سياسيون شيعة: الأحزاب الشيعية العراقية تفضل مصالحها رغم علاقاتها مع إيران

أحدهم لـ «الشرق الأوسط» : إيران أخطأت عندما تعاملت مع العراقيين وكأنهم لبنانيون

عمار الحكيم (رويترز)
TT

لا تقف إيران، كمؤسسات حكومية ودينية وأمنية، على مسافة واحدة من جميع الأحزاب والشخصيات الشيعية العراقية، سواء بدعمها المالي أو المعنوي لهذه الأحزاب، ذلك لأنه وببساطة في الجار الشرقي للعراق جهات مختلفة، وكل جهة تدعم اتجاها معينا، وكما يقول المثل الشعبي العراقي فإن «العافية درجات»، ومستوى دعم المؤسسات الإيرانية لمن يرتبط معها من الداخل العراقي يتبع هذه الدرجات.

تباين مستويات الدعم والولاءات وتضارب المصالح بين المؤسسات الإيرانية الداعمة والجهات العراقية المدعومة، هو الذي قاد إيران إلى الوصول حتى الآن إلى طريق مسدود في مشروعها لتوحيد الأحزاب السياسية الشيعية العراقية، وهذا ما خلصت إليه «الشرق الأوسط» في الأقل من خلال ما طرحه خمسة من العراقيين المهتمين بالشأنين الشيعي العراقي والإيراني، وهم: جواد الخوئي، نجل أكبر مرجع في تاريخ الشيعة وهو أبو القاسم الخوئي، وهو طالب دراسات عليا في الفقه الإسلامي بعد أن حصل على دراساته المتقدمة في الفقه الشيعي من حوزة قم التي تحدث إلينا منها، والباحث والكاتب غانم جواد وهو خبير بالشأن العراقي خاصة والشأن الإسلامي وله مؤلفات وبحوث ومشاركات عديدة في مؤتمرات وندوات أكاديمية في مختلف بلدان العالم، ومحمد علاوي وهو من الباحثين الإسلاميين المنفتحين على الآخرين ووزير الاتصالات العراقية السابق، ورضا جواد تقي القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي، وسياسي عراقي قريب الصلة من الحكومة الإيرانية لم يوافق على نشر اسمه «حفاظا على إدامة العلاقات بينه وبين طهران» على حد قوله.

يقر الخوئي بأن «إيران تؤثر في الأحزاب الشيعية العراقية، لكن يبقى أن نعرف أن هذه الأحزاب تراعي مصالحها أيضا، وهذه المصالح لها أهميتها على المصالح الإيرانية وتقدمها عليها»، منوها إلى أن «علاقة وارتباط هذه الأحزاب وحتى بعض الشخصيات الشيعية السياسية غير المرتبطة بالأحزاب الشيعية التقليدية تأتي على درجات، فهناك من ارتبط مع المؤسسات الإيرانية من بوابة السياسة، وآخرون من البوابة الأمنية، وهناك من ارتبط من بوابة المذهب الشيعي».

وما ينطبق على موضوع العلاقة ينسحب أيضا على مسألة الدعم الإيراني المقدم، إذ يقول الخوئي: «هناك جهات ومؤسسات مختلفة في إيران تدعم هذا الحزب أو ذاك، فنحن يجب أن لا نطلق تسمية الدعم الإيراني أو إيران وحسب، بل يجب أن نحدد أو في الأقل نؤشر إلى تلك الجهات، فهناك دعم من المؤسسة العسكرية، وآخر من وزارة الخارجية، وهناك دعم من المؤسسة الدينية (المرشد الأعلى)، وكل مؤسسة تدعم جهة من أجل مصالحها»، مشددا على أن «هناك جهات عقلانية إيرانية تدعم شخصيات عراقية لأغراض إدامة الحوار والوقوف بوجه العنف، وجهات تؤسس لعلاقات من أجل إدامة خطوط دفاعية إيرانية داخل العراق».

ويشير الخوئي إلى أن «الأحزاب السياسية الشيعية العراقية تهتم كثيرا بمصالحها، مثلا أن إيران كانت تريد بقاء إبراهيم الجعفري في منصبه كرئيس الحكومة العراقية بعد انتخابات 2005، لكن المجلس الأعلى والتيار الصدري وجزءا كبيرا من حزب الدعوة عارضوا إرادة إيران في هذا الجانب، وكذلك في ما يتعلق باتحاد الائتلاف الوطني العراقي ودولة القانون، إذ لم تفلح إيران بتحقيق هذا الاتحاد حتى اليوم على الرغم من الجهود، التي لا تزال مبذولة، مع أن علاقة كل من حزب الدعوة، الذي يتزعمه رئيس الوزراء المالكي، والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم مع إيران قوية، كما أن إيران كانت ضد الاتفاقية الأمنية مع أميركا، لكن الأحزاب الشيعية العراقية وافقت عليها».

وينوه الخوئي إلى مسألة مهمة أخرى، وهي أن «الدعم الذي تقدمه المؤسسات الإيرانية للأحزاب الشيعية العراقية يتوقف على الظروف والوقت وطبيعة ما هو مطلوب من كل حزب، كذلك درجة الدعم تختلف، فما تقدمه إيران من دعم معنوي ومادي للمجلس الأعلى هو أكثر من ما تقدمه لحزب الدعوة، أو التيار الصدري»، مستدركا بقوله: «لكن إذا سألتني من هو الأكثر قربا في الظروف الحالية لإيران، فسأقول وبلا تردد هو التيار الصدري، لكونه يشكل قوة سياسية مرحلية قد تستفيد إيران منها».

ويوضح الخوئي أن «إيران لا تتصرف وفق ردود فعل سريعة مثلما تفعل بعض الدول العربية، فمن المعروف سعة صدر الإيراني وصبره الطويل، لهذا هم قد يغضبوا من موقف هذا الحزب أو ذاك، لكنهم يتمتعون بروح مطاطية وهم لا يقطعون الدعم أو يتخلون عن حلفائهم، فهم اليوم مثلا لم يتخلوا عن المالكي لكنهم يرفضون بقاءه في منصبه كرئيس حكومة كنوع من العقوبة؛ لأنه عارضهم بقوة في الائتلاف مع المجلس الأعلى قبل الانتخابات. وقد يكون المالكي قد تصرف هكذا لاعتبارات تتعلق بالحفاظ على مصالح حزبه أو تماشيا مع أهواء الشارع العراقي الرافض للموقف الإيراني». ويخلص الخوئي إلى أن الأحزاب الشيعية السياسية العراقية «لا تعطي ولاءها الكامل لإيران ولا تبتعد عنها، وخاصة التيار الصدري الذي يجيد اللعبة السياسية، فأنصار هذا التيار يظهرون أمام الشارع العراقي وكأنهم بعيدون عن إيران، لكن الدعم الإيراني لم ينقطع عنهم في أي يوم».

ويرى محمد علاوي أن «الأحزاب الشيعية السياسية العراقية من الصعب أن تكون رهن الإرادة الإيرانية، ولا تتقبل الأوامر الإيرانية وكأنها مسلم بها، وإخضاع هذه الأحزاب للتأثير الإيراني صعب جدا وهذا يعتمد على شخصية هذه الأحزاب وقوتها ونفوذها في الساحة السياسية العراقية».

ويرى غانم جواد أن سيطرة إيران على الأحزاب الشيعية السياسية «ليست سهلة» بسبب ما سماه بصراع أحزاب الإسلام السياسي الشيعي العراقية فيما بينها من أجل السيطرة على النفوذ أو الساحة السياسية الشيعية، وهو صراع بعيد عن الدين أو المذهب على الرغم من طابعها الديني أو المذهبي، وهذا الصراع كان دائما موجودا حتى تبلور عام 1977 بعد انتفاضة شهر صفر، التي حدثت في الطريق بين كربلاء والنجف (خان النص) جوبهت بنيران وقصف طائرات الهليكوبتر الحكومية في عهد رئاسة أحمد حسن البكر، والتي أعدم فيها الشاب محمد البلاغي وهو لم يكن قد تجاوز 18 عاما من عمره، مشيرا إلى أنه «على إثر ذلك منع الإمام محمد باقر الصدر انتماء طلبة الحوزة الدينية إلى الأحزاب السياسية».

ويشير جواد إلى أن «الصراع تبلور أكثر بعد الثورة الإسلامية في إيران، فقد كان الإمام الخميني لا يؤمن بالأحزاب السياسية الشيعية، لكونه وصل إلى القيادة من خلال الشعب، بينما كان حزب الدعوة يرى أن الحزب السياسي هو الذي يقود الجماهير لتغيير السلطة، وفي الوقت الذي لم يتم وقتذاك تقديم الدعم لحزب الدعوة فإنه تم دعم محمد باقر الحكيم، لكونه آمن بمبدأ ولاية الفقيه، وتم تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عام 1982 في إيران».

ويوضح جواد أن «الصراع بين الأحزاب الشيعية السياسية لم يحسم حتى اليوم من أجل السيطرة على النفوذ الشيعي، وهذا ما وقف عائقا أمام جهود إيران في توحيد الائتلاف الوطني ودولة القانون».

ويكشف جواد عن أن «غالبية عناصر التيار الصدري بعيدة عن إيران على الرغم من تلقي الدعم المعنوي أو حتى المادي من طهران، لكن هذا التيار وأنصاره عروبيون وعراقيون ومنتمون للأرض التي نشأ عليها تيارهم»، مشيرا إلى أن لإيران «خططها وخطوطها ومن الصعب أن تشير إلى أن هذا الخط أو علاقة هذه الجهة بإيران أقوى من تلك، أو أن هذه العلاقة قوية والأخرى ضعيفة».

لكن رضا جواد تقي، القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي يشدد على أن «الخلاف بين الائتلاف الوطني العراقي ودولة القانون عراقي، وبين ائتلافين عراقيين ويتعلق بتقاسم السلطات، إذ يؤيد الائتلاف الوطني موضوع مشاركة الجميع في الحكومة، بينما هناك من يرى أن الحفاظ على الأمن واستمرارية العملية السياسية تتعارض مع مبدأ المشاركة»، نافيا أن تكون لإيران «تأثيرات قوية بحيث تستطيع حسم الخلافات»، يقول: «إيران لا تستطيع أن تفرض على أي جهة أي قرار، من الممكن أن تقترح، أو مثلما سعت لإعادة دولة القانون إلى الائتلاف الوطني، لكن في النهاية يبقى القرار عراقيا تماما».

ويعترف تقي بأن للقوى السياسية الشيعية «علاقات تاريخية مع إيران، هناك علاقات قديمة مثلما المجلس الأعلى وحزب الدعوة، وهناك علاقات نشأت حديثا مثلما التيار الصدري، وهذه الأحزاب لا تضحي بنفوذها وبمصالحها من أجل إرضاء إيران، إذ تبقى المصالح الوطنية هي الأهم».

المصدر السياسي الشيعي أوضح بدوره أن «الشخصية العراقية بطبيعتها لا تتقبل الأوامر من الآخرين، ومشكلة إيران أنها تعاملت مع الشخصية العراقية تماما مثلما تعاملت مع اللبنانيين الذين بطبيعتهم الحياتية يدينون بولاءات عدة، فالمسيحيون ولاؤهم للفرنسيين، وجماعة حزب الله ولاؤهم لإيران، وهناك من ولاؤهم لسورية، وهكذا»، مشيرا إلى أن «هناك جهات عراقية ولاؤها الكبير لإيران، لكنها توازن بين مصالحها وولائها، فالمجلس الأعلى كان يخضع للتأثير الإيراني، لكنهم يرون اليوم أن الشارع العراقي رافض للتدخل الإيراني ويتطلع إلى قرار عراقي، ويأتي حزب الدعوة في الدرجة الثانية في ولائه لإيران، لكن من نستطيع تسميته بالفتى المدلل لدى إيران اليوم هو التيار الصدري».

ويعتقد هذا المصدر أن «التيار الصدري ميال إلى التمرد بسبب عراقيته، فهو لم يتأسس بإيران مع أنه يتلقى دعما إيرانيا، لكن أنصار هذا التيار عراقيون ويميلون إلى أن يجدوا لهم دعما عربيا، دعما من أي دولة عربية للابتعاد عن التأثير الإيراني».

ويشير المصدر إلى أن هناك جهات في التيار الصدري فضلت العمل المسلح وانخرطت في معسكرات يشرف عليها قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الذي يتمتع بميزانية مفتوحة، وهؤلاء هم عصائب أهل الحق، وبقية المجاميع الخاصة التي تتدرب اليوم في المعسكرات التي كانت مخصصة لفيلق بدر في المجلس الأعلى».

وبحسب المصدر السياسي، فإن «قيمة الدعم المادي المقدم للأحزاب الشيعية السياسية العراقية يعتمد على الجهة التي يرتبط بها هذا الحزب أو ذاك، فلو ارتبط الحزب بسليماني والحرس الثوري فهذا يعني أنه سيلقى دعما كريما، لكن يعتبر غير محظوظ من يرتبط بالاطلاعات التي تخضع لتخصيصات محدودة في الميزانية الحكومية».