كرزاي يتراجع بعد أن دعته واشنطن إلى الانضباط

التصريحات الغاضبة للرئيس الأفغاني تكشف عمق الصدع بين كابل والغرب

TT

دعت الولايات المتحدة (الجمعة) الرئيس الأفغاني حميد كرزاي الذي أثار استياء المجتمع الدولي باتهامه الغربيين والأمم المتحدة بعمليات تزوير شابت آخر انتخابات رئاسية في أفغانستان، إلى الانضباط فامتثل. واعتبرت واشنطن، وهي أكبر مزود لأفغانستان بالمال والقوات، أول من أمس تلك الانتقادات «مقلقة»، وطلبت منه «توضيحات» عبر الناطق باسم الرئيس باراك أوباما روبرت غيبس. وبعد ذلك أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن السفير الأميركي في أفغانستان التقى الجمعة الرئيس الأفغاني وطلب منه أيضا «توضيحات» بشأن انتقاداته. وجاء التوضيح عصرا، عندما اتصل الرئيس الأفغاني هاتفيا بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون.

وأوضح الناطق باسم وزارة الخارجية فيليب كراولي أن «الرئيس كرزاي جدد التأكيد على التزامه بالشراكة التي تربط بلدينا، وجدد القول إنه ممتن كثيرا لمساهمات وتضحيات الأسرة الدولية». وتكشف صورة غضب عارمة عكستها تصريحات أدلى بها الرئيس كرزاي عن وجود صدع غائر بينه وبين الدول الغربية التي توفر له قواتها الحماية، مما قد يؤدي إلى عواقب خطيرة على حرب أفغانستان التي دخلت عامها الثامن. وينتقد كرزاي من وقت لآخر الدول الغربية التي يصل عدد قواتها في أفغانستان إلى 120 ألف جندي، لكن تصريحاته الغاضبة التي أدلى بها (الخميس) حملت مرارة وجاءت مباشرة بشكل لم يسبق له مثيل. وقال الرئيس الأفغاني «الأجانب سينتحلون الأعذار. فهم لا يريدون لنا أن نجري انتخابات برلمانية. يريدون أن يكون البرلمان ضعيفا، وأن أكون رئيسا صوريا، وأن يكون البرلمان غير فعال».

وقال دبلوماسيون إنه وعلى الرغم من أنهم فوجئوا بالنبرة الواضحة والمباشرة لتصريحات كرزاي الأخيرة، فإنه ما من مفاجأة في انتقاده للغرب. وقال دبلوماسي غربي في كابل «دأب كرزاي على عض اليد التي مدت إليه منذ بعض الوقت. فهذا ليس نهجا جديدا. جاءت هذه التصريحات على وجه الخصوص واضحة على أنه ينتقد الغرب والولايات المتحدة منذ فترة».

ووصف دبلوماسي آخر التصريحات بأنها تكتيك تفاوضي للتأثير على محادثات تهدف لتحديد طريقة إجراء انتخابات برلمانية العام الحالي، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية ويضعف الدعم الذي تحظى به حرب أفغانستان في الدول الغربية. وحاول كرزاي إقالة أشخاص عينتهم الأمم المتحدة ويمثلون أغلبية في لجنة شكاوى الانتخابات، بعدما وصفت اللجنة ثلث الأصوات التي حصل عليها الرئيس الأفغاني في انتخابات رئاسة العام الماضي بأنها مزورة. وصوت مجلس النواب الأفغاني يوم الأربعاء على إلغاء قرار كرزاي بإقالتهم. لكن جذور التوتر أعمق من التشاحن على قواعد الانتخابات. فعلاقة كرزاي منذ البداية بإدارة أوباما فاترة جدا وتدهورت أواخر العام الماضي في أعقاب فوزه المثير للجدل بانتخابات الرئاسة.

وكتب السفير الأميركي كارل إيكنبري في برقية سرية في نوفمبر (تشرين الثاني)، تم تسريبها فيما بعد، أن كرزاي «ليس شريكا استراتيجيا ملائما»، وأوصى بعدم إرسال تعزيزات للقوات في أفغانستان ما لم ينفذ كرزاي إصلاحات. وكان كرزاي أعلن الخميس أمام أعضاء اللجنة الانتخابية المستقلة الأفغانية أن «عمليات تزوير مكثفة شابت الانتخابات الرئاسية والمحلية». لكنه أوضح أنه «لم يرتكبها أفغان بل أجانب»، مشيرا تحديدا إلى «مكتب مساعد ممثل الأمم المتحدة (بيتر) غالبرايث، وكذلك (فيليب) موريون الجنرال الفرنسي الذي كان يقود بعثة مراقبي الأمم المتحدة في الاقتراع». وأعربت فرنسا، التي كانت أول من رد الخميس على تلك التصريحات، عن «استغرابها». وقال الناطق باسم الخارجية إن ما ادعاه «لا أساس لها من الصحة». ومن جانبه، قال الأميركي بيتر غالبرايث، مساعد رئيس بعثة الأمم المتحدة أثناء اقتراع العشرين من أغسطس (آب) 2009 «أكيد أنه أمر عبثي».

وبعد أن نصبته الأسرة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة رئيسا على أفغانستان إثر الإطاحة بنظام طالبان نهاية 2001، أعيد تنصيب كرزاي في نوفمبر رئيسا، بعد انسحاب منافسه قبل الجولة الثانية من الانتخابات، في حين ألغت السلطات الانتخابية ربع بطاقات الانتخاب باعتبارها مغشوشة ومعظمها لصالح الرئيس المنتهية ولايته. ومنذ تولي الرئيس باراك أوباما السلطة في الولايات المتحدة يخضع كرزاي إلى ضغط متزايد من الجهات المانحة التي تدعوه لمزيد من مكافحة الفساد قبل الانتخابات التشريعية المقررة في سبتمبر (أيلول). وقد هاجم كرزاي الغرب بعد أربعة ايام من لقائه مع الرئيس أوباما الذي قام الأحد بزيارة قصيرة ومفاجئة إلى أفغانستان. واعتبر دبلوماسي أجنبي طلب عدم كشف هويته أن حميد كرزاي «استاء» من طلب الولايات المتحدة فتح المجال أمام ترشيحات معارضة، مثل عبد الله عبد الله، لكنه «اعترف لأول مرة بحصول تزوير». وعلى الرغم من ذلك أكد أوباما في ديسمبر (كانون الأول) الالتزام باستراتيجية مكافحة التمرد لحماية حكومة كرزاي، وأمر بإرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان هذا العام. ويحاول مسؤولون أميركيون وغربيون منذ مطلع العام الحالي التقليل من حجم الخلافات مع كرزاي في العلن، واستقبلوه بحفاوة في مؤتمر استضافته لندن في يناير (كانون الثاني). وأثنى المسؤولون على تعهدات قطعها كرزاي في خطاب تنصيبه في نوفمبر لمكافحة الفساد، كما أشادوا بقراره الإبقاء على بعض الوزراء الموالين للغرب في بعض الوزارات. لكن إحباط الغرب تنامى منذ ذلك الحين. ولم تترجم حملة وعد كرزاي بشنها لمكافحة الفساد إلى إجراءات ملموسة. وبهدوء كشفت حكومة كرزاي عن تحويل مشروع قانون للعفو طرح عام 2007 إلى قانون يمنح الجماعات المسلحة الحصانة ضد جرائم الحرب. وأدانت الأمم المتحدة هذا القرار. وبخلاف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الذي كان يجري مؤتمرات دورية عبر الدوائر التلفزيونية مع كرزاي، فإن أوباما لم يجر سوى مؤتمر واحد بهذه الطريقة مع الرئيس الأفغاني منذ بداية العام الحالي. وقال تيم ريبلي، الذي يكتب في شؤون الدفاع لإصدارات «جينز» الخاصة بالشؤون العسكرية في بريطانيا، إن ضعف الثقة بين كرزاي والغرب قد يضر بشكل مباشر بالقتال على أرض المعركة في الشهور المقبلة عندما تشن القوات الأميركية أكبر عملية في حرب أفغانستان بإقليم قندهار جنوب البلاد. وأضاف «المشكلة الواضحة هي أن هدف حرب مكافحة التمرد هو كسب تأييد الناس للقضية. وإذا لم تكن تؤمن بالقضية فمن الصعب أن تقنع الناس بها». وقال «يبدو أنهم (الغرب) لا يثقون كثيرا في الحكومة الأفغانية، كما أن الحكومة الأفغانية لا تثق فيهم كثيرا». وأدلى مسؤولون عسكريون أميركيون بتصريحات مقتضبة للصحافيين في الأيام القليلة الماضية حول عملية قندهار، وقالوا إنهم يفضلون تهميش دور رئيس المجلس الإقليمي لقندهار، وهو أخ غير شقيق لكرزاي، وأكثر الشخصيات نفوذا في الإقليم. ويقف كرزاي في صف أخيه ومن غير المرجح أن يقبل أي ضغط للحد من نفوذ عائلته.