استمرار وجود الجيش الباكستاني في سوات يثير تساؤلات حول الحكومة المدنية

شعبية واسعة له بعد إعادة بناء الطرق والمدارس والمكتبات والتخطيط لزرع مليون شجرة

جندي باكستاني يساعد أطفالا صغارا على عبور أحد شوارع مدينة سوات (واشنطن بوست)
TT

عمليا، انتهت العملية العسكرية لتطهير وادي سوات الباكستاني من متمردي الصيف الماضي، لكن حتى مع عودة الحياة إلى المنطقة مرة أخرى لا تزال بصمات الجيش موجودة في كل مكان، حيث يقوم بإعادة بناء الطرق والمدارس والمكتبات، وتزويد معاهد التدريب المهني النسائية بأجهزة الحاسب، وتوفير الإنارة للشوارع في القرى، والتخطيط لزرع مليون شجرة في الإقليم، مما أكسب الجيش شعبية واسعة، لكن البعض تساءل حول سبب عدم قيام الحكومة المدنية بذلك.

وقال ضياء الدين، المعلم والمتحدث باسم اللجنة الوطنية لسوات (منظمة مجتمعية مدنية) «كانت مهمة الجيش تتمثل في تطهير المنطقة وعودة الهدوء إليها. لكن البناء مهمة الحكومة المدنية.. فإلى متي سنواصل الاعتماد عليهم؟».

وقد تباينت التفسيرات بشأن اضطلاع الجيش بدور الصدارة في المنطقة. فيرى بعض المسؤولين العسكريين الأميركيين والباكستانيين أن الحكومة الباكستانية تعاني من حالة متأخرة من الفساد والبيروقراطية التي تحول دون استغلالها للتقدم الذي حققه الجيش في توفير حياة معيشية وخدمات أفضل. فيما يرى آخرون أن الجيش معتاد منذ أمد بعيد على السيطرة على مقاليد الأمور ولن يتخلى عنها مع ازدياد شعبيته. فيما يشير مسؤولون عسكريون باكستانيون إلى أنهم يهدفون من وراء ذلك إلى الحيلولة دون تمكن المتمردين من الحصول على موطئ قدم لهم مرة أخرى في الإقليم. وكانت النجاحات العسكرية الباكستانية التي حققها الجيش خلال العام الماضي في محاربة المقاتلين الإسلاميين في سوات والمنطقة القبلية النائية في جنوب وزيرستان قد لقيت ثناء واسعا من المسؤولين الأميركيين. لكن في الوقت ذاته أشار بعض الخبراء الأميركيين والباكستانيين إلى أن استمرار الوجود العسكري في المنطقة يبعث على القلق لأنه يقيد القوات التي قد تكون هناك حاجة إليها للقتال في أماكن أخرى، ويثير الكثير من التساؤلات حول جهود الدولة في النهوض من عقد من الحكم العسكري.

وقال رفعت حسين، أستاذ الدراسات الدفاعية والأمنية في إسلام آباد «إنهم يحملون البنادق في الوقت الذي يحملون فيه الجواريف. وهو ما يرسل بإشارات خاطئة. فالمدنيون يعتمدون بشكل كامل على الجيش».

وقد عادت المكاتب الحكومية إلى العمل، وأوضح نعيم أختار، المسؤول المحلي البارز، أن المسؤولين خفضوا نسبة كبيرة من قضايا المحاكم، وحصروا 10.000 منزل ومتجر تعرضت للدمار، ويخططون لتوزيع مليون دولار على شكل إعانات للعائلات والأفراد الذين نجوا من الهجمات الإرهابية. وقال أختار «تقوم الحكومة بالعمل في كل زاوية في المنطقة ككل». بيد أن المحللين الأمنيين يقولون إن الحفاظ على المنطقة من التمرد لا يتطلب عودة الحكومة المحلية إلى العمل، بل يحتاج إلى تطويرها، وهو ما يبعث على القلق. خارج أحد المباني الحكومية، سارع إحسان الدين الخطى يحمل ملفا يكتظ بالأوراق. فقد أصيب في تفجير إرهابي في فبراير (شباط) 2009 وقضى شهورا يجهز الأوراق للحصول على التعويض، لكنه لم يجد سوى التنقل من مكتب إلى آخر. وقال الشاب الغاضب وهو يلوح بهاتفه الجوال الذي قال إنه سيبيعه كي يطعم عائلته: «فساد، فساد، فساد، فساد، فساد».

من بين 401 مدرسة تعرضت للقصف أو التخريب من قبل المتمردين قام الجيش لا الحكومة بإعادة بناء نصفها، كما قدم الخيام المؤقتة لعشرات المدارس الأخرى. وتشير بعض التقديرات إلى أن الجيش نفذ أكثر من 90% من عمليات البناء والتجديد، في قائمة من الطول بحيث استغرقت من الجنرال أختار عباس المتحدث باسم الجيش 20 دقيقة كي يقرأها. وقد أقام الجيش عيادات متنقلة في المناطق الريفية التي لا تملك مستشفيات حكومية. كما يقف قوات الجيش إلى جانب رجال الشرطة على نقاط التفتيش، كما يقوم الجيش باستقبال وتدريب مجندي الشرطة. ومع وجود 50.000 جندي في سوات، يفوق عدد الجنود الموجودين بالإقليم الآن عدد الجنود خلال الحملة العسكرية.

ويقول الجيش إنه سيغادر المنطقة فور طلب الحكومة المحلية ذلك. وقال أودين، الناشط المدني، إن استمرار الوجود العسكري في المنطقة أدى إلى وجود توترات مع العمال التابعين للحكومة المحلية الذين شكوا سرا من اغتصاب الجيش لسلطاتهم عبر «التدخل في كل شيء، في محاولة لفرض الاعتماد عليهم».

وفي وزيرستان، يقول المسؤولون إنهم يقومون بتعزيز المؤسسات المدنية. فيقول طارق حياة خان، وزير القانون والنظام في المناطق القبلية، إن الحكومة الفيدرالية تعهدت - على الرغم من عدم تنفيذ ذلك بصورة كلية - بتقديم ملايين الدولارات لخطة ما بعد العمليات، لمنع تحول السكان من أن يكونوا مرتزقة للمتمردين، وستشمل الخطة إنشاء معاهد تدريب مدني وتعزيز الشرطة المحلية وبناء الطرق.

لكن في كل من سوات وجنوب وزيرستان، يدرك الكثيرون السر وراء عدم التسرع في انسحاب قوات الجيش. ففي مدينة مينغورا يقول المسؤولون المدنيون إن الجيش يوفر الأمن الضروري ويقوم بعمليات إعادة الإعمار التي قد لا تجد تمويلا آخر. وقال مسؤول رفيع في الجيش الباكستاني متحدثا عن نظرائه في الحكومة المدنية «عندما نقدم لهم عملا يعجزون عن القيام به بسبب الفساد».

وقال محمد سعيد، مدير مدرسة في قرية شاموزاي، متحدثا عن عملية إعادة الإعمار التي قام بها الجيش لمدرسته وتجديد أثاثها «لقد قاموا بذلك في شهرين فقط، وأعتقد لو أن الحكومة اضطلعت بهذا الأمر لاستغرق عشر سنوات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»