أوباما يضيق خيارات اللجوء إلى السلاح النووي.. ويؤكد أن العقوبات لن تغير سلوك طهران تلقائيا

قال في حوار تنشره «الشرق الأوسط» إنه يريد عقوبات «ذات تأثير قوي» ضد إيران

TT

أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه بصدد تغيير الاستراتيجية النووية الأميركية، من أجل الحد من الشروط التي تدفع الولايات المتحدة لاستخدام الأسلحة النووية. بيد أن الرئيس قال في مقابلة أجريت معه أول من أمس، وتنشرها «الشرق الأوسط»، إنه يحاول الحصول على استثناء بالنسبة «للمتطرفين أمثال إيران وكوريا الشمالية» الذين انتهكوا معاهدة الحد من الانتشار النووي أو رفضوها.

ووصف أوباما سياسته الجديدة، عشية إطلاقها رسميا أمس، بأنها جزء من جهد أكبر يهدف إلى دفع العالم تدريجيا تجاه جعل الأسلحة النووية أسلحة غير مستعملة، وتقديم محفزات للدول للتخلي عن أي طموحات نووية.

ولتكون مثالا يُقتدى به، تتخلى الاستراتيجية الجديدة عن تطوير أي أسلحة نووية، وتنقض الموقف المبدئي لوزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس.

وتعد استراتيجية أوباما بمثابة تحول حاد عن الاستراتيجيات التي تبناها أسلافه، وتسعى إلى تغيير الوضع النووي للبلاد من أجل الاستعداد لعصر جديد تشكل فيه الدول المارقة والمنظمات الإرهابية تهديدات أكبر من القوى التقليدية مثل روسيا والصين.

وتزيل هذه الاستراتيجية الكثير من الغموض الذي كان موجودا عن عمد في السياسة النووية الأميركية منذ الأيام الأولى للحرب الباردة. وللمرة الأولى، تتعهد الولايات المتحدة بوضوح بعدم استخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير النووية التي تلتزم بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، حتى وإن هاجمت هذه الدول الولايات المتحدة بأسلحة بيولوجية أو كيميائية أو أطلقت هجوما مدمرا عبر الإنترنت.

وقال أوباما إنه من الممكن ردع هذه التهديدات عبر «سلسلة من الخيارات التدريجية»، وهي مزيج من الأسلحة التقليدية القديمة والحديثة. وأضاف، في المقابلة التي أجريت معه في المكتب البيضاوي: «سأحافظ على جميع الأدوات اللازمة للتأكد من أن الشعب الأميركي ينعم بالأمن والآمان».

وقال مسؤولون بالبيت الأبيض إن الاستراتيجية الجديدة ستشمل خيار إعادة النظر في استخدام الرد النووي ضد أي هجوم بيولوجي، إذا وصل تطوير هذه الأسلحة إلى مستوى يجعل الولايات المتحدة معرضة لضربة مدمرة. ومن المرجح أن تكون استراتيجية أوباما مثيرة للجدل بين المحافظين، الذين حذروا من تمييع الرادع الأكثر قوة لدى الولايات المتحدة، وبين الليبراليين الذين كانوا يأملون سماع تصريح شامل بأن البلاد لن تكون أبدا أول من يستخدم الأسلحة النووية.

ودعا أوباما إلى نهج أكثر بطئا، فقال: «نريد التأكد من أننا نستطيع مواصلة التقدم تجاه مقدار أقل من التأكيد على الأسلحة النووية، والتأكد من أن قدرتنا في مجال الأسلحة التقليدية تمثل رادعا فعالا في معظم الظروف الأكثر تطرفا».

بدأ إطلاق الاستراتيجية الجديدة، التي تعرف باسم «مراجعة الوضع النووي»، تسعة أيام مكثفة من الدبلوماسية النووية الموجهة نحو خفض الأسلحة، حيث يعتزم أوباما السفر يوم الخميس إلى براغ لتوقيع اتفاقية جديدة مع روسيا للحد من الأسلحة، وسيستضيف في الأسبوع المقبل 47 من قادة العالم في واشنطن لعقد قمة حول الأمن النووي.

ومن المحتمل أن يظهر الاختبار الفوري للاستراتيجية الجديدة في التعامل مع إيران، التي تحدت المجتمع الدولي بتطوير برنامج نووي تصر على أنه موجه للأغراض السلمية وتقول عنه الولايات المتحدة وحلفاؤها إنه خطوة تمهيدية لتصنيع الأسلحة. ولدى سؤاله عن المواجهة المتصاعدة مع إيران، قال أوباما إنه مقتنع الآن أن «النهج الحالي الذي ينتهجونه سيوفر لهم قدرات الأسلحة النووية» على الرغم من أنه لم يعط جدولا زمنيا. وتهرب أوباما عندما سُئل ما إذا كان يحمل نفس وجهة نظر إسرائيل بأن إيران «التي لديها قدرات نووية» تمثل خطرا مثل تلك التي تملك بالفعل الأسلحة النووية.

وفيما كان جالسا في مكتبه الخاص والأطفال يلعبون في المنطقة الجنوبية من البيت الأبيض أمام صف طويل من البيض في عيد الفصح، قال: «لن أجزأ هذا الحق الآن». لكنه استشهد بمثال كوريا الشمالية، التي لم تكن قدراتها النووية واضحة حتى قامت باختبار نووي عام 2006، والذي أعقبته باختبار آخر بعد وقت قليل من تولي أوباما الرئاسة. وقال: «أعتقد أنه بوسعنا القول إنه كان هناك وقت في الماضي قيل فيه إن كوريا الشمالية ببساطة دولة ذات قدرات نووية حتى قامت بطرد بعثة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأعلنت عن نفسها كدولة نووية. لذا، بدلا من الخوض في خلافات تافهة في هذا الصدد، أعتقد أن المجتمع الدولي لديه إدراك قوي بشأن ماذا يعني السعي لامتلاك طاقة نووية مدنية لأغراض سلمية مقابل امتلاك قدرة تصنيع الأسلحة».

وقال أوباما إنه يريد استصدار قرار عقوبات جديد من الأمم المتحدة ضد إيران «يكون له تأثير قوي»، لكنه لن يتبنى عبارة «عقوبات مدمرة»، والتي استخدمتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون. واعترف بالقيود المفروضة على عمل الأمم المتحدة. وقال: «لسنا من السذاجة لنعتقد أن أي مجموعة من العقوبات ستغير السلوك الإيراني تلقائيا»، مضيفا أنه «لا يوجد مفتاح للإضاءة في هذه العملية».

طوال العام الذي تلا الخطاب الذي ألقاه أوباما في براغ والذي أعلن خلاله عن تغير سياسة الولايات المتحدة بشأن إقصاء السلاح النووي، كان مستشاروه يجتمعون ويتناقشون حول كيفية تحويل ذلك التعهد إلى سياسة ناجحة، دون المساس بمصداقية الدولة فيما يتعلق بالردع النووي.

وقد تأخرت الاستراتيجية النووية الأميركية الجديدة، التي أعلن عنها أمس، عدة أشهر، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه كان يجب على أوباما أن يقضي بين المستشارين الذين كانت لديهم مخاوف بأنه لن يعمل على تغيير السياسة الأميركية بشكل كاف، وبين أولئك الذين يخشون من أن يشجع حدوث تغير مفاجئ الأعداء المحتملين. ومن جهته، قال أحد المسؤولين البارزين إن الاستراتيجية الجديدة كانت نتاج 150 اجتماعا، اشتملت على 30 اجتماعا عقده مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، وكان على الرئيس أوباما التدخل في بعض الأحيان للتنقيح.

وخلصوا في النهاية إلى وثيقة تختلف إلى حد كبير عن الوثيقة التي أعلنها الرئيس جورج بوش عام 2002، بعد ثلاثة أشهر فقط من هجمات 11 سبتمبر (أيلول). وقد تحدث الرئيس بوش أيضا حول إعادة التفكير في الحد من الأسلحة النووية في أعقاب الحرب الباردة وتقليل الاعتماد الأميركي على تلك الأسلحة. لكن وثيقة بوش احتفظت بالحق في استخدام السلام النووي «لردع التهديدات واسعة النطاق»، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية والبيولوجية المحرمة والهجمات التقليدية واسعة النطاق.

وتتخلى استراتيجية أوباما عن ذلك الخيار، إلا إذا كانت الهجمات تشنها دولة نووية، أو دولة غير موقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية أو كانت قد انتهكتها. وأعلنت الوثيقة، أمس بعد أشهر من الدراسة التي كانت تقودها وزارة الدفاع، عن «الدور المركزي» للسلاح النووي في ردع الهجمات النووية التي يمكن أن تتعرض لها الولايات المتحدة أو حلفاؤها أو شركاؤها، وهو تعريف أكثر محدودية من التعريف الذي كان قد طرحه الرئيس السابق بوش.

من جهة أخرى، رفض أوباما الصيغة التي قدمها المدافعون عن الحد من السلاح والتي تقضي بالإعلان عن أن «الدور الوحيد» للسلاح النووي هو ردع هجوم نووي.

وجدير بالذكر أن هناك خمس دول أعلنت أنها دول نووية؛ هي الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين. وهناك ثلاث دول لديها أسلحة نووية لكنها رفضت التوقيع على المعاهدة وهي الهند، وباكستان، وإسرائيل، كما أعلنت كوريا الشمالية انسحابها من المعاهدة في عام 2003. وما زالت إيران من الدول الموقعة على الاتفاقية، رغم أن مجلس الأمن الدولي اكتشف انتهاكات متكررة لالتزامها بالاتفاقية، نظرا لامتلاكها مفاعلات نووية سرية، إضافة إلى رفضها الإجابة على الأسئلة التي تدور حول الأدلة المتعلقة بعملها على تصنيع رؤوس نووية.

ومن خلال قصر الردع النووي على منع انتشار الأسلحة النووية، وبيع أو نقل المواد النووية إلى الإرهابيين أو الدول غير النووية، يكون أوباما قد استخدم بحماس اللغة التي كانت قد بدأت تتطور خلال السنوات الأخيرة من إدارة بوش، والتي حذرت كوريا الشمالية من أنها «ستتحمل المسؤولية الكاملة» عن أي عملية نقل للسلاح أو التكنولوجيا. وفي العام التالي اكتشف أن كوريا الشمالية تساعد سورية على بناء مفاعل نووي دون أن تتحمل أي عواقب لذلك.

وعندما سئل عما إذا كان الإخفاق الأميركي في جعل كوريا الشمالية تدفع ثمنا باهظا لمساعدتها سورية يقلل من مصداقية واشنطن، أجاب أوباما: «لا أعتقد أن الدول الأخرى ترغب في أن نثبت مصداقيتنا في ذلك النوع من القضايا». وأضاف أن مثل تلك الأنشطة تجعل الدولة مهددة بالهجمات النووية، وتابع: «نحن نتعامل مع ذلك بجدية بالغة، لأننا نعتقد أن مثل تلك التهديدات تمثل أكبر التحديات الأمنية للولايات المتحدة». وأشار إلى أنه يأمل أن تكون المعاهدة التي ستوقع الأسبوع الجاري مع روسيا هي الخطوة الأولى صوب مزيد من الخطوات الطموحة للحد من الترسانات النووية، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن ذلك يجب أن يتجاوز العلاقات الروسية - الأميركية. وقال: «سنستغل الفرص للحد من وضعنا النووي، وذلك بالتنسيق مع روسيا وحلف شمال الأطلسي بأسره».

ومن بين القضايا الأساسية التي تنتظر المعالجة قضية الرؤوس النووية التي يبلغ عددها 200 رأس نووية والتي نشرتها الولايات المتحدة في أوروبا الغربية، وكانت روسيا قد طالبت بإزالتها بالإضافة إلى الدول الأوروبية الأخرى. لكن أوباما قال إنه يريد أن يتشاور مع حلف شمال الأطلسي قبل أن يتعهد بمثل ذلك الالتزام.

وسيجتمع ما يزيد على 40 من زعماء العالم في القمة التي ستبدأ في واشنطن خلال الأسبوع القادم والتي تعد أكبر تجمع يحضره رئيس أميركي منذ تأسيس الأمم المتحدة قبل 65 عاما. وقال أوباما إنه يتمنى أن يتمكن خلال القمة من الحصول على تعهد بعض الدول على مساعدته في تحقيق هدفه في تأمين المواد النووية في العالم بأسره كي لا تقع في أيدي الإرهابيين أو الدول الخطرة. وأضاف: «نتمنى عدم إصدار تصريحات غامضة ومطاطة حول عدم رغبتنا في انتشار تلك الأسلحة النووية. نتوقع إصدار تصريحات رسمية توضح سبل الحد من الانتشار النووي خلال الأعوام الأربع القادمة».

* خدمة «نيويورك تايمز»