أردوغان يطلب مزيدا من الوقت قبل فرض عقوبات على إيران.. ويعتبر إسرائيل التهديد الرئيسي

ساركوزي قبل دعوة لزيارة أنقرة في الخريف القادم

TT

قبِل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي دعوة رئيس الوزراء التركي لزيارة أنقرة. وقالت مصادر القصر الرئاسي إن ساركوزي الذي استقبل رجب طيب أردوغان نحو ساعتين في قصر الإليزيه، على مأدبة غداء، سيلبي الدعوة مباشرة بعد تسلم فرنسا رئاسة مجموعة العشرين أي ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني) القادم. وإذا ما تمت هذه الزيارة، فستكون الأولى من نوعها لساركوزي لتركيا التي يرفض رفضا كليا انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي وهو ما يغيظ الجانب التركي.

واعترفت مصادر الإليزيه ببقاء كل طرف على موقفه، غير أن أردوغان لم يفقد الأمل. وقال في لقاء صباحي مع مجموعة من الصحافيين في أحد فنادق باريس إنه يعتقد أن ساركوزي «قد يغير موقفه» معددا محاسن انضمام تركيا. وأكد أردوغان أن بلاده «تستوفي معايير الانضمام أكثر مما يستوفيها الكثير من الدول الـ27 المنضوية تحت راية الاتحاد». وتصر باريس على عرض «شراكة متميزة» مع تركيا البلد المسلم الذي يضم 71 مليون شخص وهو ما لا تريده تركيا. وأفادت المصادر الرئاسية أنه رغم اختلاف الطرفين حول هذا الموضوع الأساسي بالنسبة إلى تركيا، فإنهما اتفقا على «توثيق علاقاتهما في المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية والأمنية كافة».

ولم يكن انضمام تركيا نقطة التضارب الوحيدة بين الجانبين إذ إن الملف الإيراني كان أيضا موضع خلاف، وأفادت المصادر الرئاسية الفرنسية أن أردوغان طالب بمزيد من الوقت للعمل الدبلوماسي قبل السعي إلى فرض سلة عقوبات إضافية على إيران بسبب امتناعها، وفق الغرب، عن التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية ومع مجلس الأمن الدولي. ولجأ أردوغان صباحا إلى حجة إضافية لتبرير موقف بلاده المتحفظ على العقوبات إذ أشار إلى أن الوكالة الدولية للطاقة النووية تحدثت عن احتمال أن تكون إيران بصدد تطوير سلاح نووي لكنها لم تتحدث عن يقين ولذا فإنه من الصعب بناء اتهامات على الاحتمال. وفي المقابل، عرض ساركوزي موقف بلاده الداعي لعدم إضاعة الوقت والإسراع بفرض عقوبات شديدة على إيران. وعلم أن فرنسا تحبذ فرض عقوبات إضافية أميركية - أوروبية إلى جانب العقوبات الدولية إذا ما تبين أن الدول الغربية ستضطر إلى التخفيف من سقف طموحاتها لتسهيل تصويت روسيا والصين.

وكان أردوغان قد ندد، في حديث صحافي أول من أمس، بالازدواجية الغربية، حيث إن الدول التي تستعجل العقوبات على إيران هي - كما قال - أول من ينتهكها، مسميا الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وهي الدول التي تسعى لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن يتضمن عقوبات إضافية على طهران.

غير أن ما لفت الانتباه، في نهار أردوغان الدبلوماسي الطويل أمس في باريس الذي التقى خلاله الرؤساء الأربعة ومجموعة من هيئة أرباب العمل الفرنسيين، هو الجدل الحامي مع إسرائيل إذ هاجمها صباحا بعنف شديد. وقال في لقائه الصحافي في فندق «ريتز» إن «إسرائيل تمثل التهديد الرئيسي للسلام الإقليمي»، منددا بتصرف القوات الإسرائيلية خلال الحرب على غزة ومشيرا إلى تقرير غولدستون. وقال أردوغان إن بلاده لا يمكنها التصفيق لإسرائيل التي استخدمت القنابل الفسفورية لضرب غزة وأوقعت 1500 قتيل وبررت حربها بحجج واهية. وجدير بالذكر أن إسرائيل منعت، قبل أشهر، وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو من زيارة غزة، مما حفزه على إلغاء زيارته إلى إسرائيل. ورد أردوغان على تصريحات وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان الذي قارنه بالعقيد القذافي وبالرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، بقوله إن مقاربته للموضوع الفلسطيني - الإسرائيلي «لا تعود لكون الأتراك مسلمين بل هي مقاربة إنسانية».

وكان ملف السلام في الشرق الأوسط وعلى الأخص الملف السوري - الإسرائيلي موضع تباحث بين ساركوزي وأردوغان. وقالت المصادر الرئاسية الفرنسية إن الجانبين أعربا عن استعدادهما لبذل ما هو ممكن لتشجيع عودة التفاوض غير المباشر بين سورية وإسرائيل الذي لعبت فيه أنقره دور الوسيط. غير أن تدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل قطع الطريق على دور تركي نشط مجددا نما يفتح الباب نظريا أمام باريس للقيام بهذا الدور. غير أن المؤشرات التي جمعها مبعوثون فرنسيون إلى سورية وإسرائيل تقلل من احتمال فرص التفاوض المباشر أو غير المباشر بين دمشق وتل أبيب التي ترفض الانسحاب من الجولان.

وفي الملف الفلسطيني اتفق أردوغان وساركوزي على «إطلاق مبادرات قوية» وفق المصادر الرئاسية. غير أنه لم تتوافر تفاصيل عن مثل هذه الخطط. ولفت النظر أن مصادر الإليزيه لم تشر إطلاقا إلى قمة الاتحاد من أجل المتوسط المرتقبة في يونيو (حزيران) القادم في برشلونة، لكنها في المقابل أشارت إلى ملفين قوقازيين، أولهما تطبيع العلاقات الجاري بين تركيا وأرمينيا حيث أعرب ساركوزي عن استعداده لدعم هذا المسار. والثاني هو ملف كره باخ العالق بين أرمينيا وأذربيجان. وحرص ساركوزي على استرضاء أردوغان بالتشديد على حزم بلاده في محاربة إرهاب مجموعة حزب العمال الكردي التركي وعلى التعاون مع أنقره في هذا المجال.

ويبدو أن أردوغان لم يثر أحد الموضوعات الخلافية مع باريس وهو اعتراف البرلمان الفرنسي بحصول مجازر تركية في حق الأرمن، وهو تقليديا موضوع بالغ الحساسية بالنسبة إلى القادة الأتراك. ولا يشذ أردوغان عن القاعدة. لكن أنقره قررت، على ما يبدو، تخطي هذا الملف للتركيز على ملفات أكثر حيوية لها مثل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي حيث تبقى باريس العقبة الكأداء التي تحول دون تحقيق تقدم على هذا الصعيد.

وفي موضوع الحجاب قال أردوغان إنه «يستصعب فهم» الجدال حول البرقع في فرنسا. واعتبر أن النظام العلماني «يتيح لكل شخص العيش حسب معتقداته». وأضاف: «يتعين على الدولة العلمانية أن تقف على مسافة واحدة من كل المعتقدات. واستصعب فهم لماذا تجري جدالات أخرى اليوم».

وتابع القول إن «فرنسا هي إحدى ركائز العلمانية الأشد رسوخا. ويعيش في فرنسا ستة ملايين مسلم. ولكل منهم معتقداته الخاصة ويلبس على طريقته».

من جهة أخرى، شكك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مؤتمر صحافي عقده أمس في القدس المحتلة، في إمكانية نجاح أي عقوبة دولية قد تفرض إذا لم تذعن للإرادة الدولية وأوقفت نشاطاتها النووية. وقال: «أشك في أن يكون لبرنامج مثل هذا أي تأثير رادع»، في تلميح إلى جهود واشنطن لاستصدار قرار في مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات جديدة على إيران.