آلاف الإيرانيين هربوا إلى تركيا منذ الانتخابات الرئاسية

بينهم المطرب الرسمي للإذاعة الإيرانية.. وأنقرة تمنعهم من أي نشاط سياسي

الصحافية الايرانية ديلبار تافاكولي وضعت في شقة مع لاجئتين ايرانيتين أخريين في أنقرة التي وصلتها في السابع من يناير (كانون الثاني) الماضي، وهي تنتظر تأشيرة دخول الى فرنسا أسوة بعدد من الصحافيين الايرانيين اثر الازمة
TT

كانت الثلوج تتساقط عندما امتطى شابان جوادين، وتوجها إلى الحدود هربا من إيران. وعندما كانا في أعماق الجبال، تحولت الثلوج المتساقطة إلى عاصفة ثلجية شديدة، وانخفضت درجات الحرارة إلى أقل من درجة التجمد، وبالكاد تمكنا من البقاء أحياء.

كان حسام ميساغي وسفير عطفي يسعيان إلى الانضمام إلى معارضين هربوا جماعيا تاركين الاضطرابات السياسية التي تشهدها الجمهورية الإيرانية. وبالنسبة إليهما كان ذلك يعني رحلة مروعة عبر المنطقة الشمالية الغربية الوعرة خلال الشتاء القارس البرودة بمساعدة مهربين أكراد. وعند معبر نهري، تشققت الثلوج من تحتهما، وتعثر الجوادان، وغمرتهما المياه المتجمدة.

«لم أكن أشعر بقدمي ولا يدي»، هكذا قال ميزاغي حسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» (أ.ب)، وهو شاب نحيل وطويل يبلغ من العمر 21 عاما. وأضاف: «شعرت وكأني سكران، ولم أكن أعرف أين أنا. وكنت أضحك من فرط الألم». رأى عطفي، البالغ من العمر 20 عاما، شاحنة على بعد، وأمسك بذراع ميزاغي وجرها إليه عبر الثلوج.

يقول عطفي: «لم يبق لدي طاقة تمكنني من التحرك للأمام، ولكن كان علي الوصول إلى الطريق السريع». ووصل الرجلان، وكلاهما صحافيان يكتبان تقارير حول حقوق الإنسان داخل إيران، إلى الشاحنة، وتوسلا «إلى السائق» كي يوصلهما إلى مأمن داخل تركيا.

ويقول تقرير «أ.ب» إن نحو 4200 إيراني على الأقل قاموا بالهروب من إيران منذ الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في يونيو (حزيران)، حسب ما تظهره قائمة أعدتها الناشطة عايدة سعدات، التي عبرت الحدود إلى تركيا في ديسمبر (كانون الأول). وتفرق هؤلاء اللاجئون على الولايات المتحدة وأوروبا والإمارات ودول أخرى في منطقة الخليج العربي.

وذهب معظمهم إلى تركيا، نحو 1150 منهم حسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، مستفيدين من الحدود التي يمكن التسلل عبرها ولأن تركيا لا تطلب تأشيرات. وقد هرب معظم الأفراد الجدد لأسباب سياسية، ومن بينهم أفراد شاركوا في الاحتجاجات المعارضة بعد الانتخابات. وبذلك يرتفع عدد الإيرانيين داخل تركيا إلى 4440 في فبراير (شباط)، ومن بينهم «أشخاص غير مرغوب فيهم» بالنسبة إلى النظام مثل المثليين والبهائيين.

وتتضح الأخطار التي يواجهها هؤلاء الإيرانيون عند العودة إلى الوطن، فبعد شهر من هروب عطفي وميزاغي، داهمت الشرطة منزليهما في مدينة أصفهان. ومن بين التهم الموجهة لهما المحاربة، وهي الجريمة التي تصل عقوبتها داخل إيران إلى القتل.

وقامت الشرطة بإلقاء القبض على زميلهما وصديقهما نافد خانجاني، الذي كان من المفترض أن يسافر معهما، ولكنه عدل عن رأيه في اللحظة الأخيرة. ومع اعتقال خانجاني، يصل عدد الأشخاص التابعين للجنة صحافيي حقوق الإنسان المستقلة الذين تعرضوا للسجن إلى ثمانية أشخاص، من بينهم ثلاثة ما زالوا داخل السجن ويمكن أن يواجهوا أحكاما بالإعدام.

وينعم اللاجئون بقسط أوفر من الأمن داخل تركيا، ولكنهم يواجهون مستقبلا يكتنفه الغموض، فجميعهم تقريبا لم يحضر معه سوى القليل من المال، ولا يمكنه العمل بسبب القيود التركية، ولذا يتكدسون داخل شقق صغيرة بها الحد الأدنى من الأثاث.

ويأمل الكثير من اللاجئين الإيرانيين أن ترتب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة لهم إعادة توطين داخل الولايات المتحدة أو أوروبا. ويمكن أن يستغرق ذلك أعواما، حيث إن المفوضية تتعامل مع الآلاف من العراقيين الذين هربوا إلى تركيا من بلدهم التي مزقتها الحرب خلال الأعوام الأخيرة.

ووضع الكثير من الإيرانيين داخل مدينة كيسري وفي مدن مجاورة لها مثل مدينة نيغدة. وكما هو الحال مع اللاجئين الآخرين داخل تركيا، يطلب منهم العيش داخل مدن معينة تحددها وزارة الداخلية، ويجب عليهم الذهاب إلى قسم الشرطة باستمرار للتأكيد على مكانهم، ويجب عليهم الحصول على إذن من السلطات قبل الانتقال إلى مدن أخرى. وبالإضافة إلى الإيجار وغيره من النفقات، يطلب من كل شخص بالغ دفع 200 دولار تقريبا للحكومة التركية، بالإضافة إلى 100 دولار لكل طفل مقابل البقاء داخل الدولة لستة أشهر. وقد وقع وزير الداخلية على قرار خلال مارس (آذار) لرفع الرسوم، ولكن لم يدخل القرار حيز التطبيق حتى الآن.

وفي هذه الأثناء، يتابع اللاجئون الأحداث التي تقع في أرض الوطن، حيث ألقي القبض على المئات، وأعدم شخصان من بين 11 صدرت بحقهم أحكام إعدام بسبب المشاركة في احتجاجات معارضة. ويحاول البعض الاستمرار في نشاطه من المنفى، ويسعى البعض إلى التغلب على الموقف الصعب الذين مروا به.

وتقول الناشطة السياسية المهدية (35 عاما) التي كانت تعمل لدى رجل دين معارض في مدينة قم، إنها هربت من إيران قبل أكثر من عام بعد تعرضها للاغتصاب أكثر من مرة داخل السجن. وتحدثت المهدية شريطة عدم ذكر اسم العائلة خشية الفضيحة.

عندما وصلت إلى تركيا تعرضت للاغتصاب مرة أخرى، وكانت هذه المرة على يد لاجئ إيراني آخر. وقالت إن الشرطة لم تسمح لها بالانتقال إلى قيصرية ما لم تدفع 200 دولار وهو ما لم تكن تملكه.

وقالت مهدية: «قلت لهم وأنا أبكي، أقسم بالله إنني لا أملك مالا!». استغرق منها الأمر 40 يوما حتى تتمكن من جمع المال اللازم الذي اقترضته من رفاقها اللاجئين.

لاجئ آخر هو مهرداد إشغي، الذي كان المطرب الرسمي للتلفزيون والإذاعة الرسمية الإيرانية المعروفة باسم «يدا فا سيما»، والذي تشككت السلطات في ولائه لعمله في حملة مير حسين موسوي أبرز منافسي أحمدي نجاد في الانتخابات. وبعد رفضه الغناء في حملة الرئيس أحمدي نجاد قامت قوات الأمن بترهيبه حيث اعتقل وتلقى تهديدات بعواقب وخيمة.

وقال إشغي (40 عاما) من شقته في قيصرية: «أنا مندهش من الطريقة التي تمت معاملتي بها. فقد كنت واحدا منهم. وكنت عندما أمسك بالميكروفون لأقدم برنامجا على الهواء كان ذلك يعني أنهم يثقون في ثقة مطلقة».

وبعد أن بدأ رجال الأمن في مراقبة منزله على مدار الساعة قرر إشغي الهرب فاستقل حافلة إلى تركيا قبل ستة أشهر وانضمت إليه زوجته وابنته بعد شهر من فراره.

وقال إشغي لـ«أ.ب»: «كان من الممكن أن يقوموا بشيء رهيب معي. من يدري. إن بقاء الثورة الإسلامية مسألة حيوية بالنسبة إليهم إلى حد أنهم لن يتخلوا عنها بأي ثمن».

عمل إشغي، الذي يتحسر على أيامه السابقة في إيران، مطربا وخطاطا ورساما ومؤلفا موسيقيا. وقال كنت في أفضل حال في إيران، أما هنا فأنا مجرد شخص عادي».

وكغالبية أقرانه، قال إن محاولاته لمواصلة النضال السياسي من المنفى منعت من قبل السلطات التركية. فيشير إشغي إلى أن السلطات رفضت السماح له بإقامة معرض للوحاته أو إقامة حفلة موسيقية للاجئين الإيرانيين، وقال: «قالوا لي لا يجب أن يعلم أحد آخر بمكانك لأن ذلك يشكل تهديدا على حياتك».

على الرغم من كون تركيا حليفة للولايات المتحدة فإنها تربطها علاقات وثيقة بإيران. فقد انتقدت تركيا الغرب على فرض المزيد من العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي. وإيران مزود رئيسي لتركيا بالغاز الطبيعي وعمل الجانبان على زيادة التجارة فيما بينهما حيث بلغت العام الماضي 10 مليارات دولار.

ويقول قائد في شرطة قيصرية، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه بسبب القواعد المانعة لذلك: «إن أي قيود على اللاجئين الإيرانيين تأتي بهدف حمايتهم. هم أحرار هنا، لكنهم ممنوعون من الحديث إلى الصحافيين خوفا على حياتهم».

ويزعم بعض اللاجئين الإيرانيين تعرضهم لمضايقات من عملاء الاستخبارات الإيرانية على الرغم من إقامتهم في تركيا، عبر تلقيهم تهديدات تليفونية أو اعتداءات جسدية. ويقول مسؤولو حقوق الإنسان إن عملاء جهاز الاستخبارات الإيراني اخترق صفوف اللاجئين الإيرانيين مما أدى إلى ازدياد الشكوك بينهم.

فيقول هامي تغافي، الأستاذ الجامعي الذي فر من إيران في أعقاب الأحداث الدامية التي تلت الانتخابات الرئاسية، إنه يحاول هو وعائلته تجنب الالتقاء بالإيرانيين. وقال: «نحن لا نثق في الإيرانيين الآخرين. وقد عملنا على أن نجد شقة لا يقطن بالقرب منها إيرانيون».

ويأمل تغافي في أن يجد السكينة الآن بعد الاعتقالات المتواصلة في إيران للناشطين المناوئين للحكومة، نظرا لظهوره في الإذاعات الناطقة باللغة الفارسية مثل «بي بي سي» و«صوت أميركا». وقال إنه تعرض للتعذيب في المعتقل وإنه يعاني الآن من اضطرابات في حركة أطرافه.

وقال تغافي الذي رأس اتحاد الأساتذة المعارضين المستقل في إيران: «أستيقظ بانتظام خلال الليل وأحس كما لو أن شخصا يركلني في معدتي». وكانت زوجته مهرفاش داداشيان (35 عاما) تدير مدونة شهيرة في إيران قبل إغلاقها من قبل السلطات، وهي تنوي إطلاق مدونة جديدة لكن ما تخشاه الآن هو حياتهم في تركيا وما إذا كانت ابنتها ياسنا البالغة من العمر 6 سنوات ستتمكن من دخول المدرسة أوائل العام الدراسي القادم أم لا.

وقالت: «أنا أعيش الحاضر. ولا أنظر إلى الماضي ولست قلقة بشأن المستقبل. الحياة هنا آمنة، على العكس من إيران التي كنا نوشك فيها على الإصابة بعشرين أزمة قلبية في اليوم الواحد، عندما كانوا يدخلون منزلنا ويعتقلوننا».

على الرغم من العقبات فإن الناشطة الإصلاحية سعادات تقول إنها مصممة على استكمال عملها السياسي وخوض حملة من أجل المطالبة بحقوق المرأة الإيرانية والكتابة في تقارير لجنة حقوق الإنسان. وقالت أنا لست مهاجرة، لقد جئت إلى هنا لكي أكمل عملي.

وقالت إنه بعد أشهر من القمع لجأ الكثير منهم إلى التخفي ووضع البعض الآخر في المعتقل ولجأ الآخرون.

وقالت أيضا: «عندما نترك بلدنا نترك خلفنا ماضينا وحبنا وذكرياتنا وبعضا من حياتنا».