النجف: مناقشات سرية حول من يخلف السيستاني.. وطهران توسع نفوذها لضمان مُوالٍ لها

خامنئي فتح مكتبا فيها.. ومساعد للمرجع الشيعي: إذا انسحبت أميركا ستلعب بنا إيران كما تشاء

رجل دين إيراني زائر يشتري خاتما من محل في النجف (أ.ب)
TT

يناقش رجال الدين الشيعة داخل مدينة النجف المقدسة سرا من يخلف المرجع الأعلى آية الله علي السيستاني، الذي يبلغ من العمر 83 عاما ويتمتع بنفوذ سياسي. وثمة أشياء عدة تلعب دورا في هذه القضية: المال والتدخل الأجنبي، علاوة على العلم والتقوى.

ومنذ سقوط صدام حسين عام 2003، يستخدم السيستاني مكانته الدينية للمحافظة على استقرار الأوضاع خلال تحول العراق إلى الحكم الديمقراطي عن طريق حث الشيعة على الابتعاد عن أعمال العنف. وفي نفس الوقت، دعم بقوة نهضة الشيعية وتعاظم قوتهم بدعوة أتباعه إلى المشاركة بقوة في الانتخابات كافة.

وجاء في تقرير مفصل لوكالة «أسوشييتد برس» أن السيستاني يقدم توجيهاته إلى ساسة بارزين يطلبون نصحه ودعمه من وراء الكواليس. ويتم التعامل مع تصريحات بصورة حرفية، وتدخل حيّز التطبيق فور إصدارها، وتتنوع ما بين فتاوى يتم صياغتها بحرص وأحكام تتناول شؤون البلاد في المجمل.

وسيلعب خليفة السيستاني، الإيراني المولد، دورا هاما في صياغة مستقبل العراق، وتحديد الاتجاه الذي تسير إليه الأغلبية الشيعية بعد تمكينها أخيرا. ويضفي ذلك على المنصب جاذبية خاصة بالنسبة إلى إيران، في الوقت الذي تسعى فيه لتعزيز مكانتها مع بدء القوات الأميركية انسحابها، المقرر أن يتم في نهاية 2011. وتتمتع إيران فعلا بنفوذ كبير، ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى أن معظم الساسة الشيعة العراقيين عاشوا هناك عدة أعوام إبان نفيهم خلال حكم صدام حسين.

وتقول مصادر مطّلعة في النجف إن طهران تعزز من وجودها داخل المدينة، التي طالما كانت مستقلة عن المراكز الدينية الشيعية في إيران. ويقول الشيخ علي النجفي، وهو الابن والمساعد الأبرز لآية الله بشير النجفي، الباكستاني المولد وأحد أبرز أربعة مراجع كبار في المدينة: «في بعض الأحيان تكون تحاول أيادٍ خفية التدخل في شؤون المرجعية». وقال في إشارة ضمنية إلى إيران: «من المتوقع أن تقوم دول أجنبية بالتدخل في (شؤون) النجف».

وقال مساعد للسيستاني إن رجال دين بارزين من إيران، ومن بينهم المرشد الأعلى آية الله على خامنئي، قاموا أخيرا بافتتاح مكاتب تمثيل لهم في النجف، ويقوم البعض بالحصول على الضريبة الشيعية المعروفة باسم «الخمس» وإدراج أسماء الطلبة في معاهد دينية يديرها نواب لهم.

وقال مساعد السيستاني: «عندما يغادر الأميركيون، سوف يلعب الإيرانيون بنا كما يشاؤون»، مشيرا إلى المخاوف داخل مدينة النجف وفي أماكن أخرى داخل العراق من ازدياد نفوذ طهران بعد رحيل الولايات المتحدة من العراق. وتحدث مساعد السيستاني شريطة عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع.

وتقول مصادر مطلعة إن المال يمثل عنصرا هاما في اختيار خليفة السيستاني. وتحدثوا أيضا شريطة عدم ذكر أسمائهم بسبب حساسية النقاشات الداخلية الدائرة في مدينة النجف.

وعلى سبيل المثال، يكون طلاب المعاهد الدينية فقراء في الأغلب، ويعتمدون على رجال الدين البارزين داخل المدينة كي يوفروا لهم المسكن والطعام. ويقدَّر عدد الطلاب داخل مدينة النجف بسبعة آلاف طالب من مختلف أنحاء العالم الشيعي. ويجذب رجال الدين الذين يقدمون ظروفا معيشية أفضل وأموالا أكثر عددا أكبر من الطلاب، ويترجم ذلك إلى قاعدة دعم أوسع.

ويحمل السيستاني لقب المرجع الأكبر، ويحظى بمكانة كبرى داخل العراق وفي مختلف أنحاء العالم الشيعي. ويختار شيعة العالم، الذين يقدر عددهم بما يزيد على 200 مليون شيعي، المرجع الذي يتبعونه. ولكن حتى بين هؤلاء الذين لديهم مرجع خاص بهم، يتمتع السيستاني بثقل كبير.

واختيار خليفة للمرجع الأكبر عملية معقدة وغير رسمية ولا تتضمن متطلبات في ما عدا المؤهلات الأساسية مثل العلم والتقوى. ويشارك في الأمر عشرات من رجال الدين الكبار والمتوسطين الذين يعرفون باسم «الخبراء»، ويتناقشون سرا بشأن المرشح، ويكون لآرائهم وزن هام.

ويُنظر إلى رجلين يحملان لقب آية الله العظمى داخل مدينة النجف على أنهما المرشحان البارزان لخلافة السيستاني: محمد إسحاق الفياض الأفغاني المولد، والعراقي محمد سعيد الحكيم. وكلاهما كبير السن، ويمثلن شخصية انتقالية.

ويُنظر إلى الفياض، البالغ من العمر 80 عاما، على أنه الشخص الأكثر احتمالية لشغل المنصب. وعاش الفياض في النجف على مدار الأربعين عاما الماضية، ولا يحظى بسوى جزء بسيط من الدعم الذي يحوزه السيستاني في مختلف أنحاء العالم. ومع ذلك، تقول المصادر المطلعة إنه الأقرب إلى السيستاني من بين آيات الله العظمى في المدينة.

وقد حافظ السيستاني على مسافة بينه وبين النظام الديني داخل إيران، ولا يوافق على المبدأ الديني الذي تعتمد عليه الجمهورية الإسلامية، وهو مبدأ «ولاية الفقيه»، الذي يعني حق رجل الدين الأكثر علما في الحصول على نفوذ سياسي. ومن المعروف أن الفياض يوافق على هذا المبدأ بشروط، ولكن لا يعني ذلك بالضرورة أنه يدعم إيران، أو أن طهران تفضل أن يشغل هذا المنصب.

والسيناريو الأكثر احتمالية هو أن تفكر إيران في الأمر على المدى الطويل، على أمل أنه من خلال توطيد نفوذها بين رجال الدين الأقل مكانة في مدينة النجف ستتمكن من ضمان شخص قريب من رجال الدين الحاكمين فيها ليكون في موقع المرجع الأكبر.

ولغياب شخصية لها نفس ثقل السيستاني، فإنه من المحتمل أن يكون خليفته ضعيفا ومؤقتا. وتقول المصادر المطلعة إنه من الممكن أن لا يشغل أحد منصب السيستاني بعد، وأن يستمر الآيات الكبرى الثلاثة الباقون في العمل بنفس الطريقة الحالية حتى يظهر رجل ديني يتمتع بنفوذ كافٍ.