قمة واشنطن تسعى للحصول على توافق دولي على وثيقتين لتأمين المواد النووية

أوباما يركز على «الدبلوماسية النووية» ويجعل مواجهة «الإرهاب النووي» أولوية لإدارته

رجال شرطة يحرسون قصر براغ خلال التحضيرات النهائية لاتفاقية الحد من الأسلحة النووية بين روسيا وأميركا في براغ أمس (ا.ب)
TT

يزور الرئيس الأميركي باراك أوباما براغ اليوم لتوقيع اتفاقية نووية مع نظيره الروسي دمتري مدفيديف، وسط حركة دبلوماسية أميركية مكثفة للتوصل إلى توافق دولي حول القضايا النووية. وبينما يعتبر توقيع أوباما ومدفيديف لاتفاقية «ستارت» الجديدة في براغ اليوم خطوة مهمة باتجاه تقليص الترسانة النووية للدولتين، يتطلع أوباما إلى تنسيق دولي أوسع لتأمين المواد النووية حول العالم من جهة، ومنع انتشار الأسلحة النووية من جهة أخرى.

وبعد الإعلان عن تغييرات جذرية في الاستراتيجية النووية الأميركية في واشنطن قبل يومين، أبرزها التعهد بعدم استخدام السلاح النووي ضد أية دولة لا تملك السلاح النووي وتلتزم بمعاهدة منع انتشار السلاح النووي، تنظر واشنطن إلى إجماع دولي أكبر حول السياسات النووية. وأوضح نائب وكيل وزير الدفاع الأميركية جيمز ميلر في مؤتمر صحافي أمس أن «تقرير مراجعة الوضع النووي» الذي يوضح استراتيجية أوباما النووية «يزيد من أهمية منع انتشار السلاح النووي ومنع الإرهاب النووي ويجعله على رأس أجندة إدارة الرئيس أوباما»، ولكن ذلك يحتاج إلى تنسيق دولي. وأضاف أن «الهدف النهائي هو عالم خال من أسلحة الدمار الشامل»، بينما الخطوات المقبلة للإدارة الأميركية تركز على منع انتشار السلاح النووي وتأمين المواد النووية حول العالم.

وباستضافته «قمة الأمن النووي» في واشنطن الأسبوع المقبل، يركز أوباما على تأمين المواد النووية ومنع «جماعات إرهابية» من الحصول عليها. وأوضح المستشار الخاص لوزارة الخارجية الأميركية لقضايا منع انتشار الأسلحة النووية روبرت اينهورن أن القمة التي ستحضرها 46 دولة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، وممثلون عن الأمم المتحدة تأتي ضمن «مبادرة الرئيس أوباما لزيادة الوعي حول التهديد من الإرهاب النووي»، مضيفا أن على كل الدول «اتخاذ خطوات لتأمين المواد النووية ولمنع سرقتها أو حصول جهات عليها». وأوضح أن قمة واشنطن «ستركز على الأمن والإرهاب النووي، وليس على منع الانتشار أو نزع السلاح».

إلا أنه بإعلانه عن استراتيجيته الجديدة، التي تقول وزارة الخارجية الأميركية إنها تضمنت مشاورات مع حلفاء وشركاء من أكثر من 30 دولة، استطاع أوباما أن يقلص من حدة التركيز على السياسة النووية الأميركية ووضع الكرة بملعب الدول الأخرى التي تحضر «قمة الأمن النووي» في واشنطن لاتخاذ خطوات تؤمن المواد النووية حول العالم. وأكد مسؤولون أميركيون أن مواجهة «الإرهاب النووي» وخطر حصول جماعات إرهابية على سلاح نووي أو حصول دول غير نووية على سلاح نووي يعتمد على تعاون دولي، مما دفع أوباما لاستضافة القمة المقبلة.

ومن المرتقب أن تخرج القمة النووية بوثيقتين أساسيتين، تعمل الدول الـ47 حاليا على إعدادها، تؤكد العمل على تأمين المواد النووية خلال السنوات الأربع المقبلة. وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول الأهداف المحددة للقمة النووية، قال اينهورن: «العمل جار بين الدول المعنية حول التوصل إلى بيان مشترك بالإضافة إلى خطة عمل». وأضاف: الوثيقة الأولى ستعلن «التزام قادة الدول الحاضرين على تقوية آلية تأمين المواد النووية»، بينما الوثيقة الثانية ستركز على «خطة عمل حول التفاصيل» لتطبيق هذا الالتزام. وما زالت المشاورات جارية حول بنود الوثيقتين وصياغتها، على أن يتفق القادة نهائيا عليها خلال القمة.

ويذكر أن القمة التي تعقد يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين لن تتطرق مباشرة إلى قضايا منع الانتشار أو إصلاح نظام منع الانتشار الدولي، بل ستركز على «الإرهاب النووي» وتأمين المواد النووية، على أن تترك قضية منع الانتشار لمؤتمر مراجعة نظام منع انتشار الأسلحة النووية المرتقب عقده في نيويورك في مايو (أيار) المقبل. وبعد أسابيع من الانتظار، أعلن البيت الأبيض عن أسماء الدول المدعوة لحضور القمة النووية، وهي 46 دولة، ولكن لم يتم تأكيد تمثيل كل الدول بعد مع انتظار ردها على الدعوة. وقال الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس إن «الرئيس يأمل بالحديث مباشرة مع كل دولة ضمن اللقاءات الثنائية» على هامش القمة. وينوي أوباما إجراء سلسلة من اللقاءات الثنائية مع القادة الحاضرين القمة، بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الصيني هو جينتاو ورئيس الوزراء الهندي سنيغ. وبينما أكد البيت الأبيض أن أوباما سيلتقي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، لم يؤكد بعد إذا ما كان سيلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي من المرتقب أن يحضر القمة أيضا. ومن المتوقع أن تناقش لقاءات أوباما الثنائية عددا من القضايا، منها الملف النووي الإيراني وجهود إحياء مفاوضات السلام في الشرق الأوسط.

وما زالت هناك تساؤلات حول طريقة اختيار الدول المدعوة إلى القمة، حيث قال اينهورن إن «البيت الأبيض لم يستطع دعوة الجميع، فالقمة ليست جمعية عامة للأمم المتحدة بل تمت دعوة القادة الذين لديهم حصة محددة في هذه القضية أو يمكن أن يقدموا مساهمة رئيسية في مواجهة التهديد» النووي.

ويستقبل أوباما قادة الدول الأسبوع المقبل بعد إعلانه هذا الأسبوع عن استراتيجيته النووية، التي قال الناطق باسم البيت الأبيض إنه كان محوريا في وضعها، واصفا «تقرير الوضع النووي» بأنه «وثيقته» أي أوباما. وشرح نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في مقال رأي نشرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز» أمس أن «تقرير الوضع النووي يحدد طريقة التوصل إلى أمن أكبر من المخاطر النووية الدولية». واعتبر بايدن أن «الخطر اليوم من الحرب النووية العالمية المتعمدة يشبه أن يكون قد اختفى، ولكن التهديدات النووية التي نواجهها من الإرهابيين والدول غير النووية التي تسعى للحصول على مثل هذه الأسلحة أكبر من أي وقت سابق». وأوضح بايدن أن الاستراتيجية الأميركية الجديدة «تترك تفكير الحرب الباردة في الخلف، وتقر بأن التهديد الأكبر للولايات المتحدة والأمن العالم لم يعد التبادل النووي بين الدول، بل الإرهاب النووي من قبل المتطرفين وانتشار الأسلحة النووية إلى عدد متزايد من الدول».

وتشمل مراجعة السياسة النووية الأميركية تعهدات بعدم تطوير رؤوس حربية نووية جديدة، بالإضافة إلى «سياسة بأن الولايات المتحدة لن تستخدم أو تهدد باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير النووية ما دامت ملتزمة بمعاهدة منع انتشار السلاح النووي وتلتزم بتعهداتها بمنع انتشار السلاح النووي». وقال بايدن إن هذه السياسة «تعطي المزيد من الحوافز للدول في أن تلتزم بمنع الانتشار، ولكن الذين لا يفعلون ذلك سيواجهون مزيدا من العزلة وأمانا أقل». وتؤكد الإدارة الأميركية على أن إيران وكوريا الشمالية دولتان تواجهان المزيد من العزلة و«جميع الخيارات مطروحة»، بما فيها تهديد استخدام السلاح النووي، في حال تواصلان رفضهما للالتزام بمعاهدة منع انتشار السلاح النووي والتجاوب مع المطالب الدولية. ومن المتوقع أن يتم التطرق إلى برنامج إيران وكوريا الشمالية النووي في قمة واشنطن، بالإضافة إلى التركيز على برنامجيهما النووي خلال مؤتمر مايو (أيار) المقبل لتقوية نظام معاهدة منع الانتشار النووي.