باكستان تتهيأ لتغيير دستورها.. والأعين على مستقبل زرداري

خصوم الرئيس يتحينون الفرصة للتحرك.. والأقاليم أكبر مستفيد من التعديلات

آصف زرداري
TT

يقوم البرلمان الباكستاني حاليا بمناقشة عدد من التعديلات الدستورية، بعد عقود من التشوهات التي مني بها (الدستور) على يد سلسلة من الحكام العسكريين الاستبداديين. وحظيت التغييرات المقترحة بترحيب واسع النطاق هنا، باعتبارها خطوة مهمة نحو إدخال تحسينات طويلة المدى على الحال المتردية للديمقراطية في البلاد. بيد أن هذه التغييرات تهدد كذلك بفتح فصل جديد من غياب الاستقرار أمام حكومة الرئيس آصف علي زرداري، نظرا لما تتضمنه من تقليص لسلطاته، مما يجعله أكثر ضعفا في مواجهة التحديات الصادرة عن المعارضة.

ومن المتوقع تمرير التغييرات الشهر الحالي، وتمثل لحظة نادرة من الإجماع داخل المشهد السياسي الباكستاني المنقسم على نفسه. وكان ممثلون عن 14 حزبا سياسيا، بقيادة عضو بالحزب الذي ينتمي إليه زرداري، قد قضوا 10 شهور في الإعداد لـ102 تعديلات في الدستور.

نظريا، من شأن هذه التغييرات استعادة الديمقراطية في صورتها الأصلية، بمعنى بناء نظام برلماني يرأسه رئيس وزراء، والقضاء على السلطات المتراكمة التي دمجها الحكام العسكريون المستبدون في منصب الرئاسة. لكن باكستان غالبا ما اتسمت بالفوضى، على مدار تاريخها الممتد منذ 62 عاما، حيث لم تنجح حكومة منتخبة قط في إتمام دورة عملها، وعادة ما يغيب حكم القانون. وعليه، فإنه من غير المؤكد ما إذا كانت القوانين الجديدة سيجري الالتزام بها فعليا على الصعيد العملي.

بالنسبة للولايات المتحدة، تعني التغييرات أمرين متناقضين، فعلى المدى البعيد، يمكن أن تعزز إمكانات تمتع باكستان بحكومات مدنية أقوى وأكثر فاعلية، وهو أمر أعلنت إدارة أوباما عن رغبتها في تحقيقه. بيد أن المصالح الأمنية قصيرة الأمد عادة ما تغلبت على أفضل النوايا على امتداد تاريخ العلاقات الأميركية - الباكستانية، ومن المحتمل أن تبقى إغراءات اللجوء إلى التعامل مع المؤسسة العسكرية، باعتبارها مؤسسة فاعلة وقوية.

ويعتقد كثيرون أن هذا هو ما يجري بالفعل، حيث عمد القادة العسكريون إلى انتهاج طريق خاص بهم في رسم مسار العلاقات الباكستانية مع الولايات المتحدة والهند، وتصدوا لمحاولات زرداري وضع وكالة تجسس عسكرية تحت سيطرة مدنية. والملاحظ أيضا أن جنرال أشفق برويز كياني، قائد الجيش، احتل مكانة محورية في اجتماع رفيع المستوى عقد في واشنطن الشهر الماضي، وتولى رئاسة اجتماع بين مسؤولين فيدراليين قبل توجهه إلى الولايات المتحدة، وهي الزيارة الأولى من نوعها في تاريخ باكستان.

في هذا الإطار، أعرب فاروخ سالم، الذي يكتب عمودا صحافيا في «نيوز»، وهي صحيفة يومية تصدر بالإنجليزية، عن اعتقاده أن «السلطة انتقلت من إسلام آباد إلى روالبيندي»، في إشارة إلى عاصمة بلاده والمدينة التي يصفها الجيش بأنها معقله. وأضاف: «ربما يحتل مدنيون مناصب ذات سلطة، لكنهم لا يمسكون فعليا بزمام كثير من الأمور».

من الناحية النظرية، من شأن التغييرات المقترحة على الدستور إعادة تنظيم السلطة في البلاد على نحو قد يبدل الوضع الراهن، حيث سيفقد الرئيس سلطته المثيرة للجدل، التي تخول له حل البرلمان، وهي سلطة تعد بمثابة سلاح في يده يعود إلى عقد الثمانينات وجرى استغلاله منذ أمد بعيد من قبل الأطراف السياسية المتناحرة لتدمير الحكومات المنافسة، بتحريض من المؤسسة العسكرية. وبذلك يكتسب دور الرئيس طابعا شرفيا أكبر، بينما يكتسب رئيس الوزراء سلطات أكبر.

رغم أن هذا التحول صحي على المدى الطويل، فإنه يثير التساؤلات على المدى البعيد حول مدى قدرة الحكومة على الاستمرار، حيث يتمتع «حزب الشعب الباكستاني» الذي ينتمي إليه زرداري، بأكبر عدد من مقاعد البرلمان حاليا. وواضح أن هذه التغييرات بمقدورها خلق فرصة أمام أخطر خصوم زرداري، أي نواز شريف، قطب صناعة المعادن، من خلال السماح له بتولي منصب رئيس الوزراء مجددا. وقال نجم سيثي، رئيس تحرير صحيفة «فريداي تايمز» الأسبوعية: «بات الطريق ممهدا الآن أمام نواز شريف لزعزعة الاستقرار عبر المطالبة بعقد انتخابات تجديد نصفي». وأشار إلى أن إحدى الإشارات المهمة في هذا الشأن هي الازدراء الذي أبداه شريف تجاه الاحتفالية الوطنية التي أقامها البرلمان احتفاء بحزمة التغييرات أخيرا. واستطرد سيثي موضحا: «هذا ينبئ عن عزمه التحرك بسرعة لانتقاد التعديلات والحكومة».

من جهتهم، أشار أنصار زرداري إلى أنه بتخليه عن بعض سلطاته، يوفي الرئيس بوعد كان قد قطعه على نفسه منذ عامين لدى توليه الرئاسة، وأن هذه الخطوة من شأنها حرمان خصومه السياسيين وداخل المؤسسة العسكرية والحقل الإعلامي من ذريعة لمهاجمته. وجدير بالذكر أنه رغم تخليه عن كثير من صلاحياته لصالح رئيس الوزراء، فإنه في الوقت الراهن على الأقل يحتل هذا المنصب يوسف رضا جيلاني، وهو عضو بالحزب السياسي الذي يسيطر عليه زرداري ومن غير المحتمل أن يتحدى الرئيس. ومعروف أن رؤساء الأحزاب في باكستان يتمتعون بنفوذ هائل، نظرا لسيطرتهم على المرشحين بالقوائم الحزبية، وهي ميزة كبرى بالنسبة للسياسيين المحليين.

من جهته، أوضح رسول بي. ريس، بروفسور العلوم السياسية في جامعة لاهور للعلوم الإدارية، أنه «شخصية تفتقر إلى الشعبية على نحو بالغ، لكنه يشكل مصدر النفوذ داخل حزب الشعب الباكستاني، ومن الناحية المؤسساتية، يعد رئيس الوزراء مسؤولا أمامه».

ومن بين أخطر التداعيات طويلة الأمد للتغييرات، حسبما يرى محللون، تحويل السلطة لصالح الأقاليم، فبعد عقود من الخضوع لإدارة إسلام آباد لها، ستحظى الأقاليم أخيرا بحق إصدار تشريعات خاصة بها والسيطرة على برامجها التعليمية والمزيد من مواردها المالية، بجانب أمور أخرى، وهو تحول صعب، يمكن أن يسفر عن مزيد من زعزعة الاستقرار في حال عدم التعامل معه بالحساسية المطلوبة.

ومع ذلك، أبدى حسن عسكري ريزفي، وهو محلل في لاهور، اعتقاده أن التغييرات الجديدة طورت على نحو إيجابي إمكانات النظام الديمقراطي الباكستاني الهش، بالنظر على الأقل إلى أنه بعد سنوات من المنازعات الحزبية ضيقة النطاق، تمكن السياسيون أخيرا من الاتفاق على قضية بالغة الأهمية. وقال ريزفي: «لقد اتفق السياسيون الباكستانيون فعليا على أمر ما، على خلاف عادتهم».

إلا أن قليلين فقط يرون أن هذه التغييرات من المحتمل أن تحسن صورة زرداري المفتقر إلى الشعبية في أوساط الباكستانيين الذين يعانون تحت وطأة مصاعب اقتصادية، على رأسها البطالة والتضخم بدرجة تشغلهم عن الاهتمام بالتعديلات الدستورية. وقال سيريل ألميدا، الصحافي بصحيفة «دون»، وهي صحيفة يومية: «سيترك هذا تداعيات على وسائل الإعلام والطبقة السياسية، لكن هل سيسهم في اجتذاب أصوات انتخابية لصالح طرف بعينه؟ لا أظن ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»