براون يطرح إصلاحات دستورية في بريطانيا.. استعدادا للتفاوض على حكومة ائتلافية

«المحافظون» يركزون على انتقاد سياسات «العمال» الضرائبية في اليوم الثاني من انطلاق الحملة الانتخابية

TT

خطا رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، أمس، خطوة كبيرة باتجاه فتح الباب أمام مفاوضات تقاسم السلطة مع حزب الليبراليين الديمقراطيين، الحزب الثالث في البلاد، الذي قد يصبح لاعبا أساسيا بعد صدور نتائج الانتخابات العامة، في حال لم يتمكن أي من الحزبين الرئيسين بالفوز بأغلبية مقاعد مجلس العموم.

وفي اليوم الثاني من انطلاق حملة الانتخابات، خف الحديث عن الاقتصاد في حملة عنوانها الأساسي الحفاظ على الانتعاش الاقتصادي. وبدل الالتزام بما أعلن أنه سيكون عنوان حملته، طرح براون أمس مجموعة من الإصلاحات الانتخابية في مجلسي العموم واللوردات، وهي جزء مما يطالب به حزب الليبراليين الديمقراطيين منذ مدة طويلة. وجاءت اقتراحات براون بعد أيام من النقاش المتواصل حول نية حزب العمال رفع ضريبة على المنتمين للتأمين الوطني، وهي ضريبة يتعين على أصحاب العمل أن يدفعوها عن كل موظف لديهم. وقد اعترض على ذلك مجموعة من أصحاب العمل، إلا أن براون لا يزال متمسكا بخطته.

وقال زعيم حزب المحافظين دايفيد كاميرون عن ذلك أمس في تجمع انتخابي في مخبز بمنطقة بالتون في جنوب البلاد: «إن رفع تلك الضرائب سيؤدي إلى خسارة وظائف، لأن رجال الأعمال لن يوظفوا موظفين كي لا يدفعوا ضرائب على كل شخص». ووعد كاميرون، الذي كان يتحدث لمجموعة من الموظفين في المخبز، وقد وقف وظهرت خلفه أكياس الخبز، بأن حزبه سيخفض تلك الضرائب في حال فاز بالانتخابات. ويناقش براون بأن رفع الضريبة على التأمين الوطني ضروري للحفاظ على مستوى الخدمات العامة في قطاعات الصحة والتعليم والمواصلات، إلا أن كاميرون يدعو إلى خفض الإنفاق الحكومي بدلا عن ذلك.

وكان براون قد مثل أمس للمرة الأخيرة أمس أمام البرلمان في جلسة الاستجواب الأسبوعية، قبل الانتخابات العامة بعد شهر من اليوم، ليواجه كاميرون، في جلسة طغى عليها نقاش حول نية حزب العمال رفع الضرائب على نظام التأمين الوطني، واعتراض المحافظين على ذلك.

وقال بعض المحللين إن براون حاول أن يشتت الانتباه عن النقاش حول التأمين الوطني المستمر منذ أيام، عبر إعلانه مجموعة الإصلاحات الدستورية. ومن بين ما اقترحه براون من إصلاحات، تحديد فترة حياة البرلمان بـ4 سنوات، علما بأن النظام الانتخابي اليوم يسمح لرئيس الوزراء بأن يدعو للانتخابات في أي وقت يشاء خلال 5 سنوات من انتخاب البرلمان. ويعتبر هذا الطرح جريئا وجديدا.

كما وعد زعيم حزب العمال بإلغاء التوارث في مجلس اللوردات وتحويله إلى مجلس يتم انتخابه عبر التصويت الشعبي، وقال في تجمع انتخابي في لندن أمس: «في نهاية البرلمان القادم، ثلث مجلس اللوردات سيكون منتخبا، وثلث آخر من أعضائه سيتم انتخابه في الانتخابات العامة المقبلة». كما اتهم حزب المحافظين المعارض بأنه يرفض تأييد هذه الإصلاحات، خصوصا تلك المتعلقة بمجلس اللوردات. وتستعمل الأحزاب مجلس اللوردات في بريطانيا في الكثير من الأحيان، لمكافأة أشخاص عبر منحهم لقبا نبيلا يحتفظون به طول العمر. واقتراح براون بإصلاح نظام المجلس، يعود جزء منه إلى فضائح تم الكشف عنها أخيرا، تتعلق بتهرب عدد من أعضاء المجلس عن دفع ضرائب في البلاد مقابل التبرع لحزب. وسيطرت قصة اللورد أشكروفت وتهربه من الضرائب مقابل التبرع لحزب المحافظين، على الصفحات الأولى للجرائد البريطانية طوال أسابيع. وكوفئ أشكروفت بلقب وبكرسي في المجلس بسبب تبرعاته السخية لحزب المحافظين طوال السنوات الماضية التي كان جلس فيها الحزب في صفوف المعارضة. وتبين لاحقا أن اللورد يتهرب من دفع الضرائب في بريطانيا.

وكانت أيضا قد تفجرت العام الماضي فضيحة نفقات النواب وبعض أعضاء اللوردات، والتي كشفت عن استغلال السياسيين من كل الأحزاب لنظام النفقات الخاص بهم، وتبين أنهم يطالبون بأكثر مما يحق لهم. وقد هزت هذه الفضيحة البرلمان في بريطانيا، وأسهمت في رفع الأصوات المطالبة بإدخال إصلاحات لمحو الفساد.

وقد علق البروفسور بول ويب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ساسكس في بريطانيا، على الإصلاحات التي قال براون إن حزبه سيدخلها في حال فاز بالانتخابات، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك شعور لدى الناخبين بأن هناك فسادا في البرلمان بعد فضيحة النفقات، لذلك على الأحزاب الثلاثة أن تظهر وكأنها تبذل جهدا لإدخال إصلاحات». ولكن توقيت إعلان هذه الإصلاحات، قبل شهر من الانتخابات العامة، وفي وقت تشير فيه معظم استطلاعات الرأي إلى أن النتائج ستسفر عن برلمان معلق، لها أبعاد سياسية يلعب عيها حزب العمال. وقال ويب عن ذلك: «هناك بالطبع خوف من برلمان معلق، والهدف من محاولة براون هو إقناع الليبراليين الديمقراطيين بأن يدعموه مقابل أن يمنحهم إصلاحات يريدونها».

إلا أن حزب الليبراليين الديمقراطيين، الذي سيشهد غزلا متزايدا من الحزبين الرئيسيين مع اقتراب موعد الانتخابات، لا يبدو مقتنعا جدا بصدقية حزب العمال، خصوصا أن الحزب رفض إدخال أي إصلاحات شبيهة طوال 13 عاما قضاها في السلطة. وكان نيك كليغ، زعيم الحزب، قد انتقد كلا من العمال والمحافظين، بسبب رفضهم دعم أي خطوات بهذا الاتجاه. وقال تعليقا على إعلان براون، إن الحزبين «لا يمكن الثقة بهما في إدخال إصلاحات دستورية، فقد رفضا بشكل دوري كل إصلاح تقدمنا به... حزب العمال كان لديه فرصة لإصلاح هذه الفوضى، وفشل». وأضاف: «إنهم يحاولون أن يعاملونا على أننا أغبياء».

وكان براون قد أعلن قبل عدة أسابيع استعداده لتغيير النظام الانتخابي، وتحويله إلى نظام نسبي مما يسمح لحزب الليبراليين الديمقراطيين وللأحزاب الصغيرة بأن تمثل بشكل أكبر في البرلمان. ويرفض حزب المحافظين تأييد ذلك لأنه قد يصعب عليهم كثيرا الحصول على غالبية أصوات البرلمان، وبالتالي الحكم منفردين.

وعلى الرغم من تشكيك حزب الليبراليين الديمقراطيين بنوايا حزب العمال، فإن براون سيضطر إلى التفاوض بشكل جدي حول هذه الإصلاحات، في حال أنتجت الانتخابات برلمانا معلقا، سيكون الأول منذ 36 عاما. وقال ويب عن ذلك: «أعتقد أن ما طرحه براون يحدد على الأقل إطار مفاوضات بين الحزبين. في حال صدور النتائج وبعد الانتخابات هناك برلمان معلق، سيذهب براون إلى كليغ ويطلب إليهم تشكيل ائتلاف ويقنعهم بدعم برنامجه مقابل الإصلاحات التي هم يدعون إليها منذ مدة طويلة». وأضاف: «سيكون على حزب العمال أن يكون جديا في طرح الإصلاحات هذه المرة... وإلا فسيكونون يغامرون بأن ينقلب الليبراليون الديمقراطيون ضدهم».