السودان: مرشحو رئاسة يقررون مقاطعة الانتخابات ويبدون استعدادهم للتراجع

المبعوث الأميركي ينخرط في مباحثات واسعة في الخرطوم ويصر على قيامها في مواعيدها

المبعوث الأميركي لدى السودان سكوت غريشن يصل الى الخرطوم أمس لاجراء محادثات مع احزاب المعارضة (أ.ف.ب)
TT

خلط قرار الحركة الشعبية لتحرير السودان بسحب مرشحها للسباق الرئاسي في الانتخابات المقبلة أوراق القوى السياسية المعارضة في البلاد، وشهدت العاصمة الخرطوم لقاءات مكوكية بين قيادات هذه القوى لتحديد قرارها النهائي من الانتخابات، وفشلت القوى السياسية أمس في اتخاذ القرار النهائي بشأن الانتخابات.

وجاء في بيان صادر من «تضامن مرشحي الرئاسة» بعد اجتماع عقده أمس أن «أغلبية من حضروا من مرشحي الرئاسة قرروا مقاطعة انتخابات الرئاسة مع استعدادهم لمراجعة الموقف إذا توافرت الشروط المطلوبة لنزاهة الانتخابات واستقلال المفوضية». ولم يتسن معرفة المرشحين الذين قرروا المقاطعة. وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن أغلب مرشحي الأحزاب السياسية قرروا، فعلا، الانسحاب من السباق، فيما سيخوض الانتخابات الرئاسية مرشحون مستقلون، وأشارت إلى تحفظات وسط القوى بشأن إعلان القرار «تفصيلا». فيما انخرط المبعوث الأميركي للسودان أسكوت غرايشن في مباحثات متصلة مع المسؤولين في الحكومة والقوى السياسية في محاولة منه إقالة عثرة الانتخابات. ونقل عن المسؤول الأميركي «إصرار بلاده على إقامة الانتخابات في موعدها المضروب».

وقال بيان صادر من مجموعة من مرشحي الرئاسة باسم « تضامن مرشحي الرئاسة» أمس إن 9 من مرشحي الرئاسة أكدوا بالإجماع انحياز مفوضية الانتخابات الحزبي وتفشي الأساليب الفاسدة في هذه العملية الانتخابية وإن التأجيل مطلوب لحل المشكلات، التي تحول دون انتخابات عامة وحرة ونزيهة. وقال البيان إن ياسر عرمان أكد في الاجتماع أن موقفه من مقاطعة انتخابات الرئاسة بناء على الحيثيات السابقة لا رجعة فيه. وقرر أغلبية الحضور مقاطعة انتخابات الرئاسة مع استعدادهم لمراجعة الموقف إذا توافرت الشروط المطلوبة لنزاهة الانتخابات واستقلال المفوضية. وأبدى بعض الحاضرين أنهم رغم تأييدهم لما ورد أعلاه فإنهم سوف يخوضون الانتخابات. وذكر البيان أن «هيئة تضامن مرشحي الرئاسة سوف تصدر لاحقا بيانا بأسماء الأشخاص وتحديد مواقفهم، علما أن التضامن سوف يستمر لكشف الأساليب الفاسدة».

وشملت لقاءات المبعوث الأميركي غرايشن من الحكومة نافع علي نافع مساعد الرئيس السوداني، والدكتور غازي صلاح الدين مستشار الرئيس ومسؤول ملف دارفور في الحكومة، ومن القوى السياسية محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، ود. حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي، ووفد من حزب الأمة القومي، ومبارك الفاضل رئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد.

وقال الميرغني للصحافيين إن موقف حزبه من المشاركة أو مقاطعة الانتخابات ما زال «محل بحث»، وأضاف: «سننتظر ما سيخرج به اجتماع مرشحي الرئاسة لرفضه أو قبوله»، وأشار الميرغني إلى أنه تداول مع غرايشن وجهات النظر حول وحدة السودان والتحول الديمقراطي، وقال الميرغني: «أبلغناه أن اتفاقية السلام تطالب المجتمع الدولي بتعزيز عملية السلام»، ولفت إلى أن هذا ما لم يحدث. وأوضح الميرغني أنه طلب من الرئيس عمر البشير الاجتماع برؤساء الأحزاب، وأضاف أنه إن كانوا على صواب يقره وإن كانوا على خطأ يردهم عنه.

من ناحيته، أكد الترابي للصحافيين أن غرايشن وقوى أخرى في أوروبا يريدون إجراء الانتخابات في «مجالها»، وأضاف، هذه القوى ترى أن قضية دارفور فات الأوان لحلها، وأشار إلى أن غرايشن قال إنه يمكن الآن أن يستدرك مع المفوضية والحكومة ما سماها ببعض العلل، وقال الترابي إن غرايشن طلب أن نطلعه على هذه العلل حتى يحاول أن يضغط ما أمكنه لمعالجتها. وأضاف: «نريد أن ندخل الانتخابات حتى ولو كانت معيبة.. شيء خير من لا شيء» وزاد: «هذه العيوب محتملة»، وتابع: «نحن الآن تمتعنا بحرية لا نريدها أن تتوقف». وقال: «حتى في أميركا، لا توجد انتخابات عادلة». وأشار إلى أن الحركة لم تخطر الأحزاب قبل إعلان موقفها الأخير، وقال: «إن معظم قواعدها في الشمال»، وقال: «ربما تصوت للبشير أو لغيره». وأضاف: «إن بعض قياداتها تريد للمؤتمر الوطني أن يبقى بشكله الحالي حتى تشجع للانفصال»، وتابع: «لكن ما بيننا وبين الحركة لم ينبت، لأن ننسق مع بعضنا البعض، ولسنا حزبا واحدا حتى لا يكون الاختلاف واردا».

وقال الترابي في تصنيف لأوزان عدد من الأحزاب، إنها حجبت عن قواعدها مدة طويلة وأضاف: «لا توجد علاقة ميكانيكية بينها وبين جمهورها»، وزاد: «إن قواعد حزبنا تبلغ 940 ألفا، وحزب الأمة أكثر منا بقليل والاتحادي أكثر».

من جهته قال مبارك الفاضل: «تحدثنا مع غرايشن عن ضعف المفوضية وعدم حياديتها»، وأضاف: «أوضحنا له أن الانتخابات بشكلها الحالي ستعقّد أزمة الحكم في السودان وستمكن المؤتمر الوطني من إعادة إنتاج نفسه من خلال الشرعية الانتخابية»، وأشار إلى أنه طالب غرايشن بالدفع في اتجاه تأجيل الانتخابات، إلا أنه أوضح أن غرايشن قال إنهم يرون أن تأجيل الانتخابات لا يفيد ولا يتسع الوقت لمعالجة كل القضايا، وأضاف غرايشن، حسب الفاضل: «يمكن معالجة بعض القضايا أثناء العملية الانتخابية، بجانب أنه يمكن إجراء انتخابات جزئية في دارفور ويتم (ترقيع) الوضع في ما بعد بالتعيينات».

وفي ما يتعلق بموقف سحب عرمان من الترشح لرئاسة الجمهورية، قال الفاضل: «إن الحركة لم تذهب بعيدا عن ما يدور بيننا»، وقال: «إن الأيام المقبلة ستكشف عن اتفاق للقوى السياسية مع الحركة في ما يتعلق بمنصب الوالي وبعد الدوائر القومية والولائية».

ونفى عرمان وجود أي صفقة مع الوطني وراء الانسحاب، وقال: «سنقف مع قوى المعارضة». ووصف تمسك الوطني بالانتخابات بأنه يقود لما لا يحمد عقباه، وأضاف بأنه يتحمل نتيجة دفعه للجنوب نحو الانفصال.

وأبدى أحمد إبراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني (البرلمان) دَهشته لانسحاب عرمان، واعتبره نوعا من الإحساس بالهزيمة، وقال إنه مندهش للقرار لعدم وجود أي مبرر، وقال: «إلا إذا كان إحساسا بهزيمة المرشح»، وأضاف أن الانتخابات قامت باتفاق القوى السياسية، وأن الانسحاب نوع من الانهزام أمام الشعب، لكنه قال إن هذا القرار لن يؤثر في موقف الشعب في التصويت، وزاد بأنه قرار يخص الجهة التي أصدرته. وقال الطاهر، إن أي مرشح له الحق في الانسحاب، ولكن هناك فترة زمنية يكون فيها لهذا الانسحاب أثر، ويشطب اسم المرشح من القائمة ويختفي، وأضاف أن هذه المدة انتهت ودخل المرشحون في فترة ما قبل التصويت، ولذلك سيظل اسمه في قائمة المرشحين. ونصح الطاهر أحزاب جوبا بالانسحاب إذا أرادت حفظ ماء وجهها ولتحفظ وجودها في الساحة السياسية، لأن الانتخابات ستكون نهايتها. غير أن فتحي شيلا، أمين الإعلام بحزب المؤتمر الوطني، اعتبر أن الحركة الشعبية لا تزال مُلتزمة باتفاق السلام الشامل ما دام أنها لم تنسحب من الانتخابات.

في غضون ذلك، كرر الرئيس عمر البشير أن الانتخابات ستقوم في موعدها في أبريل (نيسان) الحالي، في لقاء جماهيري في مدينة الرصيرص أمس، وشن هجوما عنيفا على المعارضة، وقال إنهم سعوا إلى عدم إقامة الانتخابات عندما شككوا في مفوضية الانتخابات وقالوا إنها تحولت منتمية إلى حزب المؤتمر الوطني، ثم لجأوا إلى «أسيادهم الأميركان للحصول على التأجيل وعندما وجدوا خلاف ذلك قالوا إن الأميركان أيضا مؤتمر وطني».

وكان البشير أمام أنصاره في حشد بمدينة الكرمك بولاية النيل الأزرق جنوب الخرطوم بتنفيذ بنود اتفاقية السلام كافة، التي من بينها قيام انتخابات تتسم بالشفافية والحيادية والنزاهة، مبينا أن السلام أصبح الآن واقعا معيشا، وجدد التأكيد على عدم العودة للحرب مرة أخرى. وشدد على أن الشرطة القومية هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن تأمين الانتخابات ومواقعها، وقال إن الشريكين، حزبه المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في النيل الأزرق برئاسة مالك عقار، اتفقا على كفالة حرية الممارسة الديمقراطية للمواطنين كافة في الانتخابات باختيار من يلبي أشواقهم ويحقق طموحاتهم. وقال البشير إن شعار المؤتمر الوطني هو الشجرة، وإنه اختار مرشحا واحدا في مستوياته كافة ليمثله، وإن مرشحه لمنصب والي النيل الأزرق هو فرح إبراهيم العقار، الذي يشهد له المؤتمر بكفاءته ونزاهته وحسن إدارته.

فيما قال حاج ماجد سوار، أمين التعبئة السياسية بحزب المؤتمر الوطني، في لقاء انتخابي في منطقة قدو شمال الخرطوم، إن حزبه يستعد لدفن المعارضة في «مقبرة جماعية».، وشدد على أن حزبه يرفض أي دعوة لتأجيل الانتخابات، وقال: «كمين بسيط لمسيرة حزبه، سيتجاوزها في أول أيام الاقتراع»، وأضاف أن حزب المؤتمر الوطني سيكتسح الانتخابات بالولاية الشمالية.