مطالبة باستحداث محافظة جديدة شمال البصرة تضم حقلي نفط «مجنون» و«غرب القرنة»

سياسيون لـ «الشرق الأوسط»: دعاة المشروع مصابون بالحول السياسي

عراقي يستقل دراجته الهوائية قرب مصفاة نفطية في محافظة البصرة (نيويورك تايمز)
TT

نالت دعوات أطلقتها شخصيات سياسية تنتمي إلى كتل برلمانية مؤثرة في المشهد السياسي خلال وبعد الانتخابات النيابية الشهر الماضي حيزا من اهتمام أهالي الجزء الشمالي من محافظة البصرة بتحويل مدينتي القرنة و«المدينة» إلى محافظة جديدة في العراق تحمل رقم 19. وتضم المنطقة المعنية أكبر حقلين نفطيين تمت إحالتهما إلى الاستثمار بموجب العقود التي أبرمتها وزارة النفط مؤخرا مع شركات عالمية. وإذا كانت هذه الدعوة التي يروج لها بعض من مرشحي قائمة الائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم تتقاطع مع الطروحات الأخيرة للسلطات المحلية الحالية بالمحافظة التي يهيمن عليها تحالف «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي للمطالبة مجددا بتحويل البصرة إلى إقليم فيدرالي، فإنهما يتفقان في تبرير مشروعيهما برفع «المظلومية» التي يعاني منها سكان المدينة الحاوية معظم الثروات النفطية للعراق لتحقيق جزء من حياة كريمة باتت في عداد الأحلام وسط تكرار دوامة المشهد السياسي في تشكيل كل حكومة مركزية. وتباينت آراء سياسيين وإداريين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» حول استحداث محافظة جديدة، بين امتلاك مبررات تستهوي عامة الناس في المحيط المحلي الذين اتخذوا من «جدلية النفط والفقر» وسيلة للترويج، واتهامهم بالسعي للاستحواذ على السلطات المحلية. ووصف بعضهم المشروع بـ«الحول السياسي» أو النظر بعين واحدة إلى صيرورة وحدة النسيج العراقي وتاريخه السياسي والحضاري.

ويرى الدكتور واثب العامود، عضو مجلس المحافظة السابق ومرشح عن الائتلاف الوطني العراقي، في دعم الدعوة باقتطاع قضائي القرنة والمدينة الحاويتين حقول نفط «مجنون» و«غرب القرنة» من محافظة البصرة وتحويلهما إلى محافظة جديدة تضاف إلى الـ18 محافظة القائمة حاليا «حالة الفقر التي يعيشها أبناء القضائين، وقلة التخصيصات المالية لهما باعتبارهما من الضواحي والأطراف على الرغم من ما يمتلكان من كثافة سكانية ومساحة واسعة ومقومات اقتصادية واجتماعية تفوق محافظات قائمة أخرى». وقال: «التكون الجغرافي والبيئة الاجتماعية والاقتصادية والموروث الفلكلوري للمدينتين تختلف عما هي عليه في مناطق البصرة الأخرى، القرنة تحاذي مدينة العمارة والمدينة مجاورة لقضاء الجبايش في محافظة ذي قار، ويشكل أهالي الأهوار نسبة كبيرة بين السكان، والباقي يمتهن زراعة القمح والنخيل؛ إذ يلتقي عندهما دجلة والفرات، وتنتشر على حافتيهما أبراج حقول نفط غرب القرنة ومجنون الاستراتيجية».

وأضاف العامود: «لم يشهد القضاءان منذ عدة عقود أي مشروعات خدمية أو عمرانية كون المخصص لهما من موازنة المحافظة التي هي في الأساس بائسة، ليس سوى نسبة 10% أو 15%. لذا، خلت المنطقة من المعالم الحضارية والعمرانية على الرغم من أنها تمتد على مساحة كبيرة ويقطنها ما يقرب من 750 ألف نسمة». وأوضح أن «هذه الدعوة ليست سوى مواكبة لحالة التطور الإداري؛ إذ كان البلد مؤلفا في البداية من 8 محافظات، ثم 12 محافظة، بعدها وصلت إلى 14 محافظة، والآن لديه 18 محافظ»، مشيرا إلى أن «المنطقة مؤهلة لهذا الاستحقاق، فهي أكثر كثافة سكانية ومقومات إدارية واقتصادية من محافظات المثنى والنجف ودهوك وصلاح الدين والأنبار». وقال: «قمنا بتوزيع استبيان على أهل القرنة والمدينة بهدف معرفة آرائهم، وفي حالة جمع 100 ألف توقيع سنعرضها بطلب إلى مجلس النواب القادم وعند الحصول على الموافقة ستنتعش المنطقة بميزانية كبيرة قياسا بالتخصيص الحالي كغيرها من المحافظات الأخرى». من جانبه، أوضح محمد ناصح مجيد قائمقام القرنة الذي تبلغ مساحته 256 كم مربعا ويقطنه ما يربو على نصف مليون مواطن أن «الدعوة لاقت قبولا كبيرا بين سكان المدينة، وهذا تطلع مشروع نحو الأفضل».

أما باسم صالح غضبان قائمقام قضاء المدينة الممتد على مساحة 140 كلم مربعا ويقطنه قرابة 231 ألف نسمة فيرى «استحداث مركز محافظة جديد يضم هذه المنطقة أمنية يتطلع إليها أبناء القضاء، حيث سيصار إلى تطوير النواحي إلى أقضية والقرى الكبيرة إلى نواحٍ واستحداث وظائف ومقرات إدارية وخدمية تنعش المنطقة»، معربا عن مخاوفه من «ظهور إشكالات قانونية ومحاصصات بين الكتل السياسية تؤدي إلى إجهاض المشروع». وعلى الرغم من أن الأفكار المتداولة حول المشروع تتسم بالواقعية والإقناع - حسب رأي دعاته – فإنها لم ترق لأطراف سياسية وإدارية بالمحافظة التي وصفتها بأنها لا تتعدى «الأماني ووجهات النظر». وقال الشيخ أحمد السليطي، نائب رئيس مجلس المحافظة إن «هذه الدعوة ودعوة أخرى لتحويل قضاء الزبير إلى محافظة، هي وجهات نظر تهدف إلى استمالة عواطف الآخرين كونها لا تمتلك الموجبات القانونية والأرضية السياسية لقيامها». وأضاف أن «تلك المطالب لم تعرض على مجلس المحافظة وهي من اختصاص الحكومة المركزية». ورفض الدكتور أحمد الحسيني، نائب محافظ البصرة، فكرة مشروع استحداث محافظة جديدة شمال البصرة وقال: «إنها عبارة عن تقطيع أوصال البصرة المعروفة في كل بقاع الدنيا بتاريخها الإسلامي والحضاري وملتقى رافديها الخالدين». وأضاف أن «الترويج لمثل تلك الدعوة سيدخل البلد في متاهات جديدة؛ إذ سيطالب أعضاء في البرلمان باستحداث محافظات جديدة على غرارها باعتبار أنهم حققوا إنجازات لناخبيهم من تلك المناطق»، واصفا الداعين إليها بـ«الحول السياسي».