المخاطر الأمنية تغيب المتنزهين عن الريف الغزي المحاذي لإسرائيل

رغم حلول فصل الربيع الذي يجذب الزوار مع تحسن الأحوال الجوية

TT

تفرش الأوراق الجافة الأرض أسفل أشجار اللوز في الكروم التي تنتظم على سفوح التلال الواقعة على امتداد منطقة قوز أبو حمام الريفية شرق مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة. ويشي تراكم هذه الأوراق على هذا الشكل بأن أحدا في الغالب لم يجرؤ على الاقتراب من هذه الكروم منذ زمن، خاصة وأن أصحاب المواشي الذين يقطنون إلى الغرب من هذه الكروم، يقومون في العادة بجمع هذه الأوراق وتقديمها كغذاء إضافي لمواشيهم.

وزائر هذه التلال وعلى وجه الخصوص قممها لا يكاد يرى حركة في أي اتجاه أدار إليه بصره، أكان شرقا أو جنوبا أو شمالا وطبعا إلى الغرب حيث تقع الحدود الإسرائيلية. فالمنطقة تبدو وكأنها منطقة أشباح أو تخضع لحظر تجوال. فالناس يتجنبون الوصول إلى هذه التلال خوفا من نيران قناصة الجيش الإسرائيلي التمركزين إلى الغرب على أبراج مراقبة مطلة على الخط الفاصل بين إسرائيل والقطاع.

الهدوء في هذه المنطقة مطبق.. لا تكسر رتابته إلا أصوات الطائرات الحربية الإسرائيلية التي تخترق حاجز الصوت بشكل مفاجئ لتضاعف مخاوف الناس، وأصوات الطيور أحيانا، إذا ما خف هدير الطائرات.

في الظروف العادية فإن المناطق الريفية في مثل هذه الأوقات من كل عام تعج بالناس المتنزهين الذين يفرون من ضيق مدنهم ومخيماتهم إلى أحضان الطبيعة ومناظرها الخلابة. اعتاد أحمد حسين، 49 عاما، في مثل هذه الأوقات، التوجه من مخيم المغازي للاجئين وسط القطاع حيث يعيش، إلى هذه المناطق مصطحبا معه أحد أولاده، لممارسة رياضة المشي السريع، لكنه لم يعد قادرا على المخاطرة بالوجود في هذه المنطقة.

وقال أحمد لـ«الشرق الأوسط»: «الاقتراب من هذه المناطق أصبح مخاطرة كبيرة». وأضاف: «يمكن أن تستمتع بالمشي في هذه المناطق، لكنك لن تدري من أين سيأتيك الرصاص. لقد تحولت الحياة في هذه المناطق إلى أمر صعب، لا سيما بعد التصعيد الأخير وتعاظم المخاوف من إمكانية شن إسرائيل عدوانا على القطاع».

وتابع القول: «إن من يتحرك في مناطق التماس، وهذه على وجه الخصوص، هذه الأيام، يشعر وكأن المنطقة تعيش تحت نظام حظر التجوال، إذ غاب المتنزهون وتقلصت حركة المزارعين في المنطقة إلى حد كبير، علاوة على أنه لم يعد هناك أثر لبعض الشاب الذين يمارسون هواية صيد الطيور والأرانب البرية في المنطقة».

لهذه الأسباب أيضا، قرر سليم الريدي تأجيل انتقال أسرته للبيت الذي أنجز بناءه في التخوم الشرقية لمدينة دير البلح المطلة على خطوط التماس. ويفضل حاليا مواصلة العيش في الشقة التي استأجرها في المدينة، رغم الإيجار المرتفع. ويخشى سليم وزوجته وأولاده الخمسة الانتقال للبيت المتواضع الذي شيده في هذه المنطقة التي تعتبر إحدى مناطق التماس وقريبة من الحدود، وكلف بناؤه 15 ألف دينار أردني، وذلك خشية عودة التوتر الأمني لهذه المناطق في أعقاب تهديد إسرائيل بالرد على مقتل ضابط وجندي في كمين نصبه المقاتلون الفلسطينيون شرق مدينة خان يونس جنوب القطاع في 27 مارس (آذار) الماضي.

ويبدو القلق على وجوه الناس في هذه المناطق، وهم الذين ذاقوا الأمرين خلال الحرب العدوانية الإسرائيلية الأخيرة على غزة. ويقول إسماعيل الجمال الذي يقطن في الغرب من منطقة أم الجمال، الحدودية وسط القطاع إنه «بخلاف المناطق الأخرى فإن قوات الجيش الإسرائيلي بإمكانها أن تصل في وقت قصير إلى أي مكان في مناطق التماس، وهذا ما يقلص إلى حد كبير مقدرة الناس هنا على أخذ الاحتياطات اللازمة في حال حدث هجوم إسرائيلي مفاجئ».