بريطانيا: براون يحل البرلمان ويدعو للانتخابات في 6 مايو.. والاقتصاد عنوان الحملات الرئيسي

كاميرون يقتبس شعار أوباما ويدعو لـ«التغيير».. وبراون يذكر الناخبين في سوبر ماركت بجذوره «العادية»

براون لدى وصوله إلى قصر باكنغهام قبل الإعلان عن موعد الانتخابات العامة (رويترز)
TT

انطلقت حملة الانتخابات البريطانية رسميا، أمس، بعد إعلان رئيس الوزراء غوردن براون يوم 6 مايو (أيار) تاريخا لإجراء الانتخابات العامة في البلاد، التي قد تشهد فوزا تاريخيا بولاية رابعة لحزب العمال، أو تنتج برلمانا معلقا للمرة الأولى منذ عقود، وهو ما قد ينعكس سلبا على الاقتصاد البريطاني، الذي بدأ يتعافى لتوه بعد الأزمة المالية التي ضربته.

وفي حين يخوض حزب العمال بزعامة براون الانتخابات تحت عنوان أساسه الحفاظ على التعافي الاقتصادي، يصور المحافظون بزعامة دايفيد كاميرون، أنفسهم على أنهم حزب «التغيير»، الذي سينقذ بريطانيا من حزب العمال، الذي قضى 13 عاما في السلطة. أما حزب الليبراليين الديمقراطيين، بزعامة نيك كليغ، فهو يصور نفسه على أنه الحزب الوسط، الوحيد الذي يؤمن بالعدل في المجتمع، والقادر على حماية الشعب من رعونة «المحافظين» وتردد «العمال» في معالجة الوضع الاقتصادي والدَّين العام المرتفع. ولم يضيع زعماء الأحزاب الرئيسية الثلاثة في البلاد، وقتا في النزول إلى الشارع فور إعلان تاريخ الانتخابات أمس، في محاولة لاستقطاب الناخبين الذين لم يحددوا خياراتهم بعد. فتوجه براون إلى مقاطعة كانت في جنوب شرق البلاد، مستقلا القطار، وتوجه إلى سوبر ماركت محلي، يصافح المتسوقين الذين استقبلوه بحفاوة. أما كاميرون، الذي كان قد بدأ يومه الانتخابي حتى قبل أن يعلن براون الدعوة إلى الانتخابات رسميا، فتوجه إلى مستشفى في برمينغهام، شمال البلاد ومعقل المحافظين، بينما نظم كليغ لقاء مع مجموعة من الناخبين الشباب في واتفورد في الضاحية الشمالية الغربية للندن.

وبدأ براون يومه، أمس، بزيارة الملكة إليزابيث الثانية في قصر باكينغهام في العاشرة صباحا، ليطلب إليها حل البرلمان، بحسب التقليد البريطاني. ولم يدم لقاء براون بالملكة أكثر من 23 دقيقة. وسيبقى ما دار بينهما سريا، باستثناء المعروف، وهو أن براون طلب إلى الملكة حل البرلمان، إيذانا بإطلاق الحملة الانتخابية. وغادر بعد ذلك عائدا إلى مقر رئاسة الوزراء في 10 داونينغ ستريت، التي لا تبعد أكثر من كيلومترين عن قصر باكينغهام. ومن أمام مقره، وقف براون محاطا بأعضاء حكومته، ليعلن موافقة الملكة على حل البرلمان، ويكشف عن «أسوأ سر جرى حفظه خلال سنوات»، أي يوم الانتخابات الذي كان معروفا ومتوقعا منذ أسابيع. وفي رسالة مقتضبة توجه بها إلى الناخبين، لم يترك براون، البالغ من العمر 59 عاما، مجالا للشك في أن الرسالة الأساسية التي يريد حزبه أن يوصلها تتعلق بالاقتصاد، أحد أكثر نقاطه قوة. وبراون الذي كان شغل منصب وزير الخزانة طيلة 10 سنوات في ظل حكومة توني بلير، معروف بذكائه الاقتصادي. ويعيد إليه الكثيرون من زعماء العالم والاقتصاديين، الفضل في إيجاد حلّ لمنع الأزمة المالية التي ضربت العالم، من التحول إلى كساد يشبه الكساد الكبير في عام 1929. ولم يحيد أمس عن رسالته الاقتصادية، بل قال: «بريطانيا على طريق التعافي الاقتصادي، ولا شيء نفعله يجب أن يعرض ذلك للخطر، ولذلك أنا أطلب من الناس أن يعطونا تفويضا واضحا ومباشرا». وسيحاول براون طيلة الأسابيع المقبلة التي ستقود إلى الانتخابات، أن يذكر الناخبين بأنه أقرب إليهم من كاميرون، الذي ينظر إليه على أنه ينتمي إلى صفوة المجتمع، وربي في ظل عائلة ثرية وارتاد مدرسة إيتون التي تعتبر من أرقى وأغلى مدارس بريطانيا، ولا تضم إليها إلا نخبة المجتمع. وقد بدأ بالفعل أمس عندما اختار الصعود على متن قطار يرتاده عامة البريطانيين، ويتوجه إلى سوبر ماركت يرتاده متسوقون عاديون. وقد ذكر بالفعل ذلك عندما قال للناخبين بأنه لن ينسى «أبدا الأصول التي تربى عليها في كنف والدين عاديين من أسرة متوسطة الدخل». أما في المقابل، يحاول كاميرون، الزعيم الكاريزماتيكي الشاب الذي لا يتعدى الـ43 عاما، أن يعيد حزب المحافظين إلى السلطة بعد 13 عاما من الجلوس في صفوف المعارضة. بالأمس وصف كاميرون، الذي يكافح لتوسيع الفارق بينه وبين براون، الانتخابات المقبلة بأنها «الانتخابات الأهم في جيلنا». ووعد الناخبين في تجمع انتخابي في لندن، بأنه في حال فاز حزبه، فإنه سيجلب معه «التغيير». وقال: «الانتخابات المقبلة تتعلق بمستقبل اقتصادنا، ومستقبل مجتمعنا، ومستقبل بلدنا. إنها أهم انتخابات عامة منذ جيل... ليس عليكم أن تتحملوا 5 سنوات إضافية من غوردن براون». إلا أن مهمة كاميرون بأن يعيد حزبه إلى السلطة بعد 13 عاما، التي بدت سهلة حتى العام الماضي، حيث كانت استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم واضح لحزب المحافظين، برهنت على أنها لن تكون بهذه السهولة. فالأرقام بدأت تشير منذ بداية العام الحالي إلى تضاؤل الفرق بين الحزبين ليصل أحيانا إلى 4 نقاط لصالح المحافظين، وهو ما سيعطي العمال عددا أكبر من المقاعد، من دون الأغلبية، بسبب النظام الانتخابي وتوزيع الدوائر. وفي أحدث استطلاعات للرأي، تراوح الفارق بالأمس بين العمال والمحافظين بين 4 و10 نقاط. ويعتمد كاميرون في حملته شعار «التغيير» و«الأمل»، شعارين يذكران بالحملة التي قادها باراك أوباما لإخراج جورج بوش من البيت الأبيض. إلا أن شعار المحافظين هذا، يجتذب انتقادات كثيرة من الأحزاب الأخرى، التي تسأل عن أي تغيير يتحدث كاميرون الذي يحاول أن يصور حزبه بشكل أطري مما كان عليه في ظل زعامة مارغريت ثاتشر. وفي مواجهة الحزبين التقليديين في بريطانيا، يجد حزب الليبراليين الديمقراطيين الفرصة الذهبية في هذه الانتخابات للتفوق والخروج من الجلوس في مقاعد الحزب الثالث، إلى الحزب الذي قد يقرر شكل الحكومة المقبلة. وفي حال لم يفز أي من حزب العمال أو المحافظين بأغلبية مقاعد البرلمان، فإن حزب الليبراليين الديمقراطيين سيكون صاحب الكلمة الفصل بعد أن يحدد خياراته ويختار الحزب الذي يريد أن يشكل ائتلافا معه. ويحاول كليغ، زعيم الحزب، أن يصور حزبه على أنه الضمانة للبريطانيين، وعلى أنه «التغيير الحقيقي». وعلى الرغم من أن سياسات حزبه ما زالت تحمل الكثير من الغموض بالنسبة إلى الناخبين، فإن حظوظه إلى ارتفاع، ليس بسبب تحسن رصيده لدى الناخبين ولكن بسبب اشتداد المعركة بين العمال والمحافظين. ومع ذلك، يحاول كليغ دفع الناخبين للتصويت لحزبه عبر إقناعهم بأن الانتخابات ليست فقط مقتصرة على حزبين. وشعار التغيير ليس الوحيد الذي استوحته الانتخابات البريطانية هذا العام من الانتخابات الأميركية، إذ ستشهد البلاد للمرة الأولى في تاريخها مناظرات تلفزيونية بين زعماء الأحزاب الثلاثة. وسيخوض براون وكاميرون وكليغ ثلاث مناظرات تلفزيونية، كل يوم خميس ابتداء من 15 أبريل (نيسان)، من كل أسبوع. ويعلق الكثيرون أهمية كبيرة على تلك المناظرات، التي قد تلعب دورا كبيرا في توجيه الناخبين، الذين لم يقرروا بعد لمن سيعطون صوتهم.