أشهر نقابي مغربي في جبل طارق يتقاعد ويعود إلى شفشاون بعد سنوات صاخبة

حكومة الصخرة اعتبرته «سفيرا مغربيا»

محمد الصرصري («الشرق الأوسط»)
TT

يتأهب محمد الصرصري مؤسس ورئيس رابطة العمال المغاربة في جبل طارق إلى مغادرة الصخرة، بعد سنوات حافلة، جعلت منه أحد أهم الشخصيات النقابية في الصخرة لسنوات طويلة. وقبل أيام أحيل الصرصري إلى التقاعد.

وكان الصرصري، الذي يعمل عاملا في ملعب فيكتوريا الرياضي، هو الذي ظل يطرح قضية العمال المغاربة، وأصبح معروفا لدى الأوساط البريطانية والإسبانية والمغربية. كما كان وراء تنظيم عدة مظاهرات ومسيرات وإضرابات في جبل طارق. ويقول الصرصري إن المغاربة عاشوا ظروفا مزرية في السبعينات، حيث كانت قرارات الطرد من الصخرة مسلطة عليهم، كما أنهم كانوا يعيشون في أوضاع مخزية بسبب القوانين الجائرة التي كانت تهدف إلى التضييق على وجودهم هناك.

ويخضع جبل طارق في جنوب إسبانيا إلى السيادة البريطانية، ولا تزال إسبانيا تعتبره جزءا من أراضيها لكن لندن رفضت باستمرار هذا المطلب، وفي عام 1969 فرض الجنرال فرانكو حصارا على الصخرة، وهو ما أدى إلى تدفق العمال المغاربة نحو جبل طارق، كما أن المغرب راح يزود جبل طارق بالمياه العذبة واللحوم والخضراوات للتخفيف من حدة الحصار الإسباني. وكان وفد من حكومة جبل طارق زار الرباط زيارة نادرة عام 1969 وطلب من السلطات المغربية السماح بانتقال عمال مغاربة إلى الصخرة من أجل ملأ الفراغ الذي تسبب فيه طلب فرانكو من جميع العمال الإسبانيين مغادرة جبل طارق. ومع تدفق العمال المغاربة خاصة من مدن الشمال، بادر الصرصري ومجموعة من زملائه إلى تأسيس «ودادية العمال المغاربة» التي أصبحت بمثابة نقابة للدفاع عن الجالية المغربية في جبل طارق، والتي كان أفرادها يعملون في ظروف مزرية، ويقيمون في عنابر أشبه ما تكون بعنابر الجنود في سنوات الخمسينات، كما أن معظمهم حرموا من انضمام أسرهم إليهم، بسبب التعقيدات القانونية.

وكان من أكثر القضايا التي تصدى لها الصرصري وجعلت اسمه معروفا خارج جبل طارق، مسألة إبعاد النساء المغربيات الحاملات قبل أن يقترب موعد ولادتهن، وذلك حتى لا تكتسب مواليدهن حق الإقامة في جبل طارق. وفي هذا الصدد يقول الصرصري: «النساء المغربيات اللائي يعملن في الصخرة أو زوجات العمال المغاربة كنا يضطررن إلى إخفاء حملهن، إذ مجرد ما تعرف سلطات الصخرة بأنه يوجد سيدة حامل يصدر قرار بإبعادها وتجبر على العودة إلى المغرب حتى لا تلد في جبل طارق، وكان يمكن لرجل شرطة إيقاف أي امرأة مغربية إذا لاحظ عليها مظاهر الحمل، ويطلب منها أن تثبت عبر تحليل طبي أنها غير حامل وإلا فإن باخرة السادسة مساء (تربط يوميا بين طنجة وجبل طارق) جاهزة لنقلها إلى المغرب».

ويقول مسؤولون في حكومة جبل طارق إن الصرصري ساعد كثيرا في حل مشكلات الجالية المغربية في الصخرة، وكانوا يعتبرونه بمثابة «سفير مغربي» في الصخرة يتصدى للجميع بصبر وهدوء، خاصة أن الرباط لم تعترف بسيادة بريطانيا على جبل طارق لتحاشي غضب مدريد، وحتى لا يحدث التباس حول مطالبتها بمدينتي سبتة ومليلية اللتين تحتلهما إسبانيا في شمال المغرب، حيث ظل المغاربة يقولون إن جبل طارق جزء من الأراضي الإسبانية كما أن سبتة ومليلية جزء من الأراضي المغربية.

ولعب الصرصري وزملاؤه دورا كبيرا في السياسة الداخلية لجبل طارق، وكانوا وراء الحملة التي أدت عام 1996 إلى سقوط رئيس حكومة الصخرة آنذاك جو باسانو وفوز الحزب الديمقراطي الاجتماعي بقيادة بيتر كارونا أربع مرات على التوالي حيث سيستمر في الحكم حتى العام المقبل. وكان مجيء بيتر كارونا في صالح جالية مغربية تعد الأسوأ حظا في أوروبا وتشكل الجالية الأجنبية الأولى في الصخرة حيث لبت حكومة كارونا عدة مطالب للجالية في وقت سابق ومن بين آخر المطالب التي تمت تلبيتها السماح لنحو 120 طفلا مغربيا بالالتحاق بذويهم في جبل طارق. وبسبب إلزام المغربيات الحاملات بمغادرة الصخرة قبل الولادة ترتب عليه ترك أطفالهن في المغرب. ووافقت سلطات جبل طارق بعد مفاوضات شاقة قادها الصرصري على السماح للأطفال الذين يبلغ سنهم أقل من خمس سنوات وكذلك الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و18 عاما بالالتحاق بوالديهم إذا كانوا يقيمون في جبل طارق. وكان عدد أفراد هذه الجالية تقلص ليصل إلى 1200 شخص معظمهم من العمال وصغار التجار لكن أوضاعهم تحسنت مقارنة بالفترة التي كان يحكم فيها الحزب الليبرالي الصخرة بقيادة جو بوسانو، وكان بيتر كارونا هو أول رئيس حكومة في جبل طارق يوافق على اللقاء مع الصرصري والاجتماع برابطة العمال المغاربة.

يذكر أن المغاربة في جبل طارق كانوا قد انخرطوا بقوة خلال حملة جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002 حول مسألة تقاسم السيادة بين إسبانيا وبريطانيا على جبل طارق، وكانوا يعارضون الفكرة خشية أن يتم مضايقتهم من طرف الإسبان للعودة أدراجهم إذا أصبحت لمدريد سيادة جزئية على الصخرة.

تجدر الإشارة إلى أن محمد الصرصري يعتزم الآن العودة إلى مدينته شفشاون في شمال المغرب، بعد سنوات صاخبة عاشها في جبل طارق، وكان الصرصري وصل إلى الصخرة في طريقه إلى أوروبا عام 1967، لكنه قدم طلبا للعمل في مكتب التوظيف المحلي في جبل طارق وقبل في وظيفة عامل في ملعب فيكتوريا حيث ظل يعمل هناك حتى تقاعد قبل أيام.