من ساركوزي إلا بالاحتفاظ بها لليلة إضافية فقط.

إزاء التمزقات التي تعرفها الأكثرية النيابية، استدعى ساركوزي نواب حزبه والنواب المتحالفين معه إلى قصر الإليزيه الليلة قبل الماضية، أي مباشرة عقب عودته من واشنطن، فحضر 265 منهم. وخلال تسعين دقيقة، سعى الرئيس الفرنسي، وفق الروايات التي نقلت عن اللقاء، إلى إعادة تعبئة أكثريته بالتأكيد على استمراره في الخط السياسي والإصلاحي الذي نهجه منذ بداية عهده. ورفض ساركوزي إلغاء أو تعليق «الحزام المالي» بحجة «الثبات» وصوابية التدبير من الناحية الاقتصادية ورفض الضغوط. غير أن الأهم الذي حاول ساركوزي تحقيقه هو إعادة اللحمة والانسجام إلى داخل المجموعة التي بدت فيها التشققات والشكوك. وعلى الرغم من مساعي الإليزيه، فإن 13 نائبا من اليمين تقدموا بمقترح قانون إلى البرلمان لإلغاء التدبير المالي الذي يستفيد منه نحو 16 ألف شخص وحجتهم أنه في زمن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فإنه «من غير المفهوم ولا المقبول» إعطاء امتيازات ضريبية ومالية لهذه الفئة المختارة. وتفيد استطلاعات الرأي أن 65 في المائة من الفرنسيين يريدون وضع حد لهذا التدبير.

ويبدو واضحا للمراقبين أن عهد ساركوزي الأول الذي ينتهي في مايو (أيار) 2012، قد دخل في «مطبات» هوائية خطيرة، فشعبيته وصلت إلى الحضيض حيث إن استفتاء مجلة «لو فيغارو ماغازين» الذي ينشر اليوم يفيد بأن 28 في المائة فقط من الفرنسيين «يثقون» في ساركوزي، بينما 70 في المائة منهم «لا يثقون فيه». ودعا الرئيس الفرنسي إلى «عدم فتح معركة الرئاسة اليوم»، لأن ذلك يعني «الانقسام والتشرذم». وثمة قناعة قوية أن ساركوزي سيترشح لولاية ثانية ومصلحته السياسية تكمن في تفادي تكاثر المرشحين يمينا، علما بأنه من المرجح أن يخوض رئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان المعركة الرئاسية، بينما قال رئيس الوزراء الأسبق ألان جوبيه إنه سيخوض المنافسة إذا امتنع ساركوزي عن الترشح.

وعلى صعيد أوسع، يسعى ساركوزي إلى إعادة تعبئة ناخبي اليمين الذين تركوه للالتحاق مجددا إما باليمين المتطرف أو باليسار أو فضلوا مقاطعة الانتخابات. ومن هذه الزاوية يتعين فهم استعجال الحكومة لسن قانون يمنع ارتداء البرقع. ولم يعرف بعد ما إذا كان سيقتصر على المكاتب الرسمية أم بعض الأماكن العامة أم أنه سيكون شاملا. كذلك يتعين استيعاب مشروع القانون الجديد الذي قدمه وزير الهجرة والهوية الوطنية أريك بيسون إلى مجلس الوزراء أول من أمس لغرض تشديد شروط دخول وإقامة الأجانب في فرنسا، خصوصا الذين يصلون منهم إلى البلاد بطريقة غير شرعية. وهذا القانون هو الخامس الذي يقدم خلال السنوات الخمس الأخيرة. وينص أحد بنود القانون المقترح على ربط ارتداء البرقع بالحصول على الجنسية أو على تأشيرة الإقامة على الأراضي الفرنسية. وتريد الحكومة تسهيل شروط ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى البلدان التي قدموا منها وتخفيف القيود القانونية التي تكبل أيدي أجهزة الأمن. ويفرض مشروع القانون عقوبات مشددة على أرباب العمل الذين يشغلون أجانب غير حاصلين على الإقامة وإذن بالعمل في فرنسا.