أردوغان في باريس: تضارب حول إيران وتوافق حول الشرق الأوسط

رئيس الوزراء التركي يأمل في تغير الموقف الفرنسي الرافض لانضمام بلاده إلى أوروبا

TT

يلتقي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ظهر اليوم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في قصر الإليزيه في اليوم الثاني والأخير من زيارته الرسمية إلى العاصمة الفرنسية التي أعدت له بعناية بحيث يلتقي الشخصيات الرئيسية الأربعة في الدولة الفرنسية (رؤساء: الجمهورية والحكومة ومجلس الشيوخ ومجلس النواب) ولكن من غير أن يبدد الجانب البروتوكولي الخلاف العميق بين باريس وأنقره حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

وحرص الجانب الفرنسي، زيادة في التكريم واعترافا بالدور المهم لتركيا في ملفات الشرق الأوسط وإيران وأفغانستان والإرهاب وموقعها داخل «الاتحاد من أجل المتوسط»، على إضفاء طابع احتفالي لاختتام موسم تركيا في فرنسا. ولهذا الغرض، تم اختيار قصر فرساي التاريخي لاستضافة حفل موسيقي حضره أردوغان ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه. وحرص الجانب الفرنسي على الإشادة بـ«النجاح الباهر» لفعاليات الموسم التركي الذي وصل إلى 80 مدينة فرنسية.

وفي حديث لصحيفة «لو فيغارو» نشر قبل وصوله إلى باريس، أعرب أردوغان عن دهشته لرفض الرئيس ساركوزي القاطع دخول بلاده إلى الاتحاد الأوروبي وأعرب عن الأمل في أن تساهم زيارته في «تعديل» الموقف الفرنسي. ويبدو أن أردوغان يعزو ذلك إلى جهل الرئيس ساركوزي بواقع تركيا اليوم خاصة أنه لم يزرها منذ أن أصبح رئيسا للجمهورية على العكس من زيارتين قامت بهما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى أنقرة وأن زيارته الوحيدة لها تمت في شبابه. وخلاصة قول أردوغان أن انضمام بلاده «لن يكون عبئا» على الاتحاد «بعكس دول أخرى»، في إشارة منه إلى اليونان التي يقع على عاتق الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي إنقاذها من الإفلاس.

وقالت مصادر فرنسية إن أمل أردوغان في إحداث «تغيير» بالموقف الفرنسي «لن يكلل بالنجاح لأن معارضة ساركوزي جذرية ولن تغيرها زيارة رسمية لرئيس الوزراء التركي». غير أن هذا الاختلاف لن يمنع الجانبين؛ التركي والفرنسي، من تعزيز التعاون الثنائي أو العمل معا بشأن مجموعة من الملفات الدولية الساخنة وعلى رأسها الملف النووي الإيراني. وفي حديثه المشار إليه، عمد أردوغان إلى الإشارة إلى الرئيس الإيراني بـ«صديقي العزيز أحمدي نجاد» في الوقت الذي كرر فيه ساركوزي رفضه «مصافحة» أحمدي نجاد بسبب تصريحاته المتكررة عن إسرائيل. ولا يتوقف الخلاف عند المصافحة؛ بل إنه يتناول جوهر الموقف من طهران ومن طريقة التعامل مع ملفها النووي. وبينما تصر باريس على فرض سلة عقوبات إضافية عليها، يدفع أردوغان نحو حل متفاوض عليه. وقال لصحيفة «لو فيغارو» إن الحل يجب أن يمر «عبر الطرق الدبلوماسية» مضيفا أن العقوبات، على الرغم من أنها مطروحة، لكنها «لن تعطي نتائج» كافية. وندد أردوغان بازدواجية مواقف الدول الغربية التي تدفع إلى العقوبات من جهة وتسارع لتكون أول من ينتهكها. فضلا عن ذلك، أعرب أردوغان عن تعجبه للتركيز على إيران و«إهمال دولة تملك السلاح النووي» في إشارة منه إلى إسرائيل. لكن رئيس الوزراء التركي اغتنم الفرصة ليؤكد أن أنقره تشدد لدى كل لقاء مع المسؤولين الإيرانيين على تمسكها بمنطقة «خالية» من السلاح النووي. ويرتدي موقف تركيا أهمية استثنائية لكونها عضوا في مجلس الأمن وهي إلى جانب البرازيل ولبنان ونيجيريا تعارض قرار عقوبات جديد.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية الفرنسية ردا على نية إيران الدعوة إلى مؤتمر لنزع السلاح النووي في العالم بعد قمة واشنطن للأمن النووي، إن فرنسا «تنتظر من إيران أجوبة ملموسة حول القلق العميق» الذي ينتاب الأسرة الدولية حول برنامجها النووي وليس الدعوة لمؤتمرات عن نزع السلاح النووي في العالم. ومجددا، شكك برنار فاليرو، الناطق باسم الخارجية الفرنسية، في تأكيدات إيران على «الطابع السلمي» لبرنامجها النووي الذي وصفه بأنه «لا يوجد هدف مدني جدي» منه. وفي موضوع الشرق الأوسط، ينتظر أن يعرض أردوغان على المسؤولين الفرنسيين ما آلت إليه علاقات تركيا مع إسرائيل ومحصلة الاتصالات التي تقوم بها الدبلوماسية التركية مع مجموعة واسعة من الدول العربية، بما في ذلك محاولة التوفيق بين الفلسطينيين، واستعدادها لمعاودة دور الوسيط في المفاوضات السورية - الإسرائيلية غير المباشرة. وعلى هذا الصعيد، كشفت الصحافة الإسرائيلية عن وجود مذكرة أعدها مبعوثان دبلوماسيان فرنسيان هما مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الشرق الأوسط نيكولا غاليه ومدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية باتريس باولي، اللذان زارا إسرائيل وسورية الشهر الماضي. وتستبعد المذكرة إمكانية استئناف المفاوضات المباشرة بين دمشق وتل أبيب بسبب تباعد مواقف الطرفين ورفض إسرائيل التعهد بالانسحاب من الجولان ورفض سورية الابتعاد عن إيران. وأبدت باريس رغبة في مشاركة تركيا مهمة الوساطة بين سورية وإسرائيل؛ بل الحلول مكانها في حال استمرت تل أبيب في رفض الوساطة التركية. وندد أردوغان بسياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس وبصمّ إسرائيل أذنيها إزاء مطالبات العالم لها بوقفه، وشدد على حق بلاده في انتقادها، وبغياب شريك السلام الإسرائيلي، وعزا ذلك إلى كون إسرائيل بـ«ثلاثة رؤوس» في إشارة منه إلى نتنياهو وباراك وليبرمان. وتساءل أردوغان: «من نصدق من الثلاثة؟».

وقالت الخارجية الفرنسية إن باريس ستثير مع أردوغان والوفد الكبير الذي يصاحبه، إلى جانب موضوعات التعاون الثنائي والرغبة في تطويره في المجالات كافة، ملفات التعاون الأمني ومحاربة الإرهاب، فضلا عن الملف الأفغاني، والاتحاد من أجل المتوسط. وكان أردوغان في قمة «المتوسط» الأولى التي عقدت في صيف عام 2008 في باريس، بينما ينتظر أن تعقد القمة الثانية في برشلونة الإسبانية في شهر يونيو (حزيران) القادم.