مجند الانتحاريات خبير في التكنولوجيا الرقمية طرد من القاهرة.. وعمل في المجلس الروسي للإفتاء

حياة ألكسندر تيخوميروف تبرز التحديات التي يفرضها التيار الأصولي في روسيا

TT

على الرغم من طفولته التي كانت تتسم بالمرح والوحدة في تلك المدينة الهادئة التي تقع على مقربة من الحدود المغولية في المنطقة البوذية من روسيا التي تبعد إلى حد كبير عن مراكز تجمع المسلمين في البلاد، أصبح تيخوميروف بعد مقتله الشهر الماضي، في منطقة شمال القوقاز المضطربة التي تبعد آلاف الأميال عن موطنه، رمزا للتمرد الأصولي.

فبعدما فجرت امرأتان شابتان نفسيهما في محطة للمترو بموسكو خلال الأسبوع الماضي، مما أسفر عن مقتل 40 شخصا في أسوأ عملية إرهابية تتعرض لها المدينة منذ سنوات، أشارت التحقيقات إلى أنه من المحتمل أن يكون تيخوميروف هو المسؤول عن تجنيد المرأتين وتدريبهما، مع عشرات آخرين من الانتحاريين.

وما زالت الإجابة عن سؤال: «كيف أصبح الصبي الذي كان جيرانه يطلقون عليه ساسكا هو ذلك المسلح المولع بالتكنولوجيا المعروف باسم سيد بروياتسكي؟» تعج بالإشاعات والتكهنات. ولكن الخط الأساسي لرحلة تيخوميروف من السهوب السيبرية إلى جبال الشيشان يقدم إشارات لذلك التحدي الذي يفرضه الإسلام الراديكالي في روسيا والسرعة التي يتشكل بها التمرد في الجنوب الغربي للأمة. ففيما يقل عن عامين مع المتمردين، أصبح تيخوميروف أكثر المدافعين عنهم فعالية، حيث أصبح يجذب الشباب المسلم بلغته الروسية البارعة، وشرحه المبسط للإسلام، بالإضافة إلى براعته في استخدام شبكة الإنترنت. حتى أن أنصاره أعلنوه شهيدا بعد أن قتلته القوات الأمنية - وهو في السابعة والعشرين من عمره - رميا بالرصاص خلال الشهر الماضي مباشرة.

وحتى بعد موته، ما زال يتمتع بنفوذ قوي، فقد تعهد زعيم المتمردين دوكو عمروف بأن يشن لواء الانتحاريين الذين تدربوا على يد تيخوميروف هجمات جديدة في قلب روسيا. كما أنه ما زال يعد أسطورة رقمية، من خلال الكتابات ومقاطع الفيديو المسجلة على شبكة الإنترنت وشرائط «الدي في دي» التي كانت تباع خارج المساجد في جميع أنحاء الاتحاد السوفياتي السابق. ويتذكره جيرانه في أولان أودي، عاصمة إقليم بوريتيا السيبرية، بأنه كان ولدا مضطربا من أسرة تعاني من المشكلات. فقد توفي أبوه البورياتي (أقلية عرقية تنتمي إلى المغول) بعد ولادته مباشرة، ويقال إن أمه الروسية واجهت صعوبة شديدة في كسب عيشها في السوق المحلية.

ومن جهة أخرى، قال أحد سكان موطنه، الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته خوفا من ملاحقة الشرطة، إن اهتمام تيخوميروف بالإسلام جاء بعدما أجبر على ترك المدرسة العليا والالتحاق بمدرسة مهنية، فيما أرجع البعض ذلك التحول إلى زوج أمه الذي كان ينتمي إلى القوقاز.

ولكن في خطاب نشر على أحد مواقع المتمردين، قالت أم تيخوميروف إنه اتجه للإسلام ببساطة بعد اطلاعه على نسخة من القرآن في المكتبة العامة وهو في الـ17 من عمره. فكتبت قائلة: «في نفس ذلك العام، بدأ يبحث عمن يمكنه أن يخبره بأي شيء عن الإسلام».

وربما كان تيخوميروف منذ صغره مهتما بالتطرف الإسلامي، والمساعي الروسية الحثيثة لاجتثاثه. وكان داعية من الأوزبك يدعى بختيار أوماروف قد انتقل إلى مدينته في الوقت الذي اعتنق فيه الإسلام، ووفقا لبعض معارفه، تلقى تيخوميروف تعليمه على يديه. وبعدما أثار أوماروف ضجة من خلال محاولته بناء مسجد، قامت روسيا بترحيله إلى أوزبكستان حيث سجن هناك بتهمة «الترويج للإرهاب». ولكن المدافعين عنه أصروا على أنه كان معتدلا وأنه لم يكن سببا في اتجاه تيخوميروف إلى الراديكالية. وفي أواخر مراهقته، انتقل تيخوميروف إلى موسكو، حيث التحق بالكلية الإسلامية التي أغلقتها السلطات لاحقا خلال محاولات قمع متطرفين مشتبه بهم. سافر بعدها إلى القاهرة، التي درس فيها اللغة العربية، وحضر دروسا لبعض علماء المسلمين الذين قال لاحقا إن أحدهم كان يتحدث عن شرعية اللجوء إلى العنف في سبيل الدفاع عن الإسلام.

ثم عاد عام 2003 إلى موسكو وأخبر أصدقاءه بأن السلطات المصرية قد طردته نظرا لنشاطاته الدينية؛ ثم أطلق على نفسه اسما إسلاميا، سيد بورياتسكي.

ولكنه لم يكن مستعدا للانضمام للمتمردين في شمال القوقاز. فيقول المحققون إنه التحق بالعمل كموظف صغير في المجلس الروسي للإفتاء، الذي يضم المجالس الإسلامية الدينية في كافة أنحاء البلاد.

وقد شهد الإسلام، الذي كان قد تعرض للقمع على يد الشيوعيين والقياصرة، نهضة حديثة في روسيا عقب سقوط الاتحاد السوفياتي. وعلى الرغم من أن معظم المسلمين بالبلاد ويقدر عددهم بنحو 20 مليون مسلم كانوا من الأقليات العرقية التي تميل إلى الرؤى المعتدلة، استطاعت التوجهات الراديكالية أن تجد لنفسها طريقا، بمساندة المؤمنين الأجانب الجدد، وإحباط المسلمين الروس من الزعماء الدينيين الذين تدعمهم الدولة.

وحاول القادة الإسلاميون التقليديون توجيه الشباب إلى التوجهات الإسلامية المعتدلة ولكن النقص الحاد في عدد المساجد نظرا للقيود التي تفرضها الدولة زاد من صعوبة تلك المهمة. ففي موسكو، يوجد نحو ستة مساجد فقط لخدمة ما يوازي نحو ثلاثة ملايين مسلم، وهي أكبر الجاليات الإسلامية في أي مدينة أوروبية.

ومن جهة أخرى، قال إسلام إزهيف، مدير إحدى دور النشر الإسلامية إن تيخوميروف كان يعبر عن يأس المسلمين من المؤسسات الإسلامية الرسمية، وأنه عاد بعد ذلك إلى بورياتيا حيث عمل كحارس لأحد المستودعات وأنه عرض عليه أن يترجم له الكتب المكتوبة باللغة العربية.

وقد اقترح إزهيف على تيخوميروف أن يبدأ بإضافة بعض الملفات على الموقع الإلكتروني «راديو إسلام». وسرعان ما أثبت تيخوميروف أنه داعية يتحلى بالموهبة؛ حيث كانت محاضراته تحظى بمعدلات زيارة على الشبكة عالية وفورية.

وأضاف إزهيف أنه يعارض العنف وأنه كان قد منع تيخوميروف من الحديث حول الجهاد. فيقول: «وقد التزم بتلك الحدود. ولم أر أي مظهر من مظاهر التعصب».

وعلى شبكة الإنترنت، كان الراديكاليون يوجهون انتقادات حادة لتيخوميروف نظرا لرفضه التحدث حول الممارسات الوحشية التي قامت بها روسيا لقمع التمرد في القوقاز، التي أعلن متمردوها عام 2007 الجهاد من أجل إقامة إمارة إسلامية.

وفي ربيع 2008، تلقى تيخوميروف شريط فيديو من أحد زعماء المتمردين يدعوه للانضمام لهم. فيقول تيخوميروف في شريط فيديو خاص به إنه: «فكر في الأمر لثلاث أو خمس ثوان فقط»، ثم توصل إلى أن الله يدعوه إلى تأييد مواعظه بالأفعال.

ونظرا لعرقه المختلط، فسرعان ما أصبح رمزا ذا نفوذ في حركة التمرد التي تحاول مد نفوذها إلى خارج الشيشان وباقي أنحاء القوقاز. وكانت خطبه الوعظية، التي كان يصورها في أحد معسكرات القتال، تمزج بين التعاليم الإسلامية والسخرية، مما جعلها تمس وترا في تلك المنطقة الإسلامية الفقيرة التي كانت تعج بالمقاومة ضد القوات الأمنية.

وقد أطلق تيخوميروف على صرخات الأعداء المصابين «موسيقى للأذن» ووصف دوره المحوري في سلسلة العمليات الانتحارية التي بدأت الصيف الماضي في ظل عودة «لواء رياض الصالحين» الذي كان قبل ذلك يشن هجمات في مختلف أنحاء روسيا، فكتب تيخوميروف في ديسمبر (كانون الأول): «طالما حييت، سأعمل على توسيع قاعدة رياض الصالحين، وإرسال موجات جديدة من المجاهدين للقيام بعمليات استشهادية».

وفي الثاني من مارس (آذار)، وعندما أحاطت القوات الأمنية به، وبغيره من المقاتلين في إحدى القرى بأنغوشيا، سجل تيخوميروف آخر خطبه الوعظية على هاتفه الجوال، وفقا للمسؤولين، ولكن السلطات صادرت الهاتف بالإضافة إلى برميل بسعة 50 لترا من المتفجرات.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»