الدولة تقر بوجوب تعديل القوانين الراهنة في انتظار تشريعات تمنحهم حقوقهم الإنسانية

الفلسطينيون في لبنان يشكون من اعتبارهم «إرهابيين مع وقف التنفيذ»

TT

يقول بائع الخضار الفلسطيني أبو نداء لـ«الشرق الأوسط»: «كل شيء صعب علينا. حتى سوق المخيم وبيوته لم تعد لنا. فقد أصبح المكان لكل من هب ودب ومن دون قانون أو نظام يحمينا كلاجئين».

أبو نداء يعكس الصورة القاتمة لواقع أهالي مخيم صبرا في الضاحية الجنوبية لبيروت. يقول: «هويتي الفلسطينية حالت دون عملي بشهادتي. نسيتها منذ زمن. وإذا قلت لأحد أولادي إني مهندس لن يصدق. وأنا بدوري لا أصدق أن الاتصالات السياسية بين اللبنانيين والفلسطينيين ستغير أحوالي». ويضيف: «كله كلام ولا تطبيق. الورقة الفلسطينية في لبنان لا تتضمن إلا أمرين: التوطين والسلاح. لا أحد يريد أن ينظر إلينا خارجهما. نحن إرهابيون مع وقف التنفيذ. لا أحد يرانا بشرا من لحم ودم».

وهذا الواقع يمكن تعميمه على الغالبية الفلسطينية في لبنان. الظروف المعيشية الصعبة والمتزايدة ترسم معاناتهم. هذه الشكوى يسمعها من يتفقد أحوال ساكني «صبرا» وغيره من المخيمات الفلسطينية في لبنان، الذين لا يترقبون أي تغيير لأوضاعهم بالاعتماد على التصريحات الرسمية التي غالبا ما يسمعها كل مسؤول فلسطيني يزور لبنان، المتعلقة برعاية اللاجئين والإصرار على تحسين أوضاعهم المعيشية من خلال تشريع قوانين تسمح بإعطائهم حقوقهم الإنسانية والاجتماعية، ويأخذ علما بأن هناك ورشة برلمانية لاستصدار قوانين لتسهيل «إقامتهم المؤقتة إلى حين عودتهم إلى بلادهم» على أن لا تشمل هذه القوانين منحهم الجنسية اللبنانية وانخراطهم في الوظائف العامة.

مقابل هذا الكلام التطميني، لا يمكن تجاهل غياب التشريعات التي تكفل حماية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من الناحية القانونية، على الرغم من وجودهم منذ 62 عاما، على الأراضي اللبنانية. هذا الوجود لا يزال مغفلا في المراسيم والتشريعات التي تحدد حقوقهم وواجباتهم. فهم يعتبرون بموجب القرار رقم 319 لعام 1962، الذي صدر عن وزارة الداخلية اللبنانية، ومن دون ذكرهم صراحة، فئة من الأجانب، وتنطلق معظم القوانين اللبنانية، التي تنظم شؤون الأجانب، من مبدأ المعاملة بالمثل، وما دامت لا توجد دولة فلسطينية تعامل اللبنانيين بالمثل، فإن اللاجئين الفلسطينيين، الموجودين في لبنان، لم يُعاملوا كأجانب. ومنذ إقرار اتفاق الطائف عام 1989 وحتى اليوم، لم يعدموا وسيلة إلا لجأوا إليها لإيجاد أرضية تجمعهم مع الحكومة اللبنانية، وأبدوا دعمهم لمسيرة الاستقرار والسلم الأهلي وطالبوا بمنحهم حقوقهم، إلا أن العلاقة بينهم وبين الدولة اللبنانية كانت محكومة بأولوية الأمن وقضية التوطين وذلك على حساب الحقوق التي يجب أن يحصلوا عليها ليتمكنوا من تحسين حياتهم المعيشية.

وقد لاحظ البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الحالية الواقع الصعب للفلسطينيين، وجاء في بنده الحادي عشر أن لبنان الذي يصر على احترام الفلسطينيين سيادته، متمسك بمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني ومنها حقه في تقرير المصير، وحق العودة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، في تأكيد واضح على الالتزام بما جاء في مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 2002.

ويقول عضو المجلس الوطني الفلسطيني سهيل الناطور لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا شيء تحقق حتى تاريخه من الوعود بوضع قوانين تضمن حقوق الفلسطينيين. والسبب الأول هو انشغال الدولة اللبنانية بقضاياها الداخلية. أما السبب الثاني فهو أن الهيئتين المسؤولتين عن متابعة الاتصال غائبتان، وهما (لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني) التي شغر منصب رئيسها باستقالة السفير خليل مكاوي في انتظار تسلم مايا المجذوب الرئاسة ومباشرة العمل، والهيئة الثانية هي (ممثلية منظمة التحرير) الغائبة أيضا بعد مغادرة السفير عباس زكي، وفي انتظار وصول السفير الجديد عبد الله عبد الله».

ويضيف: «هناك نضج لبناني تجاه المطالب الفلسطينية المحقة. وهذه الخطوات الإيجابية تمهد لرأي عام أفضل يدعم الحقوق، إلا أن التنفيذ لا يزال يحتاج إلى خطوات عملية». ويرى الناطور أن «الحركة الجماهيرية والمؤسسات الدولية ضاغطة ولا بد من أن ترتقي إلى نقطة أفضل مما نحن عليه. إلا أن الأمر يبقى رهن الإرادة السياسية اللبنانية». إلا أنه يتخوف من التعطيل الذي قد تواجهه مشروعات القوانين المتعلقة بحقوق الفلسطينيين لدى وصولها إلى لجان مجلس النواب. يقول: «المعركة ستكون في لجنة الإدارة والعدل. صحيح أن المواقف تحسنت وغالبية القوى السياسية أصبحت تتكلم بلغة إيجابية. لكن لا شيء يمكن أن يتحقق قبل تحول الكلام إلى نصوص قانونية».

وفي انتظار النصوص الجديدة، يبين الاطلاع على النصوص القديمة حجم الغبن الذي يلحق بالفلسطينيين المقيمين في لبنان منذ 62 عاما. فالقانون الصادر عام 2001 يحرم هؤلاء من تملك أي حق عيني من أي نوع كان، لأن الأمر يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين. والتملك يثير هواجس لبنانية انطلاقا من أن عدد اللاجئين الفلسطينيين حسب إحصاءات «الأونروا» لعام 2007 يتعدى 400 ألف لاجئ يعيشون معظمهم في المخيمات، مما يعني أنه لم يعد ممكنا للأب الفلسطيني، الذي تملك قبل صدور هذا القانون، توريث أبنائه أملاكه في لبنان، كذلك لا تستطيع الأم اللبنانية توريث أولادها الفلسطينيين ما تملك من عقارات. كما تكمن معاناة اللاجئين في منعهم من التوسع بزيادة مساحة المخيمات القائمة.

ونتيجة للحرب الأهلية التي شهدها لبنان، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المخيمات، تمت إزالة ثلاثة مخيمات فلسطينية، أحدها في الجنوب (النبطية) واثنان في مدينة بيروت (جسر الباشا وتل الزعتر)، مما أدى إلى تشريد سكانها وبعثرتهم في المناطق اللبنانية كافة. وقد رفضت الدولة اللبنانية إعمار هذه المخيمات كما رفضت إيجاد أرض بديلة للبناء عليها، بذريعة أن خطوة كهذه تعتبر مدخلا للتوطين. كما أن الخدمات البلدية أيضا لا تطال المخيمات بأي حال من الأحوال، وشبكات الصرف الصحي والبنى التحتية التي تشرف عليها «الأونروا»، تعاني من مشكلة عدم الصيانة الدورية أو تجديدها، حتى إن بعضها مضى عليه أكثر من نصف قرن. وفي حين يحتل الحق في العمل أولوية لدى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تم تعديل قوانين العمل الصادرة عام 1964 بموجب قرار يحمل الرقم 94/1 عام 2008 المتعلق بالمهن الواجب حصرها في اللبنانيين فقط. وقد عدد هذا القرار معظم المهن والأعمال في مادته الأولى واستثنى من الحصر اللاجئين الفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية والمسجلين بشكل رسمي في سجلات وزارة الداخلية. لكن تطبيقه لم يكن بالمستوى المطلوب.