«ثورة السوسن» تجتاح قرغيزستان.. وغموض حول مكان الرئيس

المتظاهرون اجتاحوا المؤسسات الحكومية وخطفوا مسؤولين.. وسقوط عشرات القتلى

رجل أمن بلباس مدني يركل برجله متظاهرا في العاصمة القرغيزية أمس (رويترز)
TT

جاء دور «ثورة السوسن» الثالثة، في سلسلة الثورات الملونة التي اجتاحت عددا من جمهوريات الفضاء السوفياتي السابق. فها هي قرغيزستان تواجه الاضطرابات والمظاهرات التي ترفع شعارات الإطاحة بزعماء «ثورة السوسن»، وذلك بعد نجاح أوكرانيا في إخماد «الثورة البرتقالية» والإطاحة بأهم رموزها فيكتور يوشينكو ويوليا تيموشينكو، وزعزعة أركان مثيلتها «ثورة الورود» في جورجيا التي اضطرت إلى التسليم بهزيمتها العسكرية صيف عام 2008.

فقد اجتاحت المظاهرات أمس عاصمة قرغيزستان بشكيك وكثير من الأقاليم الأخرى، تطالب باستقالة الرئيس والحكومة وإطلاق سراح زعماء المعارضة مما دفع رئيس الجمهورية قرمان بك باقييف إلى فرض حالة الطوارئ وإعلان حظر التجوال. واشتعلت المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين في عدد من المدن وفي وسط العاصمة وأمام مقري البرلمان والحكومة، مما أسفر عن مقتل العشرات، معظمهم من رجال الشرطة وأفراد الأمن. وتحدث أحد زعماء المعارضة عمر بك تيكيباييف عن سقوط نحو مائة قتيل في المواجهات.

وكان مئات المعارضين قد دخلوا إلى مبنى البرلمان الواقع على بعد عشرات الأمتار من المقر الرئاسي الذي جرت محاصرته أيضا من قبل المتظاهرين. وتحدثت وكالات الأنباء عن اشتعال النيران في مكتب المدعي العام، وسماع نيران أطلقتها الشرطة في الهواء. كما أطلق متظاهرون النار على مبنى الحكومة مستخدمين بنادق كلاشنيكوف صادرتها الشرطة فيما بعد.

واندلعت الصدامات أمس عندما حاولت قوات الأمن تفريق المتظاهرين المعارضين في بشكيك بإطلاق الرصاص الحي، مما أسفر عن سقوط عدد من القتلى. كما استخدمت قوات الأمن قنابل مسيلة للدموع وأخرى صوتية فيما تمركز قناصة من قوات النخبة على سطح مقر الرئاسة.

وقالت مصادر إن المتظاهرين داهموا وسط العاصمة على متن سيارات الشرطة التي كانوا استولوا عليها، وبعد نجاحهم في اختطاف عدد من كبار المسؤولين ومنهم النائب الأول لرئيس الحكومة عقيل بك جباروف في مدينة تالاس وبيشين بك بولوتبيكوف محافظ مقاطعة تالاس ووزير الداخلية مولود موسى كونغانتييف. ودار لغط حول مصير وزير الداخلية كونغانتييف. فقد أعلن مصدر في الوزارة ووسائل إعلام مستقلة ومنظمات غير حكومية أنه قتل في تالاس (شمال غرب) أثناء صدامات، لكن ما لبث أن نفى مقتله متحدث باسم الوزارة.

وجرى تداول أخبار غير مؤكدة أن الرئيس باقييف لجأ إلى القاعدة لعسكرية الأميركية. ولم يكن بوسع مسؤولين في الجهاز الإعلامي التابع للحكومة الكشف لوسائل الإعلام أمس عن مكان وجود رئيس الدولة الذي وصل بنفسه إلى السلطة إثر انقلاب في مارس (آذار) 2005 لكنه يتعرض للانتقادات متهما بالاستبداد والمحاباة.

وأشارت المصادر إلى أن الفوضى سادت شوارع عاصمة مقاطعة تالاس بعد أن راح الشباب من المتظاهرين في المدينة يجوبون شوارعها حاملين السلاح في أعقاب نجاحهم في الاستيلاء على مركز الأمن والشرطة. وقالت إن المتظاهرين اقتحموا المتاجر والفنادق الخاصة واستولوا على كل ما وقعت عليه أياديهم من أثاث وأجهزة كومبيوتر. وكشفت المصادر عن استيلاء أنصار المعارضة على مقر التلفزيون الرسمي الذي سارع لقطع إرساله وإن أشارت إلى استمرار بث القنوات الناطقة بالروسية التي تواصل إرسالها من مدينة اوش جنوب قرغيزستان.

وقالت المصادر نقلا عن عظيم بك بيكنازاروف النائب العام السابق للجمهورية وأحد قادة المعارضة قوله إن الهدف الرئيسي من المظاهرات هو تنحية السلطة المركزية في البلاد وليس في مقاطعة بعينها، مؤكدا عزمه على التحالف مع بقية قيادات المعارضة في مختلف المقاطعات للتنسيق لاحقا وتشكيل ائتلاف ديمقراطي في الوقت الذي تواصل فصائل المعارضة نجاحها في الاستيلاء على مقار السلطة المحلية في كثير من المدن والمقاطعات.

وأعلن المدعي العام نورلان تورسونكولوف اعتقال ثلاثة من قادة المعارضة واتهامهم بارتكاب «جرائم خطيرة» بينهم الرئيس السابق للبرلمان عمر بك تيكاباييف والمرشح السابق للمعارضة إلى الرئاسة ورئيس الوزراء السابق يلماظ بك اتامباييف. ثم أفرج بعد ذلك عن تيكاباييف بحسب وكالة الأنباء القرغيزية «خبر».

وصرح أحد قادة المعارضة تمير سارييف أمس لإذاعة ازاتيك المستقلة أنه شارك في محادثات مع رئيس الوزراء، مؤكدا أنه تم التوصل إلى «اتفاق بين الطرفين بأن تتوقف السلطات عن إطلاق النار على المواطنين وأن تفرج عن قادة المعارضة الموقوفين».

وفيما تواردت أنباء تقول باستخدام القوة ضد المتظاهرين وإعلان واحدة من زعماء المعارضة عن مقتل عشرة من المتظاهرين في قلب العاصمة، دعت روسيا والولايات المتحدة، وكلتاهما تملك قاعدة عسكرية في هذه الجمهورية السوفياتية السابقة، إلى الهدوء.

وقالت السفارة الأميركية «ندعو كافة الأطراف لاحترام القانون وندعو المتظاهرين والحكومة لبدء محادثات من أجل حل خلافاتهما بطريقة سلمية». وتملك الولايات المتحدة في مطار ماناس في بشكيك قاعدة عسكرية جوية أساسية لعملياتها في أفغانستان بحيث يمر عبرها معظم الجنود المنتشرين على الأرض.

أما المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية اندري نستيرنكو فقال: «ندعو بإلحاح الأطراف المتنازعة للامتناع عن أعمال العنف من أجل تفادي إراقة الدماء». وقالت المصادر الرسمية الروسية إن القوات الروسية الموجودة في قرغيزستان تلتزم الحياد ولا تتدخل في الأحداث الجارية هناك مؤكدة أن أفراد الوحدات غير مسموح لهم بالخروج من ثكناتهم داخل القاعدة العسكرية التي جرى فرض الحراسة المشددة حولها في قانت بضواحي بشكيك. وأكدت مصادر وحدات الانتشار السريع التابعة لمعاهدة الأمن الجماعي والموجودة في قرغيزستان التزامها بالابتعاد عن أي تدخل في الشؤون الداخلية لقرغيزستان وكل البلدان أعضاء المعاهدة.

من جهتها، دعت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الحكومة والمعارضة في قرغيزستان لسلوك الحوار بغية وضع حد للمواجهات. كما وجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نداء جديدا دعا فيه إلى ضبط النفس والحوار بغية تفادي إراقة الدماء من جديد في قرغيزستان كما جاء في بيان للمنظمة الدولية.