تقاوم المجتمع الذكوري في كمبوديا متسلحة بما تعلمته في أميركا

برلمانية أرادت مقاضاة حاكم البلد المستبد فرد عليها برفع حصانتها ودعوى مضادة

مو سوتشوا
TT

في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، تعلمت مو سوتشوا، خلال السبعينات من القرن الماضي، وكانت حينها مراهقة خجولة هربت من الحرب في كمبوديا، متعة التعبير عما يدور في خلدها. كانت ابنة لتاجر ثري في العاصمة بنوم بنه، وكانت قد ذهبت إلى الغرب في الثامنة عشرة من عمرها للدراسة ولتكون في مأمن من القتال الذي جلب الخمير الحمر إلى سدة الحكم.

وتقول سوتشوا: «عندما وصلت إلى سان فرانسيسكو، عرفت أنها مدينتي. وبدأت أبرز، وتركت شعر رأسي ينمو. كنت أبدو مثل الهيبي». وتضيف أنها تعلمت اللغة الإنجليزية من خلال الاستماع إلى فرقة «البيتلز».

حصلت سوتشوا على درجة الماجستير في العمل الاجتماعي من بيركلي، وغيّر ذلك من طبيعتها كامرأة كمبودية تقليدية مذعنة إلى امرأة تعرف حقوقها ولا تشعر بالخجل عند مطالبتها بها. وهذه هي المشكلة التي لديها حاليا على ضوء أنها المرأة الأبرز داخل البرلمان، التي تقود المعارضة السياسية داخل البلاد وتروج لحقوق المرأة داخل مجتمع ينتظر من المرأة فيه المشي والتحدث باحترام لائق.

وقالت سوتشوا خلال مقابلة أجريت معها مؤخرا هنا في جنوب كمبوديا: «يجب أن أتوخى الحذر، وأن لا أبالغ، ويجب أن أكون حريصة جدا بخصوص ما أجلبه من الغرب، وأن أروج لحقوق المرأة في إطار المجتمع الذكوري. ينظر إلى ذلك في كمبوديا على أنه حركة تدعو إلى تحرير المرأة، ودعوة للمساواة بين الجنسين. ويمثل ذلك تحديا أمام الثقافة وتحديا للرجال».

تضع سوتشوا ذلك في حساباتها خلال جولاتها عبر قرى مقاطعة كاندال، فهي ذات نفوذ، ولكنها ما زالت امرأة. وتقول: «أدخل المقهى، ويكون علي التفكير مرتين في الطريقة التي أكون بها مؤدبة تجاه الرجال. علي أن أسأل هل يمكنني الدخول».

تنتمي سوتشوا إلى جيل جديد من القيادات النسوية، التي تشق طريقها داخل النظم السياسية في دول في آسيا وفي أماكن أخرى، بدءا من المجالس المحلية إلى المجالس الوطنية ومناصب وزارية. عندما كانت تتولى منصب وزيرة شؤون المرأة، بذلت جهودا من أجل وضع قضايا المرأة على أجندة دولة كانت تتشكل في التسعينات بعد عقود من الحرب وعمليات القتل الجماعية. وخلال 6 أعوام قضتها في الوزارة، قامت سوتشوا بحملات ضد إساءة معاملة الأطفال واغتصاب الزوجة والعنف ضد المرأة والإتجار في البشر واستغلال العاملات. وساعدت على صياغة قانون منع العنف الأسري. وتقول إن «المواطنين على دراية بقضايا الجنس، وأصبحوا يعلمون أن النساء لهن حقوق»، وأشارت إلى أن ذلك يعود جزئيا إلى الجهود التي تقوم بها.

ولكنها خسرت منصبها في عام 2004 عندما نأت بنفسها عن الحكومة وانضمت إلى حزب سام رينسي المعارض، وترى أن من الصعب حاليا الترويج لأفكارها، كما هو صعب جذب الانتباه إليها كمرشحة.

وكما هو الحال مع الشخصيات المعارضة والمنشقة في الكثير من الدول، وجدت عبئا جديدا على كاهلها، حيث تناضل من أجل الحصول على حقوقها. ومع ازدياد الضوء المسلط عليها، أصبحت مواقفها السياسية ترتبط بالمسؤولية السياسية أكثر من النوع. وفي وقت قريب، دخلت في قضايا تشهير مع رئيس الوزراء المسيطر داخل البلاد، هون سين، وقد كانت الخاسرة، وهو الأمر الذي لم يفاجئ أحدا. بدأ الأمر في أبريل (نيسان) الماضي داخل مقاطعة كامبوت، عندما أشار رئيس الوزراء إليها بعبارة «تشيونغ كلانج» (أقدام قوية)، وهي عبارة مهينة للمرأة في كمبوديا.

رفعت دعوى قضائية، فقام رئيس الوزراء بتجريدها من حصانتها البرلمانية، ورفع دعوى قضائية مضادة ضدها. وتم رفض قضيتها داخل المحاكم المسيسة. وفي 4 أغسطس (آب)، اتهمت بالتشهير ضد رئيس الوزراء، وفرضت عليها غرامة تقدر بنحو 4 آلاف دولار رفضت دفعها. وتقول: «في الوقت الحالي، لا أعرف هل سيتم حبسي، لن أدفع الغرامة، فبدفعي هذه الغرامة أقول للنساء داخل كمبوديا: ما هي قيمتكم؟ يمكن للرجل وصفكم بأي شيء يريده ولا يمكنكم فعل أي شيء».

كانت مو سوتشوا في كاليفورنيا عندما تولى الخمير الحمر السلطة في كمبوديا عام 1975 وبدأوا عمليات قتل جماعية طالت 1.7 مليون شخص خلال الأعوام الأربعة التالية. وتقول: «انتظرنا طويلا كي نسمع ما يقوله لنا آباؤنا. قالوا لنا إنهم كانوا في آخر طائرة إلى باريس، ولم يحدث ذلك».

توجهت إلى الحدود التايلاندية، وهو المكان الذي كان يقصده عشرات الآلاف من اللاجئين، وهناك التقت بزوج المستقبل، وهو أميركي، حيث كان الاثنان يعملان داخل مخيمات اللاجئين. يعيش الاثنان معا في كمبوديا منذ عام 1989، حيث يعمل الزوج لدى الأمم المتحدة ولديهما 3 أطفال يعيشون في الولايات المتحدة وبريطانيا. تقوم سوتشوا بجولات منتظمة إلى الريف حيث توجد الفيلا الخاصة بهما، وتقدم نفسها أمام الناخبين الذين ربما لم يروا وجهها من قبل. وهناك فترة 3 سنوات لا تزال تفصل عن الانتخابات البرلمانية، لكن سوتشوا تقوم بحملات انتخابية بعد أن جرى إبعادها عن التلفزيون والصحف التي تسيطر عليها الحكومة. في الآونة الأخيرة، وقفت بأدب على مدخل متجر صغير داخل هذه القرية التي تقع على جانب النهر، وكان هناك رجال يجلسون في حرارة منتصف النهار على كراسي بلاستيكية حمراء اللون. وتركت مساعديها الرجال يدخلون أولا. كانت قد نجحت في وقف مشروع يجرف الرمال كان سيلحق الضرر بضفاف النهر هنا، وأرادت أن تعلم الرجال أنها تعمل لصالحهم. وقالت مخاطبة الرجال: «جئت إلى هنا لأقول لكم إنكم حصلتم على رد من الحكومة»، وعرضت عليهم وثيقة قانونية. وأضافت: «أريد أن أخبركم أن لديكم صوتا، وإذا رأيتم خطأ يقع، يمكن أن تقفوا وتتحدثوا عنه».

وعندما سئل مول سا، وهو صياد يبلغ من العمر 37 عاما، عن رأيه في أن تدافع عنه امرأة، قال: «إنها تدافع عنا، ولذا لا أعتقد أنها تختلف عن الرجال. ربما لا تستطيع امرأة أخرى القيام بذلك، ولكنها تستطيع فعل ذلك لأنها قوية ولا تشعر بالخوف».

وكان هناك شعور بالخوف عندما كانت سوتشوا تجوب داخل الريف هنا. وفي قرية أخرى ظهرت صدوع في الساتر الرملي، وقالت أرملة تدعى بال ناس (78 عاما)، إن قوارب الجرف الكبرى أصابتها بالفزع. وأضافت: «أخشى إن تحدثت بصوت مرتفع أن يأتوا ويتعقبوني، فإبان حكم الخمير الحمر قتل جميع الرجال. ولا يوجد معي رجل يحميني عندما يأتي الليل. وتزداد صعوبة الأمر عندما تكون امرأة وحيدة». ويشار إلى أن الحزب الحاكم، الذي يتزعمه هون سن، يحوز السلطة من خلال المناطق الريفية داخل كمبوديا، وتقول مو سوتشوا إن عناصر الحزب تراقبها خلال نشاطها. وفي إحدى المرات قام رجل يركب دراجة نارية بالتقاط صور لها ولمن يرافقونها باستخدام هاتف جوال ثم رحل بعيدا. وبعد ذلك، وعندما بدأت الشمس في المغيب، ألقى مزارع التحية عليها بحرارة ونادى على زوجته وتسلق شجرة ليحضر لها بعض ثمار الجوافة. وقال لها وهو يقدم الجوافة: «لقد صوّت لك، ولكن لا تقولي لأحد».

* خدمة «نيويورك تايمز»