يمكن أن تصبح الكلمات سلاحا هي الأخرى. ولذا، بعد كل تقرير جديد تقريبا يتناول العنف السياسي، سواء كان مجرد تآمر للقيام بشيء أم عمل وقع بالفعل، يظهر جدل لفظي، ويطرح سؤال: هل يجب وصف ذلك بـ«الإرهاب»؟
فعندما وردت تقارير مبدئية حول حادث إطلاق النار الذي نفذه الميجور نضال مالك حسن داخل «فورت هود» بولاية تكساس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتم الحديث عن مشكلاته النفسية، ولم تنعته بالإرهابي، علا صراخ نشطاء من اليمين، وقالوا إنه إرهابي مسلم راديكالي. وعندما حلق جوزيف ستاك بطائرته «بيبر داكوتا» تجاه المبنى الإداري لدائرة الإيرادات الداخلية في أوستن بولاية تكساس في فبراير (شباط) ليموت مع مدير بدائرة الإيرادات الداخلية، جاء الجدل اللغوي من اليسار، وقالوا: «لو كان هذا العمل الذي له دافع سياسي وأدى إلى مقتل أفراد ليس إرهابا، فبماذا يمكن وصفه؟».
وفي الأسبوع الماضي، أثير هذا التساؤل مجددا بعد إلقاء القبض على تسعة أعضاء في طائفة «هوتاري» المسيحية داخل ميتشغان إثر تهم بالتآمر لقتل ضباط شرطة، واستهداف الجنازات بعد ذلك. هل كانوا إرهابيين؟ وهل كانوا مسيحيين؟ وهل كانوا مجرد أشخاص غريبي الأطوار؟ واعترض بعض المعلقين قائلين: «لو كانوا مسلمين، لما كان ثمة تردد للحظة واحدة في استخدام لفظتي: إرهاب إسلامي». وقال ديفيد دايان على مدونة «فيردوغلاك» الليبرالية: «لا يجرؤ أحد على وصفهم بالإرهاب»، وأشار إلى أن معظم المنابر الإعلامية الكبرى لم تستخدم كلمة «إرهاب» في تقاريرها عن عمليات الاعتقال. وقال ساخرا: «إنهم مسيحيون ولذا لا يمكن وصفهم بأنهم إرهابيون أو شيء آخر».
وعلى موقع «لوشيان غولدبرغ» المحافظ، Lucianne.com، اعترض مشارك سمى نفسه «كانفيل» على الوصف: «ليسوا مسيحيين ولا إرهابيين، بل مجرد مغفلين لم يستطيعوا تنظيم عملية صيد بصورة مناسبة».
وتمثل الخلافات بين اليمين واليسار محاولة للتعامل مع أعمال العنف بهدف تحقيق مكاسب سياسية. وطبقا للمنطق اليميني فإنه إذا كان الميجور حسن إرهابيا مسلما، فإن المبالغة في حقوق المسلمين غير مبررة وستُقبل الإجراءات الأمنية الصارمة الخاصة بمدرسة ديك تشيني. ويقول اليسار إنه إذا كان أفراد «هوتاري» يمينيين مسيحيين يخشون الحكومة فثمة مبرر للخوف من تطرف المسيحيين المحافظين المعادين للحكومة سواء كانوا داخل حركة «حفل شاي» أو الحزب الجمهوري. ولكن ثمة خطورة تتجاوز دلالات الألفاظ أو تسجيل نقاط على المدونات، فثمة عنصران في العنف السياسي: الفعل، والمعنى الذي يرتبط به. فبعد أن يختفي دخان التفجير، يبدأ الخلاف حول الكلمات، حيث تسعى الأطراف المتنافسة إلى المبالغة في الفعل أو رفضه، ووصفه بأنه شريف أو شجبه كعمل خسيس. وتقول مارثا كرينشاو، وهي أكاديمية في ستانفورد كتبت مقالتها الأولى حول تعريف الإرهاب عام 1972: «استخدام تعبير الإرهاب ينزع الشرعية عن المنافس، وتتعرض التكتيكات والقضية للتشويه».
في الواقع، يقوم الإرهابيون المتهمون برد الصفة بصورة عكسية على متهميهم. وفي تسجيل جرى تشغيله داخل محكمة الأسبوع الماضي وصف ديفيد ستون، رئيس مجموعة الـ«هوتاري»، الحكومة بأنها «مؤسسة إرهابية». واتخذ داكو عمروف، قائد الميليشيا الشيشانية التي تبنت المسؤولية عن التفجيرات الانتحارية في مترو موسكو، المنحى نفسه خلال رسالة مصورة، وأشار إلى أن الإرهابي الحقيقي هو غريمه فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الروسي. وقال: «أي سياسي أو صحافي أو شخص ينتقدني بسبب هذه العمليات أو يتهمني بالإرهاب سأسخر منه لأنني لم أسمع أن بوتين اتهم بالإرهاب لقتل المدنيين».
لقد بدأت الكلمة في سياق أعمال عنف واسعة النطاق من جانب الدولة: فترة حكم الإرهاب الجاكوبية خلال الثورة الفرنسية، عندما قُتل 16.000 – 40.000 شخص خلال 13 شهرا. ويعني الجذر اللاتيني للكلمة «terrere» «التسبب في الترويع»، وثمة فكرة ضرورية في معظم تعريفات الإرهاب وهو السعي إلى إخافة العدو، بالإضافة إلى إلهام الحلفاء. وبمرور الوقت، أصبحت لفظة الإرهاب تطبق بصورة أكثر شيوعا على التكتيكات العنيفة من جانب تنظيمات غير تابعة للدولة، وغالبا ما تأتي في شكل سلسلة من الهجمات المتكررة، وفي الأغلب يتم اختيار الأهداف لدواع رمزية (مركز التجارة العالمي والبنتاغون)، وعادة يكون بين الضحايا مدنيون، وتسعى الأعمال الإرهابية إلى التأثير على الجمهور من أجل خدمة هدف سياسي. وتحدثت الحركة الفوضوية قبل وبعد انقضاء القرن العشرين عن «دعاية الأعمال»، وهي عبارة تتعلق بأعمال العنف والغرض السياسي المرتبط بها. وتتضمن الأعمال اغتيال كثير من السياسيين وقادة دوليين، ومن بينهم الرئيس ويليام ماكينلي عام 1901، وكانوا من المسلحين القلائل الذين لم ينأوا بأنفسهم عن صفة الإرهاب. ويقول ديفيد رابوبورت، وهو مؤرخ مختص بشؤون الإرهاب ومحرر في دورية «الإرهاب والعنف السياسي»: «كانوا يصفون أنفسهم بأنهم إرهابيون وكانوا يشعرون بالفخر لذلك».
ولكن، مع مرور الوقت ارتبط بلفظة «إرهابي» إشارات ضمنية تتعلق بالخسة والظلم والوحشية، بغض النظر عن الهدف الأكبر الذي يخدمه العمل. وفي الوقت الحالي، نجد أن الإرهابيين الأكثر جرأة ينأون بأنفسهم عن هذا اللفظة عادة. وفي رسالة صوتية حديثة، وصف أسامة بن لادن خالد شيخ محمد، المخطط الرئيسي لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بأنه «جهادي وبطل». وطبقا للتعريف القياسي، فإن الميجور حسن مؤهل لصفة «الإرهابي». وبغض النظر عن المشكلات النفسية التي لديه، يبدو أنه ينظر إلى عمليات القتل التي قام بها على أنها جزء من حملة عالمية أكبر للمسلمين الذين يقاتلون ما يرونه عدوانا أميركيا. وبالمثل، فإنه على الرغم من أن جوي ستيك كانت لديه شكاواه الخاصة ضد إدارة الإيرادات الداخلية، فإن البيان الذي تركه وجاء في ست صفحات يشير إلى أنه كان يسعى للموت من أجل قضية الحرية خلال تفجير يستهدف «الرجل المسؤول في إدارة الإيرادات الداخلية». وصحيح أن كليهما غريب الأطوار وشرير، ولكن ذلك ينطبق على الكثيرين الذين يتفق الجميع على وصفهم بالإرهاب، ولنذكر محمد عطا وقائمته المروعة من التعليمات حول الطريقة التي يجب التعامل بها مع جثته بعد موته. إنه باختيارهم، في حالة من اليأس، الانتحار مع استهداف آخرين وربط العمل العنيف الذي يقومون به بوجهة نظر سياسية، اكتسبوا هذا الوصف. ووسط الجدل حول اللفظة، جاء القول المأثور «الإرهابي في نظر البعض، هو مناضل من أجل الحرية في نظر البعض الآخر» الذي اشتهر في الثمانينات. وقال الرئيس رونالد ريغان في كلمة إذاعية عام 1986: «إنها عبارة جذابة ولكنها مضللة، فالمناضلون من أجل الحرية لا يحتاجون إلى ترويع مواطنين لحملهم على الخضوع. والمناضلون من أجل الحرية يستهدفون القوات العسكرية وأدوات القمع المنظمة التي تجعل الأنظمة الديكتاتورية في السلطة، والمناضلون من أجل الحرية يكافحون من أجل تحرير مواطنيهم من الاضطهاد وتأسيس نظام حكم يعكس إرادة الشعب».
ولكن، ليس من السهل دوما التمييز بين هذه الأشياء، فقد استهدف الميجور حسن قوات مسلحة، وكان ينظر ستاك إلى إدارة الإيرادات الداخلية على أنها «أداة قمع منظمة». وبالتفكير في الأهداف وليس الوسائل، أثنى ريغان على متمردي نيكاراغوا، الذين كان لديهم تاريخ دامٍ في القتال ضد الساندينيين الشيوعيين، وقال إنهم «المناظرون الأخلاقيون للآباء المؤسسين». وخلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، قام بتسليح وتبني «المناضلين من أجل الحرية» الأفغان وحلفاءهم العرب، وأصبح بعضهم إرهابيين في تنظيم القاعدة وحركة طالبان. وعند النظر إلى ما وقع، تبدو الكلمة الإذاعية ساذجة. أعلن الرئيس ريغان: «سيسجل التاريخ أن عام 1986 كان العام الذي تعامل فيه العالم مع طاعون الإرهاب».
ومن غير المحتمل أن يذكر الرئيس أوباما تكهنات مماثلة في وقت قريب.
* خدمة «نيويورك تايمز»